صداقة الأطفال واحترام حقوق الآخر

لأنّ الصّحّة النّفسيّة جزءٌ لا يتجزّأ من الصّحة الجسديّة؛ التي لا تكتمل من دونها، ولأنّ تكوين شخصيّة الفرد ناتجٌ بدرجةٍ كبيرةٍ عن عمليّات التّعلّم التي يمرّ بها خلال تفاعله مع البيئة خصوصًا في فترات الطّفولة؛ تُكمّل "الحسناء" مَهمّتها التي أرادتها لتعزيز صحّة أطفالنا جسديّاً ونفسيّاً، وذلك عبر طرح موضوع صا5قة الأطفال وكيفيّة تعاملهم مع بعضهم البعض.

شجّعوا أولادكم على اللّعب ضمن مجموعة، ووفّروا لهم الظّروف المُناسبة التي تجمعهم بأولادٍ من العمر نفسه تقريباً، فهذا سوف يُساعدهم على تجاوز خجلهم واكتساب جرأةٍ تُساعدهم على النّجاح في علاقاتهم.

إنّ إقامة صداقاتٍ ليست أمراً سهلاً بالنّسبة إلى الأطفال، الذين يُطلبُ منهم أن يتخلّصوا من أنانيّتهم ويقبلوا بمشاركة ممتلكاتهم مع الآخرين. لذا، يُشكّل الدّخول إلى دار الحضانة الخطوة الأساسيّة في تواصل الطّفل مع آخرين من عمره، بحيث يُشاركهم النّشاطات الرّوتينيّة اليوميّة مثل الأكل والنّوم، ويتدرّب وإيّاهم على اللّعب ضمن المجموعة، مع كلّ ما يتطلّبه هذا النّوع من اللّعب من تنازلات.

دور الأهل في إقامة حواراتٍ مع أطفالهم

في عمر الثّلاث سنوات، يبدو واضحاً اهتمام الطّفل بمشاعر زملائه المُحيطين به، فنراه يهتمّ بزميلٍ له يشعر بالألم، أو يحزن إذا أبدى أحد زملائه نفوراً تجاهه أو رفض اللّعب معه. في هذه الفترة، يعمل الأهل على مساعدة طفلهم على تقبُّل خيبات الأمل وتقبّل رفض الآخر له.

لكنّ الأهمّ، هو مساعدة الطّفل على بناء صداقاتٍ من خلال تدريبه على احترام حقوق الآخرين وتقديم الشّروحات الكافية له المُرتبطة بالأمور المقبولة وغير المقبولة اجتماعيّاً.

إذاً، يكمُن دور الأهل في إقامة حواراتٍ مع أطفالهم، ليس في عمر الثّلاث سنوات فقط، بل أيضاً في أعمارٍ متقدّمةٍ تصل إلى العشر سنوات، حول كلّ ما قد يُبعد الآخرين عنهم ويؤدّي إلى تجنّب أصدقائهم لهم، مثل الكذب، إهانة الآخر من خلال توجيه الشّتائم له أو السّخرية منه أو تعنيفه جسديّاً.

والأهمّ هنا هي الخُبرات التي يكتسبها الطّفل في بيته، فالعائلات التي يتبادل أفرادها الحوار مع بعضهم بالصّراخ، والتي تستخدم الشّتائم عند تأنيب الطّفل، لا تُعطي مَثَلاً صالحاً للطّفل في موضوع احترام الآخر.

من الجيّد أن نُشجّع الطّفل على أن يُعير لعبته، وأن نُفسّر له أنّ هذا أمرٌ لطيفٌ وأنّ الآخر لن يأخذ اللّعبة معه إلى المنزل بل سوف يعيدها إليه.

سلوك مُستحبّ يزيد من شعبيّتهم

أمّا بالنّسبة إلى اختيار أصدقائهم، فالأولاد يحتاجون إلى الكثير من الوقت لمعرفة مع مَن يودّون التّواصل وبِمَن يُمكنهم الوثوق. خلال هذا الوقت، سوف يواجهون الكثير من الصّراعات خلال اللّعب، لذلك هم بحاجةٍ إلى مراقبة الأهل، الذين يجب أنْ يوجّهوهم نحو السّلوك المُستحبّ الذي يزيد من شعبيّتهم.

من ناحيةٍ أخرى، يجب أن يفهم الطّفل أنّه من الضّروريّ أن يُحافظ على حقوقه وأنْ يتعلّم كيفيّة الحفاظ على ممتلكاته، كأنْ تطلب مثلاً الفتاة من صديقتها أن تُعيد إليها القلم بعد الانتهاء من استعماله، وأن يرفض الصّبيّ التّنازل عن السّيّارة الصّغيرة التي ابتاعها له والده، مُعيراً إيّاها لصديقه ومبدياً معارضته عندما يطلب هذا الأخير الاحتفاظ بها.

الغشّ يُسيء إلى الصّداقات

يبقى أن نتحدّث عن الغشّ الذي يُسيء إلى الصّداقات ويتسبّب بخلافاتٍ بين الأولاد قد تؤدّي أحياناً إلى سلوكٍ عنيفٍ يتعمّده بعض الأطفال.

هنا، تأتي ضرورة تدريب أولادنا على تقبّل الخسارة بالرّغم من الجهود التي بذلوها لكيْ يكونوا من الأوائل. هذا، بالإضافة إلى تقبُّل فقدان الآخر، الذي يُبدي عدم اهتمامه بهذه الصّداقة وعدم اكتراثه بمشاعر طفلنا، مع التّركيز على وجود عددٍ كبيرٍ من الأولاد الذين يُمكن إقامة صداقاتٍ معهم.

ومن المهمّ أن نشرح لطفلنا أنّ مَن لا يكترث لحزنه ولا يهتمّ بشعوره، هو صديقٌ لا يحبّه بصدق. وهذا أمرٌ يصعب استيعابه على الأطفال الذين هم دون السّادسة من عمرهم.

مقالات قد تثير اهتمامك