انسي الحاج عاشقاً بين فيروز والسمّان

ينتهي العامُ على سجالات شتى في السياسة والثقافة والاقتصاد والحروب، وفي شؤون المرأة وشجونها ايضاً. من تلك النقاشات، المفيد بعضُها والعقيمُ بعضُها الثاني، ما تناول إصدارَ الاديبة السورية غادة السمان رسائل الشاعر انسي الحاج اليها في كتاب. كانت غادة حسناء بهيةً في العشرين من عمرها وهو زوج ووالد في السادسة والعشرين. الرسائل التسع التي كُتبت في الايام الاولى من كانون الاول/ ديسمبر 1963، بثَّ فيها العاشق ناره التي تحرق صدره ملوّحاً بالانتحار ما لم تتخلّ المعشوقة عن "غموضها وسخريتها وشكّها (في "حاجته اليها كإنسانة لا كشيء") وانتقامها الدفين". 

يأتي هذا الكتاب بعد ربع قرن على إصدار السمّان رسائل الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني اليها. وفي الحاليْن لم تنشر أياً من رسائلها الجوابية كأنما شاءت بحسب منتقديها ان "تجعلَ من نفسها اسطورةً ومعبودةً يسعى اليها الادباء خاشعين، مكسوري الكبرياء" (خاصةً بالنسبة للمناضل الفلسطيني الذي اغتالته اسرائيل فاتخذ في وجدان الكثيرين صورة الشهيد)، بينما ترفل الغادة بـ"الامان العاطفي" على عرش كبريائها. طبعاً ردت السمّان انها "بحثت" عن رسائلها الى حبيبها غسان فلم تعثر على ايّ منها. اما الشاعر اللبناني فلم تبادله الحب كما تُبيّن رسائله، ولم تكتب اليه جواباً واحداً لانهما كانا يلتقيان في المقهى. هل ما فعلت غادة، القاصة والروائية الرائدة في ستينات القرن الماضي، هو سعيٌ للعودة الى الأضواء بعدما ظهرت اجيال جديدة من الكتّاب والكاتبات؟ ام ان ما نشرته يتسم بشيء من القيمة الادبية عدا عن كونه وثيقة تاريخية تضيء جانباً من سيرة الرجلَيْن وأدبهما في آن؟ لكن، الم تخبرنا الروائية حنان الشيخ عن رسائل حب كتبها اليها شاعر "لن" ولن تنشرها؟ فما هي،اذاً، المعايير الثقافية او الاخلاقية التي استند اليها كل من الاديبتين في قرار النشر او الحجب؟

الملفت في رسائل الحاج التي فاجأت بها السمّان روّاد معرض الكتاب في بيروت، نزقُ الرغبة لديه مصعَّداً في الشهوة حدّ التطرف والتلويح بإنهاء الحياة. والأغرب ان ينتهي ذلك النزق العاصف بتلك السرعة اي خلال ايام (هذا لو كان انقطاع الرسائل مؤشِّراً الى انتهائه). يبقى انه بعد بضعة اعوام على رسائله الى غادة وحنان، وسواهما بالتأكيد، كتبَ انسي ونشرَ قصيدته الصوفية "الرسولةُ بشَعرها الطويل حتى الينابيع" التي كانت "ثمرةَ" حبه لفيروز (وهو ما يعرفه الوسط الثقافي والفني ولو لم يجرؤ احد على الاشارة المكتوبة اليه) وعشقه صوتها أيّما عشق. في تلك القصيدة ينعتق من جسدانية تمزّقه مستغرقاً في المرأة باعتبارها قطباً كونيّاً يفيء الرجلُ اليه، بل باعتبارها تجلّياً من تجلّيات الالوهة وفردوس العودة الى "الينابيع". فهل انسي هو شاعر "الرسولة" او شاعر الرسائل العاصفة التي شبّهها نقّادٌ بكتابيه "لن" و"الرأس المقطوع"؟ لا ريب انه كلا الحالين وسواهما ايضاً.

 

افتتاحية "الحسناء" (كانون الأول/ديسمبر 2016)

مقالات قد تثير اهتمامك