هل طفلكِ مهيّأٌ لدخـول المدرسـة؟

يُظهر أحد التّقارير القوميّة في أميركا أنّ نسبة 20 إلى 49% من الأطفال الذين يلتحقون بالمدرسة هم غير مستعدّين للتّعلّم بناءً على العديد من العوامل المتعلّقة بالبيئة الاجتماعيّة للطّفل وأسرته وما شابه!

فما هي إذاً المعايير التي تُحدّد أهليّة الطّفل للانتساب إلى المدرسة؟ وما هو دَور الأهل والأقران ودور الحضانة في تهيئة الطّفل للمدرسة؟ وأيّ مدرسةٍ هي الأفضل لنموّ أطفالنا وتطوّرهم؟ وكيف يُمكن تحضير الطّفل جسديّاً ونفسيّاً قبل دخوله المدرسة؟
د. لمى بنداق تُجيب عن كلّ تلك التّساؤلات وغيرها في الآتي:

هل كلّ الأطفال في عمر ثّلاث سنواتٍ أو أقلّ مستعدّون للانتساب إلى المدرسة؟
كلاّ، إذ يجب مراعاة جميع نواحي تطوّر الطّفل الجسديّة، والنّفسيّة، واللّغويّة، والإدراكيّة، والاجتماعيّة، وما شابه لتحديد أهليّة الطّفل للمدرسة.

بناءً على خبرتك، ما هي المعايير التي تحدّد أهليّة الطّفل للدّخول إلى المدرسة؟
هناك العديد من المعايير التي يجب مراعاتها، ويُمكن اختصارها بالأسئلة التّالية التي تراعي تقريباً جميع نواحي التّطوّر لهذه الفئة العمريّة:
هل الطّفل يطيع التّعليمات والإرشادات؟ هل يلعب مع أقرانه؟ هل يستطيع حمل قلم التّلوين واستعماله؟ هل ينسجم مع أطفالٍ آخرين لم يرهم من قبل؟ هل هو متعاطفٌ مع احتياجات الأطفال الآخرين؟ هل يستطيع انتظار دوره، وأن يتشارك مع الآخرين في اللّعب؟ هل ينصت أثناء سرد قصّةٍ له؟ هل يستطيع استعمال المرحاض وحده؟ هل يستطيع أن يرتدي ثيابه ويتناول طعامه من دون مساعدة؟ هل يعرف اسمه بالكامل، وعنوانه، ورقم هاتف والدَيه أو أحدهما؟ هل هو قادرٌ على البقاء فترةً محدّدةً من دون والدَيه؟ هل يتصرّف بحرّيّةٍ عندما يكون مُراقباً؟ هل يستطيع أن يبقى نشيطًا حوالي 5 ساعات؟ هل هو اتّكاليٌّ أو مستقلّ؟ هل لديه مهاراتٌ اجتماعيّةٌ (مع أقرانه ومع الكبار)؟... عندما نجد أنّ الطّفل ملمٌّ بأكثر من 80% من هذه المهارات، عندها يُمكننا أن نرسله إلى المدرسة.

دور الأهل والحضانة

كيف يمكن اختصار احتياجات طفلٍ عمره ثلاث سنوات من جهة الأهل؟
يحتاج الأطفال إلى الإحساس الآمن للنّموّ؛ فذلك الإحساس يولّد لديه الثّبات والعلاقات الجيّدة في محيطه. ويجب أيضًا التّعامل مع الطّفل بلغةٍ سليمةٍ والابتعاد عن تعابير الأطفال (مثل: ننّي، ددّي)، فالمفردات والجمل السّليمة والكلمات الواضحة هي من أساسيّات التّواصل. ولا ننسى أنّ أهمّ المهارات الاجتماعيّة العلائقيّة للطّفل تنبع من توفير بيئةٍ مع الأقران، بمعنى أنّ الطّفل يجب أنْ يكون مع أطفالٍ من العمر نفسه، فاللّعب هو من أهمّ الأسس التّعليميّة في مراحل الحضانة.

وما هو دور الحضانة في تهيئة الطّفل لدخول المدرسة؟
بدايةً، أشدّد على ضرورة انتساب الطّفل إلى دور الحضانة بعد بلوغه العام الأوّل، فالحضانة الجيّدة التي تعرف دورها وتقوم به جيّداً تُحدث فَرقاً كبيراً في حياة الأطفال. الكثير من الدّراسات المهتمّة بالإنجاز الدّراسيّ تُشير إلى أنّ الحضانة تستطيع أن توفّر انطلاقةً قويّةً لحياة الطّفل الدّراسيّة عن طريق تمكين الطّفل بالمهارات الاجتماعيّة والوجدانيّة الضّروريّة الأساسيّة للاستعداد للمدرسة، مثل القدرة على: اتّباع التّعليمات، وتركيز الانتباه، وانتظار الدّور، وضبط النّفس، وحلّ المشكلات بالحديث بدلاً من العنف، والعمل المستقلّ والعمل ضمن جماعة، وتكوين أصدقاء، بالإضافة إلى مهارات التّواصل مع غيره من الأطفال والرّاشدين أيضاً.

إذاً، إنّ الاستغناء عن السّنة التّحضيريّة الأولى في المدرسة أمرٌ مستبعد؟
طبعاً، انطلاقاً من نواحٍ عدّةٍ، أهمّها النّاحية الاجتماعيّة، وناحية تطوير مهارات التّواصل لدى الطّفل، ثمّ النّاحية الأكاديميّة، لأنّ أقرانه سيكونون مدرَّبين على الجوّ المدرسيّ اليوميّ، وعلى قوانين الصّفّ وعلى العمل المستقلّ والعمل ضمن جماعة. ولكن يُمكن تأخير ذلك مدّة فصلٍ دراسيٍّ واحدٍ إذا وجدنا أنّ الطّفل غير مهيّأٍ للمدرسة وفق ما ذكرناه سابقاً.

الكثير من الأهل يواجهون مشكلةً في اختيار المدرسة الأنسب لأطفالهم، فكيف يُمكن انتقاء المدرسة الجيّدة وبناءً على أيّ معايير؟
ليس هناك مدرسةٌ واحدةٌ تختصر متطلّبات الأهل. إنّ ما يريده الأهل للطّفل يختلف من حيث البيئة. نحن ننصح الأهل باللّجوء إلى المدرسة التي تُراعي جميع نواحي نموّ الطّفل وليس فقط ناحية التّطوّر الأكاديميّ. فكما رأينا من أسلافنا، ليس المقياس أنّ الأوّل في الدّراسة هو الأوّل في مجال العمل والنّجاح، وما يمكن أن يكون مناسباً لطفلٍ ما قد لا يكون مناسباً لغيره.

ما الذي يجب اتّباعه قبل إرسال الطّفل إلى المدرسة من الناحيتيْن الجسديّة والنّفسية؟
جسديّاً، يجب أن يكون الطّفل قد خضع لجميع اللّقاحات الضّروريّة، وتمّ التّأكّد من سلامة نظره، وسمعه، وأيضاً نشاطه. نفسيّاً، فإنّنا لا نواجه عادةً مشكلةً مع الطّفل الذي قصد دار الحضانة إذ يكون مدرّباً على نظامٍ معيّنٍ ويستطيع البقاء مدّةً من دون والدَيه، ويكفي في هذه الحالة أن نتحدّث إليه عن المدرسة وتصويرها بطريقةٍ جميلة، وعن كلّ ما يمكن أن ينجزه الطّفل هناك، بالإضافة إلى ضرورة زيارتها مرّاتٍ عدّةً قبل انضمامه إليها رسميّاً كي يُصبح المحيط مألوفًا بالنّسبة إليه.
أمّا بالنّسبة إلى الطّفل الذي لم يذهب إلى دار حضانة، فيجب تحضيره أكثر، فإلى جانب التّحدّث إليه عمّا يمكن أن يفعله في المدرسة، يُفضّل أن يبدأ سنته الدّراسيّة تدريجيّاً من حيث الوقت، أيْ أن يذهب أكثر من مرّةٍ إلى المدرسة ليعتاد المحيط، ثمّ تركه مدّة ساعتَين فثلاث ساعاتٍ ثمّ من بعدها نتركه يتّبع النّظام المدرسيّ. لكن في جميع الحالات، يجب أن يسمع كلمات الوعود بأنّ الأهل سيأتون في الوقت المحدّد لاصطحابه أو انتظاره في المنزل في حال كان سيعود في حافلة المدرسة. فتحديد الوقت والتّذكير بذلك يُعطي الطّفل الشّعور بالأمان والثّقة بالنّفس.

كي ينجح أطفالكم في الحياة أيضاً
إنّ المهارات الاجتماعيّة التي يكتسبها الطّفل بالإضافة إلى توفير احتياجاته الجسديّة، والنّفسيّة، والاجتماعيّة، والصّحّيّة وما شابه، تُنبئ بالنّجاح الدّراسيّ كخطوةٍ أولى، وبالنّجاح في الحياة المهنيّة والأسريّة والحياة العامّة لاحقاً. لذا، إنّ أفضل الطّرق لمساعدة الأطفال على تنمية مهاراتهم الاجتماعيّة والوجدانيّة، هي بتوفير توازنٍ بين «أنشطة الطّفل» مثل الوقت الحرّ والوقت الذي يعمل فيه ضمن مجموعاتٍ صغيرة، مع إعطاء فرصةٍ للّعب والعمل ضمن مجموعاتٍ كبيرةٍ على أن يكون هذا الوقت قصيراً وفيه الكثير من الحيويّة والتّجدّد.

مقالات قد تثير اهتمامك