ماذا ينتظر الشّريكان عند ولادة طفلهما الأوّل؟

 ولادة الطّفل الأوّل من أهمّ الأحداث السّعيدة التي ينتظرها أغلبيّة الأزواج بِما تختزن من توقّعاتٍ وأحلامٍ شخصيّةٍ واجتماعيّة. لكنّها في الوقت نفسه تُعدّ من أبرز التّحدّيات التي تواجه الزّوجَين في علاقتهما والتي في بعض الحالات يُمكن أن تقلب العلاقة رأساً على عقبٍ وتؤدّي إلى شرخٍ كبيرٍ قد يوصل إلى الطّلاق. فما هي أبرز المطّبات التي قد تواجه الشّريكَين عند ولادة الطّفل الأوّل وكيف يُمكن مواجهتها؟

مع كلّ ما تجلبه من فرحٍ وتحقيقٍ لرغباتٍ عميقة، إنّ ولادة الطّفل الأوّل هي في الواقع تحدٍّ للزّوجَين، لأنّ الانتقال - في تطوير دينامكيّة الثّنائيّ - من زوجٍ وزوجةٍ إلى أبٍ وأمٍّ ليس مساراً سهلاً أو عفويّاً، فهو يتطلّب إعادة تموضعٍ في العلاقة وإعادة توزيعٍ للأدوار والمهمّات. لذا يجب التّعامل معه بليونةٍ ومسؤوليّةٍ مشتركة.

زعزعة الاستقرار وتغيّر الأولويّات

إنّ ولادة الطّفل الأوّل تؤثّر تأثيراً كبيراً في توازن الثّنائيّ، فالطّفل يتحوّل منذ لحظة ولادته إلى مركزٍ في العلاقة يستحوذ على كلّ الاهتمام بخاصّةٍ في الأشهر الأولى من عمره. وهنا لا بدّ من الإقرار بأنّ الحميميّة الفكريّة، والعاطفيّة، والجنسيّة للزّوجَين ستتراجع لمصلحة الطّفل إذ ستتغيّر مواعيد الزّوجَين في النّوم والأكل والعمل والحياة الجنسيّة والنّشاطات الشّخصيّة والاجتماعيّة. فاستقرار العلاقة في هذه المرحلة سيتزعزع زعزعةً كلّيّةً والأولويّات ستتغيّر.

ولا بدّ من التّوقّف أيضاً عند التّعب والتّغييرات الجسديّة والهورمونيّة التي تمرّ بها المرأة أثناء الإنجاب وبعده والتي تنعكس على نظرتها إلى أنوثتها وصورة الجسد عندها، من حيث الشّعور بمدى رغبة الشّريك فيها ونظرته إليها، والتي ستُساهم إيجابيّاً أو سلبيّاً في هذه المرحلة. وهذا يتمثّل في احتضانه لها ومساعدتها على ترميم شبكات الأمان لديها التي ربّما تكون قد تزعزت نتيجة كلّ هذه التّغييرات.

عامل ضغطٍ

في الماضي، كان توزيع الأدوار بين الزّوج والزّوجة على النّحو الآتي: الرّجل يعمل والمرأة تربّي. لكنّ هذه المعادلة اليوم لم تعد ملائمةً بخاصّةٍ مع دخول المرأة سوق العمل وإعادة صياغة دور الرّجل كي يُمارس أبوّته ممارسةً فعّالةً وعمليّةً مع الطّفل. بمعنًى آخر، ألاّ يكتفي بأن يكون فقط الأب البيولوجيّ من دون تبنٍّ نفسيٍّ لطفله يتمّ  بواسطة المشاركة في تربيته إلى جانب الأمّ. وعليه، إنّ إعادة صياغة الأدوار  بين الشّريكَين كأبٍ وأمّ، والحرمان الذي يعيشانه في حياتهما الزّوجيّة الخاصّة على جميع الصّعد، هما عامِلا ضغطٍ على العلاقة الزّوجيّة ما قد يؤدّي في بعض الأحيان إلى تصادمٍ وكبتٍ ونفورٍ من الآخر. هذا الشّعور يُترجم بخاصّةٍ عند المرأة التي تتّهم الرّجل بأنّه لا يعطيها الدّعم العاطفيّ والعمليّ كما يجب لمساعدتها في مهمّاتها اليوميّة. في المقابل، يتّهم الرّجل زوجته بأنّها تهمله وتصبّ كلّ طاقتها على الطّفل ممّا يشعره بالغيرة لأنّه خارج دائرة الاهتمام ولا يوجد من يكترث لحاجاته.

عدم المخاطرة في إنجاب طّفل إذا لم تكن العلاقة متينة
اصطدام قلق الأمّ وتردّد الأب

هذه المشاعر هي طبيعيّةٌ في البداية لأنّ كلا الشّريكَين يقوم باختبارٍ جديدٍ ليس من السّهل التّأقلم معه. ولا بدّ من عبور بعض المطبّات معاً على أن يستخلصا منها العِبر ويتعلّما التّكيّف مع هذا الواقع الجديد.

لكنّ المشكلة تكمُن أنّه في بعض الحالات يُسيطر القلق بكثافةٍ على الأمّ، ويجد بعض الآباء صعوبةً في تقبّل الأبوّة بانسيابيّةٍ ممّا يجعلهم يخشون التّقرّب من أطفالهم عاطفيّاً حتّى في حملهم أو اللّعب معهم وغيرها من المهمّات. في هذه الحالة عندما يصطدم قلق الأمّ وتردّد الأب فإنّ درجة النّفور قد تتعدّى المستوى الطّبيعيّ لتتحوّل إلى مشاحناتٍ واتّهاماتٍ يوميّةٍ قد تُهدّد العلاقة جدّيّاً وقد توصل في بعض الأحيان إلى إحداثِ شرخٍ عاطفيٍّ ونفسيٍّ يصعب ترميمه. هنا لا بدّ من استشارة معالجٍ نفسيٍّ للأزواج قبل فوات الأوان.

5 خطواتٌ لاستعادة التّوازن تدريجيّاً

إنّ ما يزيد من التّحدّيات في استقبال الطّفل وتربيته هو درجة متانة العلاقة ونضجها عند الشّريكَين قبل الإنجاب. فإذا كانت العلاقة متوتّرةً أو فيها عناصر عدم اكتفاءٍ فإنّ الاعتقاد بأنّ إنجاب الطّفل سيُزيل أسباب التّوتّر هو معتقدٌ خاطئٌ لأنّ المشاكل ستتفاقم أكثر وسيصعب حلّها، لذلك يجب عدم المخاطرة أبداً في إنجاب الطّفل إذا لم تكن العلاقة متينة. لكنْ كيف يُمكن تمرير هذه المرحلة مع أقلّ أضرارٍ مُمكنةٍ في العلاقة واستعادة التّوازن تدريجيّاً؟!

هناك خمسة أموٍر يُمكن للشّريكَين القيام بها:

أوّلاً: استباق المرحلة

يجب التّغلّب على الشّعور بالخجل أو العار بالإقرار بأنّ هذا الاستحقاق المُفرح يحمل أيضاً في طيّاته مشاعرَ من القلق لا بدّ من مشاركتها مع الشّريك. إذاً لا بدّ منذ البداية، أيْ قبل الإنجاب، الاستعلام عن هذه المرحلة وتعرّف كلّ ما تحمله من مهمّاتٍ وتحدّيات، والاتّفاق سابقاً على توزيع المهمّات ولو خضعت لتعديلاتٍ لاحقاً بفعل التّجربة، ولكن على الأقلّ استباق هذه المرحلة يُخفّف من وطأتها.

ثانياً: رسم الأولويّات معاً

لا بدّ أن يتقبّل الشّريكان في الأشهر الأولى أنّهما لن يستطيعا التّوفيق بين نوعيّة حياتهما السّابقة ووضعهما الجديد مع قدوم الطّفل. لذلك، كي لا يُصاب الشّريكان بخيبةٍ مستمرّةٍ بعدم قدرتهما على القيام بكلّ شيءٍ في الوقت نفسه في الحياة الشّخصيّة والعلميّة والاجتماعيّة، لا بدّ من رسم الأولويّات معاً في هذه المرحلة لمصلحة الطّفل والشّريكَين على حدٍّ سواء.

ثالثاً: التّوصّل إلى إقامة فريق

إنّ طلب المساعدة ليس أمراً سهلاً بخاصّةٍ من المرأة التي تُلقى على عاتقها الكثير من المسؤوليّات والتي تعتقد في أغلب الأحيان أنّ على الرّجل أن يعرف سلفاً ما عليه القيام به وطريقة المساعدة. على المرأة أن تتعلّم كيف تطلب المساعدة من الرّجل وأن يتعلّما معاً كيفيّة التّصرّف كفريقٍ يُتقن مع الوقت قواعد اللّعبة بدل عيش توقّعاتٍ تؤدّي غالباً إلى خيبة أمل أحدهما في الآخر.

رابعاً: إعادة رسم الحميميّة

في الأشهر الثّلاثة الأولى، يفرض الطّفل نفسه كأولويّة، فهو حاضرٌ في كلّ لحظة. وحتّى أغراضه تأخذ أماكنَ عدّةٍ في المنزل. من الصّعب على الشّريكَين في هذه المرحلة المحافظة على حميميّتهما معاً: الخروج مثلاً كما كانا يفعلان سابقاً، بخاصّةٍ إذا كان هذا العمل مصدر قلقٍ لأحدهما. لذلك على الشّريكَين أن يعيدا تدريجيّاً في يوميّاتهما رسم حميميّتهما العاطفيّة والجنسيّة. فبهذه الطّريقة إنّ علاقتهما مع الطّفل لا تُشعرهما ببعد أحدهما عن الآخر أو ذوبانه في دور الأمومة أو الأبوّة فقط. إنّ إعادة الوصال الجنسيّ يجب ألاّ تتأخّر وإلاّ فسوف تتأثّر العودة إلى نمطٍ مقبولٍ من الطّرفَين.

خامساً: الحوار والإصغاء

إنّ حجر الزّاوية من أجل التّمتّع بثمرة الحبّ التي هي الطّفل، وفي الوقت نفسه مواجهة التّحدّيات، هو إرساء قواعدَ متينةٍ للإصغاء والحوار في كلّ التّفاصيل من أجل توفير الدّعم للشّريك وتوفير الحماية للطّفل، بدل رمي الاتّهامات وإلقاء اللّوم على الآخر.  إنّ الإصغاء إلى الحاجات العاطفيّة للشّريك واحترامها، يوفّران مناعةً في العلاقة بين الشّريكَين ويجعلان هذه التّجربة بالرّغم من تحدّياتها مهمّةً رائعةً وثمينة.

إنّ السّنتَين الأُوليَين بعد ولادة الطّفل تُعدّ اختباراً حقيقيّاً لمدى متانة علاقة الشّريكَين وقدرتهما على التّكيّف مع هذه الحياة الجديدة التي أوكل إليهما الاعتناء بها من دون التّضحية بنوعيّة العلاقة بينهما على المدى الطّويل. 

مقالات قد تثير اهتمامك