غادة سلطان: أحب الشخصية القوية العاشقة للأسود!

تركت الفنانة التشكيلية غادة سلطان لبنان في أواخر العام 1976 وشقت طريقها الى العاصمة الفرنسية باريس، أملة أنها ستعود”بعد سنة أو سنتين حين تنتهي الحرب“،وها هي اليوم بعد مرور 41 عاما تعود الى بيروت لتروي“للحسناء” شغفها للفن على أنواعه فهي”الطرابلسية“الأصل البيروتية الهوى والدار والحياة.

بعكس الفتيات الشرقيات اللواتي لا هدف لهن سوى الزواج وتأسيس عائلة، أبصرت غادة سلطان النور على الحياة المهنية من خلال والدها ”والدي فايز سلطان كانت لديه شركة إعلانات عملت معه في الرسم لمجلة لأنني كنت أفضل الرسم على دروسي كلها.  ولكن للأسف في بلادنا ليس هنالك أي توجيه للولد للأشياء التي يحبها، تدربت على يدي الوالد وعلى المدير الفني الذي هو أحد أقربائي وهو الذي أخذني الى فرنسا في ما بعد وفتح لي مجالات عدة لأنطلق في هذا البلد الأوروبي وأوسع مهاراتي الفنية“.

المأساة اللبنانية والصمود

عن مدى تأثير الحرب ومآسيها على فنها وعلى توقها للحياة تقول غادة: ”أثرت تلك المأساة في بشكل مباشر بي بحيث كانت عائلتي في لبنان وفقدت الأمل بالعودة. كرست أوقات فراغي للعمل الصحافي كتصميم المجلات والرسم مع الزميل نبيل خوري في جريدة المستقبل. أما في باريس فرحت أجول في المدينة وأذهب الى المتاحف والمعارض الفنية وركزت على الأشياء التي تهمني أكثر بحيث عملت على تطوير ذاتي من خلال أخذ دورات في الليل، ورحت أدرس تصميم المجوهرات وأرسمها. وفي العام ٢٠٠٧ تفرغت قليلا للرسم في بيت الفن Maison des Artiste بعدما اكتشفت جارتي الفرنسية أهمية اللوحات التي كنت أرسمها ومن حينها تشجعت لإطلاق أول معرض لي وافتتحته بالأسود والأبيض“.

الحياة بالأسود والأبيض

منذ صغرها كانت سلطان في نزاع دائم مع والدتها بسبب إصرار الأولى على ارتداء لونها المفضل ”الأسود“: ”كنت أتجادل مع والدتي عندما كانت تقول لي أنه يجب أن لا أرتدي الأسود لأنه يرمز الى الحزن والموت ولكن كانت نظرتي مختلفة إليه، كنت أرى فيه شيئا من الرقي، الأناقة والشياكة وعنما يدخل الأبيض عليه يصبح أجمل وأجمل. أما بالنسبة لبيتي فقد تم التقاط عدداً من الصور من عدة فنانين يزورنه كونه مؤلف من هذين اللونين وكأنه متحف ولكني كنت حريصة أن لا يعرضوه لأنه بيتي الخاص“.

وتضيف: ”لازلت أحتفظ بتلفزيون بالأسود والأبيض ولدي تلفزيون يعود عهده للستينات موجود في الـ expo international وهو صغير وعليه أربع محطات، ولكنني بدأت أميل للألوان فور تقاعدي، الألوان جعلتني أكتشف نفسي، لا زلت أذكر عندما أخذت دورة لكي أتعلم التلوين بالباستيل وعملت في عدة تقنيات كالرسم المائي أي الأكواريل“، مشيرة الى أن ” اللوحة الأولى التي رسمتها بحيث طلب مني الأستاذ وقتها أن لا أشد على القلم فرحت أتبع تعليماته تدريجيا أخفف وألحق بعيني بالقلم.. وعملت على مهلي وفي النهاية أشاد بلوحتي التي اعتبرها تحفة فنية معاصرة“masterpiece.

شغف المهنة.. ابداع وجمال!

وكونها اكتسبت الخبرة المبنية على شغف المهنة تقول سلطان: ”لدي لوحة استخدمت فيها عدة ألوان لاستخراج اللون الذي أريده واكتسبت مع ذلك الخبرة وأنا ليس لدي أية شهادة. ولا زلت أذكر كيف راح أصدقائي الفنانون الفرنسيون كلهم  يغارون مني خصوصا كوني لبنانية من أصول عربية ولكنهم فيما بعد أصروا على أن أبقى معهم بعدما رأوا العمل الذي قمت به بحيث عبروا عن اعجابهم بدقته ونظافته“.

وعن الرسم في الطبيعة حيث يستمد معظم الفنانين وحيهم للرسم تقول: ”لا أستطيع أن أرسم في الطبيعة لذلك ألتقط الصور لأنها من الصبح الى المساء تتغير ألوانها. أما عن تحويل الأشياء الحية الى حقيقة، فقد كانت رسمة الشمعة بتفاصيلها الدقيقة كالخيال والشعلة الملتهبة كلها جماليات تضفي على اللوحة واقعية سوريالية“.

رفقة لوحات

” رسمة المزهرية كانت أول تجربة لي عندما أحببت أن أتقن هذه الهواية بحيث أجبرت نفسي على السهر طوال الليل كي أنهيها على إيقاع موسيقى كلاسيكية راقية، وهناك لوحة رسمتها بقلم الباستيل وكنت أقصد أن أقلد بالباستيل الرسم بالألوان المائية، فقد اندهش الجميع بها لأنه لم يكن فيها نقطة ماء ومن هنا بات الجميع وحتى البروفيسور الذي تتلمذت على يديه تأكد أنني ماهرة ولأنني كنت أحب الباستيل لم أشأ أن أستخدم الأكواريل..

فنانون مؤثرون

تميل سلطان وتستلهم من ”بيكاسو، وسوريالية دالي، فقد رأيت للأخير معرضين وكانا شاملين وهو فعلا فنان رهيب في رسمه ويرسم بطريقة محترفة جدا، وعن عودتها الى لبنان، باستياء تقول أن ”الوضع السياسي بات يحتاج لرسم النفايات لأن وضعنا بات للأسف مترديا من الحكام والشعب، كما باتت العنصرية كبيرة جدا والكره سائدا وهذا ما يبعدني اليوم عن هذا البلد الكراهية بين الناس والسياسيين وكذلك الفساد “.

تصميم المجوهرات

عن تصميمها للمجوهرات تقول:" نحن عائلة مؤلفة من ست .. راحت والدتي تلهينا بالإبرة والخيط لذلك ازداد حبي للمجوهرات بالإضافة الى الأعمال اليدوية بحيث كنا نحيك كنزات الصوف.أما اليوم فأرسم المجوهرات ولا أحب أن أتاجر بها لأنني أقوم بالتفرغ لكل واحدة على حدة، وأحب أن أرسم التصاميم المعقدة لكي أصممها لاحقا فأفكاري مصدرها الليل. أركز كثيرا على استخدام القماش، القطن، الخرز ونادرا ما استخدم الأحجار الكريمة ،أحب أن أتفرغ لكل قطعة بمفردها، أتمسك بالأشياء الموجودة عندي وعدم عرضها أمام الناس هو الذي جعلني غير معروفة ولكنني أحب أن أحتفظ بها نظرا لقيمتها الغالية عندي.

غادة تستلهم كما تقول من الممثلة الفرنسية فاني أردان :"أستلهم من جاذبيتها هي الممثلة الجميلة بهيبتها وجمالها، فأنا أحب الشخصية القوية العاشقة للأسود."

مقالات قد تثير اهتمامك