خمسُ باحثاتٍ عربيّات: «ماضياتٌ في سبر أغوار العلم»

هذا العام، انطلق برنامج لوريال - يونسكو «من أجل المرأة في العلم» لزمالات المشرق العربيّ ومصر، بالشّراكة مع مكتب اليونسكو الإقليميّ للعلوم والتّكنولوجيا في الدّول العربيّة والمجلس الوطني للبحوث العلميّة في لبنان، بهدف تعزيز الدّور العلميّ للمرأة العربيّة وتشجيعه في كلٍّ من لبنان، والعراق، وفلسطين، ومصر، وسوريا والأردن، وكرَّم خمس باحثاتٍ عربيّاتٍ من فلسطين ومصر والأردن ولبنان والعراق، حائزاتٍ على درجة الدّكتوراه، ويعملن على مشاريعَ استثنائيّةٍ في مختلف مجالات العلم والتّكنولوجيا. حصلت كلّ فائزةٍ على منحةٍ قدرها 10,000يورو، تُمكّنها من التّقدّم أكثر في أبحاثها.

لا نصل...

«هذه الجوائز تساعدنا كثيراً لكي نُكمل الطّريق على الرّغم من العوائق التي نواجهها، إنْ من ناحية تقبّل المجتمع لنا أو من ناحية مهام الأمومة التي نقوم بها أيضاً»، هذا ما أكّدته الدّكتورة إلهام الخطيب (الفائزة الفلسطينيّة) أثناء حديثها إلى «الحسناء». وأضافت: «أنا فخورةٌ جدّاً بهذه الجائزة، لأنّها تكريمٌ لأعمالنا، وتمنحنا، إضافةً إلى المبلغ الماديّ، شبكة تواصلٍ اجتماعيّةً كبيرةً وفرصةً لتسليط الضّوء على مشاريعنا وإيصال رسائلنا إلى العالم».
ولوجها في مجال البحث العلميّ كان تحدّياً لها، ولاسيّما في إدارة الوقت جيّداً وتحقيق التّوازن بين العائلة والعمل. فهي زوجةٌ وأمٌّ لولدَين (عمراهما 15سنةً و9 سنوات). وفي هذا الإطار، تقول: «التّوازن بين العائلة والعمل أمرٌ صعبٌ لكنّه غير مستحيل، إذْ في إمكاننا تحقيقه بطريقةٍ ممتازة، إذا توفّر لنا الدّعم العائليّ. فأنا مثلاً أبذل قصارى جهدي لأكون إلى جانب ولدَيّ في مختلف النّشاطات والحفلات والمباريات التي يُشاركان فيها. ونحن لأنّنا أمّهات، نُقدِّر الوقت ونستثمره استثماراً أفضل من الرّجال. لكنّنا لا نصل إلى أعلى المناصب في مجال الأبحاث لأنّ وقتنا غير مخصَّصٍ بكامله للعمل».

وعن نظرة الرّجل إلى المرأة في مجال العمل، تُشير د. إلهام إلى أنّها لا تزال غير جدّية. لكن من ناحيتها، فهي لا تهتمّ بهذه النّظرة لأنّها تؤمن بأنّ إنجازات الشّخص هي التي تتحدَّث عنه.

المجتمع يُبعدها

الدّكتورة نورتان عبد التّوّاب (الفائزة المصريّة)، تشير إلى أنّ هناك الكثير من النّساء الباحثات في مصر اللّواتي يصلنَ إلى مراكزَ عالية، لكنّ القليل منهنّ يُكملنَ الطّريق، وهذه المشكلة ليست موجودةً في مصر فقط، وإنّما في مختلف دول العالم. وبحسب رأيها، إنّ المجتمع بعامّةٍ يُبعد المرأة عن البحث العلميّ كونها المسؤولة عن الأسرة بنظره أكثر من الرّجل. وتلفت د. نورتان أيضاً إلى أنّها تفتقد إلى التّشجيع خارج نطاق الأسرة، فهي تتمتّع بدعمٍ كبير من الأهل والزّوج فقط. إلاّ أنّ مبادرة «لوريال» أتت لتسدّ جزءاً من هذا الفراغ، «إذ تؤكّد دور المرأة الفعّال في المجتمع وتشجّعها بتكريمها وتقدير أعمالها ومساعدتها مادّيّاً، ولو بمبلغ بسيط، لاستكمال البحث الذي تعمل عليه». أمّا في مسألة التّوازن بين العائلة والعمل، فتقول د. نورتان إنّ العائلة هي جزءٌ من حياتها والعمل أيضاً جزءٌ منها، لذا إنّ التّوازن لا ينبغي أن يوجِد مسألةً تحتاج إلى نقاشات.

لا تيأسن...

بدورها تؤكّد رنا سعيد (الفائزة الأردنيّة) أنّ مشاركتها في هذه المسابقة كانت تحدّياً كبيراً لها، لاسيّما أنّها لم تعلم عنها بالطّرق التّقليديّة، بل عن طريق زملائها الرّجال الذين استفزّوها بطريقة إخبارهم. «فالرّجال عادةً يتصدّرون المجال العلميّ وينالون ترقياتٍ في مدّةٍ قصيرة، لأنّهم متفرّغون أكثر للعلم، في حين أنّ مسؤوليّات المرأة العائليّة والمنزليّة تؤخّر وصولها إلى بعض المناصب العالية، ما يجعلهم لا يأخذونها على محمل الجدّ». إلاّ أنّ نظرة هؤلاء الرّجال إلى د. رنا اختلفت بعد الفوز، فأصبحت جدّيّةً أكثر، وقد تصل إلى التّعاون في نشر الأبحاث العلميّة، وذلك بحسب ما صرَّحت به. وأضافت: «الفوز يُعطي ثقةً بالنّفس، ويُبرهن للطّالبات أنّنا كنساءٍ بإمكاننا فعل شيء، ويجعلنا نسعى إلى الإنجاز التّالي».
أمّا أبرز التّحدّيات التي تواجه د. رنا في مشوارها العلميّ، فتكمن في إثبات أنّ المرأة تقدِّم النّوعيّة ذاتها التي يقدِّمها الرّجل في مجال النّشر العلميّ، وأنّها متساويةٌ بقدراتها العقليّة معه. وبالنّسبة إلى الرّسالة التي توجّهها إلى الشّابّات العربيّات، فتقول فيها: «اعملن بجدٍّ واحببن أعمالكنّ ولا تيأسن، ولا تعطّلن طموحكنّ العائليّ، بل حاولن منح كلّ عملٍ حقّه».

نجاحي نجاحٌ للعائلة

الأهميّة بنظر الدّكتورة رحاب رئيف نصر (الفائزة اللّبنانيّة)، «إذ إنّها تمنحنا مبلغاً مادّيّاً معيّناً يسمح لنا بالتّقدّم في بحثنا، إلى جانب قيمةٍ معنويّةٍ أهمّ تُشعر الفائز بأنّ هناك مَن قال إنّ عمله مهمّ، وتُحمّله أيضاً مسؤوليّة الاستمرار في العمل والنّجاح فيه».
وتلفت د. رحاب إلى أنّ لدى لبنان طاقاتٍ نسائيّةً كثيرةً تنفّذ نوعيّاتٍ ممتازةً من الأبحاث العلميّة، لكنّنا لا نعلم الكثير عنها، وينقصها الدّعم الماديّ، وأحياناً كثيرة دعم المجتمع، ممّا يعيق تقدّمها. «فأنا لولا دعم أهلي وزوجي لم أصل أبداً إلى ما أنا عليه اليوم، بخاصةٍ أنّني أمٌّ لـ3 بنات (أعمارهنّ 16 سنة، و11 سنة، وسنتان ونصف السّنة)، ولا بُدّ من تقصيرٍ ما في مسألة التّوازن بين العائلة والعمل التي ليست بالأمر السّهل، لذا حمل زوجي أكثر من نصف الحمل معي، وتفهّم مسألة سفري المتكرّر التي لم تكن سهلةً عليه كوننا نعيش في مجتمعٍ قرويٍّ لا يزال يرفض سفر المرأة وحدها... كلّ ذلك لأنّه يرى في نجاحي نجاحاً للعائلة».

 

ما من عوائق

«قدّمت لي جائزة «لوريال- يونسكو» الفرصة لإبراز عملي ودفعتني أكثر لاستكمال مشروعي»، هكذا عبّرت د. سماهر حسين علي الجنابي (الفائزة العراقيّة) عن سعادتها لفوزها بتلك الجائزة. وأردفت: «سرّ نجاحي يعود إلى دعم أهلي وتشجيعهم اللاّمتناهي وإلى كلّ أستاذٍ علّمني وساعدني في هذه الحياة، إضافةً إلى شغفي في العمل في مجال تكنولوجيا المعلومات». لم تواجه د. سماهر أيّ عوائقَ أثناء دراستها وعملها في هذا المجال، سوى تلك الأزمة التي يعاني منها العالم العربيّ والتي تؤثّر في كلّ الأعمال.   
د. سماهر غير متزوّجة، لكنّها تعتقد أنّ الرّجل المتفهّم يدفع زوجته إلى استكمال طريقها المهنيّ، ولا يقف حاجزاً أمامها. وباعتقادها أنّ الأب والأمّ النّاضجَين يربّيان أبناءً ناضجين وأقوياء يستطيعون الوقوف على أقدامهم، مهما واجهوا من تحدّياتٍ في المجتمع.

مقالات قد تثير اهتمامك