جمال أبو الحسن: حان الوقت لوضع الموسيقى الشرقية خارج الإطار!

الموسيقى لغة عالمية مبنية على شيء واحد يجمع البشر كلهم مع بعضهم البعض، إنها المشاعر والأحاسيس اليومية التي تسافر بالإنسان الى أماكن بعيدة مجهولة. فللأوركسترا السيمفونية سحر خاص في وضع المستمع في حالات مماثلة، لاعتمادها بشكل أساسي على الخيال فكل منا يلجأ ويهرب حسب ظرفه الى مكانه الخاص. في حديث مع "الحسناء" يدخلنا الموسيقي والفنان جمال أبو الحسن الى عالم تندمج فيه الحضارتين الغربية والشرقية من خلال الجمع بين الموسيقى الإلكترونية والسيمفونية العربية المزودة بالمشهديات الحديثة المعاصرة.

في تموز الماضي، قدمت "صور بين الذاكرة والحلم" أخبرنا عن هذه التجربة وكيفية تجاوب الجمهور معها؟

كان ذلك في العشرين من تموز الماضي ضمن مهرجانات صور على المدرج الروماني، تحت عنوان"صور بين الذاكرة والحلم، ألوان سيمفونية، وهذا العمل الذي حضرت له هو عمل موسيقي مشهدي يعتمد على التاريخ والحضارة والموسيقى القديمة. كان الافتتاح الأول بالاشتراك مع الأوركسترا الوطنية وأوركسترا الفيحاء، ومجموعة من الموسيقيين من لبنان وأدخلنا آلات شرقية وسيمفونية غربية بالإضافة الى آلاتي الخاصة الإلكترونية. لذا كان يجمع بين الدراما والتأليف الأصلي كله بأسلوب عالمي سيمفوني، بالإضافة الى كل الإمكانيات المشهدية فقد استخدمنا الوسائل التعبيرية والحسية السمعية والبصرية، إلى تقنيات جديدة على المسرح كالرسوم التخطيطية على الكمبيوتر والرسوم المتحركة واللايزر، حتى المشهديات أدخلنا عليها الفن التشكيلي كالرقص والنحت، وعشرين صورة متوازية مع الصور ومتجانسة مترافقة مع الموسيقى.

الجمهور تقبله وتفاعل معه وأحبه من أول مرة بغض النظر عن الخلفية الثقافية بحيث قدمنا شيئا جديدا مرتبطا بالحواس وعمل ثقافي حضاري وتاريخي يعود بنا الى آلاف السنين يتحدث عن تاريخ صور والفينيقيين.

الجمهور اللبناني

الى أي مدى بات الجمهور اللبناني يتقبل الأوركسترا؟

الجمهور يهمه الإحساس والعمق ولغة الموسيقى هي لغة المشاعر وكل إنسان يحب هذه اللغة. وهذه المرة أدخلت كورال الفيحاء المؤلف من 80 شابا وصبية محترفين ومحترفات كما قمت بتوجيه تحية عبر عمل سيمفوني لعملاقة الموسيقى والغناء كالأخوين رحباني، صباح ووديع الصافي، وفيلمون وهبي. بتوزيع معاصر والناس تفاعلوا معه ومع جولة على أهم الأعمال الموسيقية التي مرت كما شملت المشهديات واللوحات عمالقة الفن التشكيلي، والغناء والعزف، والرقص، أما بالنسبة للمكان فالمدرج  الروماني يجسد المرحلة التاريخية من الزمن.

ما هو دور المشهدية بالعروض الموسيقية؟

يتخايل الإنسان عدة أشياء عندما يستمع للسيمفونيات ولكن بهذا العمل أردت أن أقدم للمستمع الأفكار والخيالات الذاتية التي تراودني.

كيف نشأ هذا الحب للموسيقى ولماذا اخترتها؟

بالصدفة اكتشفت حبي لها منذ المرة الأولى التي سمعت بها أذناي الموسيقى الكلاسيكية وكان مثل السحر بالنسبة لي، آلة تصدر الأنغام والذبذبات الصوتية بشكل رهيب وما لبثت أن أدركت فورا أنه علي أن أتقنها لذا ذهبت الى فيينا ودخلت مجال الموسيقى التجريبية ومن ثم الى لوس أنجلوس وتخصصت بالموسيقى التصويرية وعملت هناك فترة. وكانت موسيقاي كلها سيمفونية مع جذور شرقية مستوحاة من التراث اللبناني والعربي، أما في أميركا فإنها أصبحت أكثر تكنولوجية مع تطور البرامج والكومبيوتر، تتطور الآلات الموسيقية بسرعة وبدأت أنشئ عروضا لموسيقى مشهدية وأول عرض أسميته "رؤى بعيدة" وهذا الدمج كله أصبح عملا متكاملا يشمل جميع الفنون الأخرى.

جمال الموسيقى الشرقية

برأيك هل المزج الموسيقي أقرب للجيل الجديد؟

من المعيب أن نقسّم الموسيقى بطريقة سياسية لأنها لغة عالمية تحاكي الجميع وعندما يتكلمون عن الموسيقى الشرقية أو الغربية يتكلمون عنها بطريقة سياسية متطرفة، فالموسيقى كما الأشياء الأخرى في الحياة هي بحاجة الى من يطورها. فالموسيقى الشرقية رائعة ومبهرة جدا لأن خصائصها جميلة ومهمة جدا كالإيقاعات الشرقية التي هي متعددة جدا وغير موجودة في الموسيقى الغربية، وخصوصا المقامات الشرقية لكن هذا لا يعني ابقائها هكذا من دون تتطور وادخال ما يحتاجه عصرنا اليها.

الموسيقى الشرقية جميلة جدا ولكن حان الوقت أن نحركها ونضعها خارج الإطار وعليها أن تكون متطورة وبشكل مدروس من دون تشويه الأساس. ومثالا على ذلك، التحية السيمفونية لزكي ناصيف التي أهديتها الى روحه، فقد عملت على ابقاء موسيقاه وأن يُعاد كتابة ثلاثة أعمال له للمحافظة على روحية ألحانه. ولكن الإضافات جاءت بالآلات الموسيقية والغناء بحيث كانت كل آلة تعزف ألحانا مختلفة عن الأخرى. كانت تجربة مهمة جدا مع إدخال تلك العناصر الجديدة لتضحي عالمية حية وتقدم في عدة أماكن.

مؤلفاتك كبيرة وقد أطلقت العام الماضي عرضsymphonic colors  وهناك 10 مؤلفات سيمفونية لك أخبرنا عن الأقرب اليك؟

كل عمل ألفته بظرف ومكان وزمان خاص، فأول عمل في الأسطوانة اسمه human rights (حقوق الإنسان) وقد عملت على تأليفه بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان وبالتعاون مع الأوركسترا الوطنية وأردته أن يكون رسالة تحاكي جميع العالم وفعلتها بشكل غنائي مع الأطفال وأوركسترا كبيرة مؤلفة من 100 عازف وقد أخذت من كلمات شرعة الإنسان التابعة للأمم المتحدة وزدت عليها أشياء مرادفة. لست موهوبا باللغة ولكنني أحب الفلسفة ومتأثر بشخصيات تاريخية مثل مارتين لوثر كينغ، غاندي، جبران خليل جبران. وأردت أن أعبر عن غضبي من هذا العالم وطرح مواضيع متعلقة بالبيئة والإنسان.

وهناك أيضا بعض الأعمال الثانية مثل Symphonic Poem Lebanon 1983 وهي عبارة عن قصيدة سيمفونية أعبّر عنها بالموسيقى وتتكلم عن الحرب اللبنانية وتصوير عن العنف والمعاناة والحرب ومن ثم 4 رقصات عربية تعتمد على الفولكلور: الروزانا، بنت الشلبية... وتلك التي لا تزال موجودة في ذاكرة الناس ومن ثم عمل لجبران خليل جبران عن الحرية وقد ألفتها في فيينا وقُدمت باللغة العربية لأول مرة. ومن بعدها، قدمنا تحية لروح زكي ناصيف والألبوم المتنوع الذي يحوي الكلاسيكي، الدراماتيكي، السيمفوني والتعبيري.

 ماذا بالنسبة لتأليف موسيقى السينما والتلفزيون هل تكرر التجربة؟

أولا عليك أن تستوحي من القصة والسيناريو بناء على الموضوع وعلى الإنسان أن يتمتع بقدرة تعبيرية من خلال الموسيقى أو الصورة وكانت تجربة ممتعة جدا كفيلم للمخرج سمير حبشي "دخان بلا نار" ومسلسل سوري ضخم. ولكن كان تركيزي موجها أكثر نحو الحفلات الموسيقية والتأليف السيمفوني والإلكتروني والمهرجانات.

بماذا تحلم بعد؟

 حلمي الأكبر أن أحصل على أوسكار تكريمي بشيء أعتبره شغفي.

مقالات قد تثير اهتمامك