"أوركسترا النفايات" مبادرة مميزة ستعمم على المدارس الرسمية اللبنانية

أيقظت زيارتي الى مدرسة صبحي الصالح في منطقة الجناح، في إطار التعرف على مشروع “UP-Cycling For Hope” الذي نظمته جمعية “Red Oak”، ذكريات قديمة عزيزة على قلبي. فكم كانت مختلفة المسائل البيئية يوم كنا صغارا في المدرسة، وكان القصاص أن نجمع النفايات في الملعب. أما اليوم من خلال مبادرة فنية استقطبت أكثر من 1200 تلميذ لبناني ونازح سوري تتراوح أعمارهم بين 7و12 عاما، أضحى الموضوع أكثر متعة وتسلية.

هذا المشروع الممول من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، نشأ عنه وعي لدى التلاميذ للمحافظة على البيئة من خلال الفن عبر جلسات تشاركية تفاعلية لمعلمي الفنون والتلامذة تلتها جلسات بيئية توعوية ونشاطان هما: "اللوحة الجدارية" بحيث قام الأطفال بجمع نفايات مدرستهم لبناء لوحة جدارية واسعة النطاق، ونشاط "أوركسترا النفايات" لجمع آلات مصنوعة من النفايات الموجودة في منازلهم، لتشجيعهم على خلق مهارات جديدة وتطويرها وتعزيز القدرات الإبداعية، إضافة الى تقدير الموسيقى التي تعد جزءا أساسيا من الثقافة.

وقد توزع هذا المشروع على سبع مدارس رسمية في لبنان أبرزها: مدرسة الأورغواي (جسر الواطي)، مدرسة سلمى الصايغ (الأشرفية)، مدرسة صبحي الصالح (الجناح)، مدرسة عمر فاخوري (الجناح)، مدرسة عمر فاخوري (الجناح)، مدرسة العمروسية الثالثة (الشويفات)، مدرسة الغبيري الثانية (الشياح)، مدرسة فرن الشباك الثالثة (عين الرمانة).

حماسة كبيرة

حثت هذه التجربة التلاميذ على المزيد من التفاعل والمشاركة كفريق واحد، فقد عبّر التلميذ يوسف الفران، البالغ من العمر 13 عاماً، والآتي من مدرسة سلمى الصايغ، عن فرحته، وقال ضاحكا: "استغرقت مدة صنع الطبلة ثلاث ساعات، ولكنني استمتعت كثيرا في صنعها"، مشيرا الى أنه استخدم "وعاء الماء البلاستيكي، الشريط اللاصق، الورق، الكرتون وورق الألمنيوم والقلم من أجل صنع عصا الطبل".

كما عمل المشروع على تعزيز الوعي البيئي وتعزيز المسؤولية الاجتماعية، بحيث لفتت التلميذة ملك بدران من مدرسة الغبيري الثانية "الى أننا عملنا لوحة لإعادة تدوير البلاستيك للمحافظة على نظافة بلدنا لبنان أولا، إضافة الى التخفيف من كمية التلوث الناتج في البيئة المحيطة بنا".

وقد ارتسمت على ملامح بعضهم حماسة غير مألوفة، فقد عبر لؤي أحمد العقلى، البالغ من العمر 13 عاماً، والآتي من مدرسة العلامة د. صبحي الصالح، عن سعادته التي غمرت قلبه خلال المشاركة في هذا المشروع، وقال: "أردت أن أصنع قيثارة مغايرة عن شكلها المألوف تصدر أصواتا أقوى من خلال استخدام طنجرة الطهي وإلصاقها بوعاء حديدي لإعطاء صدى أكبر“.

الى ذلك، نجح المشروع في تشجيع الأطفال على الابتكار والابداع حتى ما لبثت أن تحولت علب السكاكر والحلوى المعززة على قلوبهم الى آلة موسيقية ذات قيمة فنية وثقافية. ومثلا على ذلك، التلميذ ديار محمد، البالغ من العمر 12 عاماً، الآتي من مدرسة الأورغواي الرسمية المختلطة الأولى، الذي استعان "بعلبة الشوكولا والخشبة وتعليقة الثياب لصنع القيثارة".

رسالة فرح

وجاء الحفل الختامي للمشروع، الذي نظمته جمعية Red Oak والذي أقيم برعاية وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة ممثلا بالمدير العام فادي يرق في مسرح المدينة، مناسبة لإيصال الصوت والتشديد على أهمية هذه القضية البيئية بطريقة فنية راقية، فقد قام الأطفال على شكل أوركسترا بالعزف على آلاتهم التي صنعوها من النفايات، فراح الحضور يردد معهم مقاطع أغان قديمة مثل "زورزني كل سنة مرة" و"بنت الشلبية"، التي أحيت فيهم "الزمن الذهبي الجميل" كما جاء على لسان أحدهم.

وفي كلمتها، أشارت نادين أبوزكي مؤسسة Red Oak الى أنه "نحو 1200 تلميذ حوّلوا النفايات إلى نحت وإبداع آلات موسيقية، وزرعوا جدران المدارس بأشجار من أمل. مؤكدين بذلك أن العمل الجماعي هو الذي يصنع الفرق. إن أطفالنا تحدّوا ونجحوا في خلق أوركسترا النفايات".

ولفتت الى أن "جمعية Red Oak التي هي حديثة العهد تشبه اسمها كالسنديانة التي أصولها في الأرض وأغصانها تتطلع نحو السماء كان من الطبيعي أن يكون المشروع الأول لها عنوانه "الشجرة".

ثروة فنية

وقد أكد فادي يرق مدير عام وزارة التربية والتعليم العالي في كلمته: "نعي سويا قيمة الفن وأهمية إعادة التدوير، ففي السنتين الماضيتين عانى لبنان من أزمة النفايات التي ملأت الشوارع"، مشددا على "أهمية هذه المبادرة التي انتشرت على السبع مدارس كفرصة لتحسين المجتمع"، شاكرا "جميع الذين ساهموا في هذا المشروع الناجح". 
وقال: "سيتم تعميم هذه التجربة على المناطق اللبنانية كافة (مثل البقاع، عكار، جبل لبنان، والجنوب..)، وسيتم عرض اللوحات الجدارية على جدران وزارة التربية وسندعو جميع الطلاب ليأتوا ليروا أعمالهم مؤكدين بذلك أن الوزارة تعمل من أجلهم".

من جهته، اعتبر المؤلف والموسيقي غسان يمّين "أنها مناسبة جميلة لأنها تعبّر عن فكرة حضارية وفنية لأننا استطعنا أن نعزز الوعي لدى هؤلاء الأطفال، إضافة الى فكرة تحويل النفايات الى ثروة فنية لها فائدة على المجتمع والبيئة ولكن الأهم من كل ذلك أنها تعزز الثقافة الموسيقية من خلال اختراع تلك الآلات المستوحاة من النفايات.

وعن مشاركته في لجنة التحكيم لتوزيع الجوائز على المدارس التي تميزت في هذا المشروع بالإضافة الى اختيار ثلاثة طلاب لجائزة معهد غسان يمين للموسيقى، قال: "إنه من الصعب جدا أن أكون مشاركا بلجنة التحكيم وأتمنى أن نكتشف مواهب جديدة تصنع لنا مستقبلا رائعا على المدى الطويل".

واختتم الحفل بعرض موسيقي تفاعلي مع فرقة Walkabout Drum Circle بقيادة جاد بلابان. جاء العرض احتفاءً بإنجازات التلاميذ المميزة، حتى ما لبثت أن تحولت خشبة مسرح المدينة الى حفلة صغيرة راقصة أذهلت الجميع.

 

مقالات قد تثير اهتمامك