مدير المعهد الألماني ماني بورناغي: لا يسعنا إلا الوقوع بغرام بيروت المتجددة الساحرة!

حماسة شبابية نابضة جلبها معه مدير معهد غوته في لبنان من بلده الأم ألمانيا، ماني بورناغي، البالغ من العمر 35 عاماً، استطاع أن يتبوأ هذا المنصب بعد خبرة طويلة في الإعلام والإدارة الثقافية مبنية على رؤية تواكب العصر، وها هو اليوم يبثها في أرجاء المعهد في بيروت. بورناغي العاشق لهذه المدينة و"أهلها المضيافين والمحبين للحياة"، حاول أن يستمد منها تناقضاتها الجميلة ويضعها في قالب ثقافي يحاكي حضارة بلاده واستكشاف الاتجاهات المعاصرة في الفنون الألمانية والأوروبية، والسينما، والرقص، والموسيقى، والفلسفة.

كان لقاء "للحسناء" في المركز الجديد للمعهد في الجميزة، سادت فيه أجواء من الفرح واللهفة فجو المكان يوقظ في زائره الرغبة بالتعلم ويرسم له خارطة طريق مبنية على التقدم والتطور، ليتحول المعهد في ما بعد الى مساحة لقاء وحوار ومناقشات انطلاقا من فكرة تأمين البيئة الملائمة للطالب.

أخبرنا عن تجربتك في المعهد الألماني

أولا، يعد المعهد الألماني المعهد الرسمي التابع للجمهورية الألمانية إنه بمثابة منظمة غير حكومية خاصة تعمل على التبادل الثقافي. منذ تأسيسه العام 1955، وهو يعد واحدا من أقدم المعاهد الثقافية في العالم. ويعمل المعهد على تعزيز اللغة الألمانية كلغة أجنبية من خلال صفوف اللغة والدورات التدريبية التي نخصصها للأساتذة لتعليم اللغة الألمانية في القطاع العام، وقد نظمنا للمناسبة عدة أنشطة في "سينما أمبير متروبوليس" وقصر سرسق، وتمكنا من جلب فنانين ألمان للعمل مع فنانين لبنانيين لمدة ثلاثة أشهر. كما نعمل من خلال المكتبة الجديدة ذات المحتوى المتنوع في الطابق الأرضي للمعهد على تقديم ألفي مادة إعلامية بين كتب، وأفلام، وصحف، ومجلات جديدة متوفرة باللغات الألمانية، والإنكليزية، والفرنسية، والعربية. وقد قمنا بتنظيم عدة مسابقات أبرزها "قصص بيروت الصغيرة"، ونترجم النصوص المميزة وننشرها في المعرض الألماني للكتاب وبذلك نوفر للكتّاب اللبنانيين منصة أوسع للانتشار بفضل ترجمتها الى الألمانية.

كيف تعملون على إغناء المشهد الثقافي اللبناني؟

مهمتنا خلق ذلك الحوار بين المشهدين اللبناني والألماني ودرس حاجات الفنانين اللبنانيين وبالتالي هي إضافة للفنانين الألمان. وهذا التعاون المتبادل والحوار هو غناً ثقافي للبلدين وليس فقط للألمان بل أيضا المجتمع الأوروبي ككل لأن عالمنا اليوم بات مرتبطا ببعضه البعض.

ماذا أضفت للمعهد الألماني وكيف عملت على تطويره من خلال نظرتك الشابة المعاصرة؟

عملنا على إعادة تأهيل المعهد من حيث البناء ليخدم الصورة الموجودة في أذهاننا، التي تواكب العصر لأنني نؤمن بأن المكان له تأثير هام على الإبداع، فحاولنا أن نخلق البيئة الملائمة لطلابنا بالإضافة الى الاستماع لاحتياجات التلاميذ والموظفين وفهمها. أما من ناحية الأفكار الجديدة، قمنا بتعزيز الحوار والمناقشات الثقافية، هذا أمر هام برأيي خصوصا أنني أعجبت بالحماسة الموجودة عند أغلب الشباب وقد أحببت أن أنقل هذه التجربة الى ألمانيا. أما في المجالات الرقمية، فقد عملت على مشروع اسمه Music Home وهو عبارة عن جلب رواد الموسيقى اللبنانيين، وتسجيل أغان لهم بشكل احترافي ومن ثم اذاعتها على منصة الكترونية لتصل في ما بعد الى أكبر عدد من المستمعين الألمان في أوروبا لتسليط الضوء على الموسيقى اللبنانية.

هل لا تزال اللغة الألمانية في طليعة الاهتمامات؟

الاهتمامات بها عالية جدا، واللغة مهمة جدا لفهم الثقافة إنها جزء من التعليم عندنا. استطعنا أن نجعلها منصة معاصرة من خلال قاعات صفوفها الحديثة التي تتضمن ألواحا ذكية وتفاعلية. وخلال السنة الماضية، سجل معهد غوته أكثر من 1200 طالب وأجرى ما يقارب 6000 امتحان، عدا عن ورش العمل والدورات التدريبية القيمة لمدرسي اللغة الألمانية والمدرسين الراغبين بتدريسها. عموما الأشخاص الذين يأتون إلينا هم الذين يودون أن يتعلموا ويعيشوا في ألمانيا، ومن ثم لدينا الأشخاص الذين يريدون قراءة الألمانية التي تعد جزءا أساسيا من الثقافة.

ما مدى أهمية تعلم لغة جديدة واكتشاف تعابير فنية أخرى ومناقشتها؟

بشكل عام، أعتقد أنه كمعهد ثقافي يمكننا خلق جسور مع بعضنا البعض وتعزيز أطر التواصل والتفاهم المتبادل والعمل على تقريب الناس بغض النظر عن الضغوطات السياسية وقد يطلق بعض الناس عليها اسم "القوة الناعمة" التي ستكون نتائجها حتما إيجابية على المدى البعيد.

ما القاسم المشترك بين بيروت وبرلين برأيك؟

هناك طاقة كبيرة جدا في المدينتين، ومساحة ثقافية وفنية غنية للاختبار. ومما لا شك فيه أن بيروت واحدة من المدن الكوزموبوليتية في العالم كما برلين التي تتعدد فيها الثقافات وتتجلى فيها التناقضات ووجود القدرات الإبداعية الخلاقة وهناك ذلك الانفتاح على الآخر.

ماذا اكتشفت في بيروت؟

بغض النظر عن المشاكل المعيشية الموجودة في المدينة من ناحية الكهرباء والماء، اكتشفت ناحية إيجابية تخص الحياة والعيش والسهر والاحتفالات التي تقام وهناك ذاك الدفء الاجتماعي الكبير الذي لم أعرفه من قبل فسكان هذه المدينة مضيافين رغم المشاكل التي تعصف بهم بشكل يومي. بيروت المتجددة، الديناميكية، الساحرة، والرائعة التي لا يمكننا إلا أن نغرم بها. أميل الى المطبخ اللبناني المشهور بـ"المازة" كالفتوش والتبولة والسلطات والحمص، وأشهى المأكولات الصحية كاللوبياء بزيت، فتة الباذنجان والمشاوي والسمك... أما بالنسبة للحلويات فأنا من عشاق الكنافة،وأعتقد أن المطبخ اللبناني يترأس أحد أهم المطابخ الخمس في العالم وبعده يأتي المطبخ الياباني ومن ثم الفرنسي.

ما مدى أهمية الاستثمار في التربية الثقافية؟

نقوم بعدة مشاريع للأطفال الصغار كمعسكر تدريب لكرة القدم، كما يساعد المعهد في تنفيذ مشاريع مثل المكتبة المتنقلة (بيب باص) وصندوق الأفكار بهدف إنشاء مساحات تعلم متنقلة تتيح للأطفال والشباب استكشاف مواهبهم الفنية من خلالها.

الفنانون اللبنانيون المفضلون لدى ماني بورناغي؟

أحب الاستماع الى فرقة Who Killed Bruce Lee اللبنانية، وتشارلي راين، وأحب الموسيقى الالكترونية وياسمين وزيد حمدان وأعشق فيروز وأغنية "لبيروت" هي المفضلة على قلبي. أما بالنسبة للفنانين اللبنانيين التشكيليين أحب فنان الغرافيتي الشاب يزن حلواني فقد رسم مؤخرا شخصيتين من فيلم "West Beirut" (1998 ــ إخراج زياد دويري) الذي يستمد أحداثه من الحرب الأهلية المشؤومة في مكان كان يعرف بـ "الخط الأخضر" وكان يقسم العاصمة اللبنانية بين "شرقية" و"غربية"، وهذه المبادرة أبصرت النور بالتعاون مع المعهدين الألماني والفرنسي في بيروت.

ماذا عن المشاريع المستقبلية؟

نعمل على تطوير مبادرة المكتبة النقالة من خلال جلب الممولين للحصول على أكبر عدد من الباصات للتنقل داخل لبنان ومن خلال ذلك الترويج للقراءة بطريقة جديدة لدمجها مع عصرنا الرقمي. إضافة الى بناء الثقة والاستمرار بصنع الأشياء الكبيرة في لبنان وفي ألمانيا واستكمال هذه المبادرة التي بدأناها وجعلها أجمل وأكبر. أما بالنسبة لي فأريد أن أغيّر نظرة الواجهة الثقافية وجعلها أكثر تنوعاً  وابداعاً وفرحاً من خلال الموسيقى وخصوصا الالكترونية والرقص وإقامة المعارض الفنية لإغناء المشهد الثقافي في مختلف المناسبات، إضافة الى فكرة تنظيم عروض للأزياء والموضة التي بدورها تلعب دورا هاما في نقل الصورة الحضارية عن البلد واكتشافها.

مقالات قد تثير اهتمامك