بنص رائع يستعيد روجيه عساف "حرب طروادة" على مسرح دوار الشمس

حرب طروادة العتيقة الراسخة في ميثولوجيا الإغريق، المتشعبة في تفاصيلها ووحشيتها وحكاياها جعلها المسرحي الطليعي روجيه عساف صداً لحروبنا، عبثاً نهرب، المرآة وضعها عساف هنا على خشبة مسرح دوار الشمس في الطيونة تروي لنا حرب طروادة التي هي كل الحروب في كل الأزمنة، نزاعات سياسية، دينية، ثقافية، عرقية، بحث متلهف عن غنائم، دمار، موت، تهجير، حرب طروادة روجيه عساف حروبنا كلها حاضرة فيها. نص المسرحية الذي اختاره عساف من ثلاث تراجيديات اغريقية تناولت حكايا طروادة، هذا النص طوعّه عساف، نزع منه كل صعوبة، وترك فيه العمق كله، فكان انسياب مؤثر، متناغم باللهجة اللبنانية، من انطلاقة المسرحية مع ضربات عصاه الثلاث وحتى انتشار الموت في كل الزوايا والختام.

عندما فُتن بارس الطروادي بهيلينا زوجة ملك اسبارطه خطفها، فاشتعلت الحرب، مما استوجب تقديم عذراء لللألهة حتى يتغيّر مسار الرياح ليتمكن الأسطول اليوناني من الإبحار نحو طروادة، فأجبر أغاممنون على التضحية بابنته إيفيجينيا، والدتها كليتمنسترا ترفض، تصف زوجها بالسفاح، تبحث عبثاً عن خلاص ابنتها ولكن الأخيرة بعد انسداد كل الأبواب بوجهها تضحي بنفسها، تصعد ذاك الدرج الخشبي على يمين المسرح، ومن هناك تذهب إلى الموت وتشتعل الحرب، وكل مجرياتها تتحكم بها الألهة، أسياد حروب تلك الأساطير انعكاس لسادة الحروب في كل الأمكنة، دول تتحكم بأخرى، البحر طريق يسلكها الهاربون من الموت، الحرب لها إله، الموت له إله، وللتنكيل إله، أليس من إله للسلام، تتساءل النساء اللواتي يدفعن ثمن الحرب، يترملن، يخسرن أبناءهن، يغتصبن، يستعبدن، تسألن "أليس من إله للسلام؟" تردّ إحداهن :"كان في إله (للسلام) تركنا وفل... ما حدا قدملو دبايح". كل قساوات الحرب شهدناها على المسرح، حتى انتزاع رضيع من أمه بهدف قتله حتى لا يفكر الطفل ابن الزعيم الطروادي يوماً بالانتقام، أغاممنون أمر، أغاممنون نفذ، وعاد الموت ليأكل أربابه، كثر قفزوا عن ذاك الدرج الخشبي، صوب الموت راحوا، وفي كل سقوط تراجيديا موجعة.

في مسرحية "حرب طروادة" تنقّل بعض الممثلين في أكثر من دور، 12 ممثلاً محترفاً ملأوا الخشبة، وبرع بشارة عطاالله في اختيار فساتين اليونانيات والطرواديات وتسريحاتهن وكذلك ملابس جنود الطرفين المتقاتلين، أما استخدام عربات تسوق جديثة لإدخال الملوك إلى المسرح فكان ملفتاً بظرفه وسط التراجيديا. في مسرحية "حرب طروادة" نجح روجيه عساف مع فريق عمل متضامن ومحترف في صنع مسرحية يصعب فعلياً النهوض بها في ظل إمكانيات مادية ضئيلة، قوة عساف أنه يعرف بحرفيته جذب العاملين معه وتحفيزهم للنجاح تحت أي ظرف.

استعاد روجيه عساف "حرب طروادة" ونجح في تظهير صور حروبنا من خلالها، أوجعنا وأعادنا لنبحث مع نسائه المعذبات عن إله للسلام.

(تعرض مسرحية "حرب طروادة" على خشبة مسرح دوار الشمس في الطيونة حتى 19 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي)

مقالات قد تثير اهتمامك