فيروز غنّت شعراً "مسروقاً" من شيخٍ شهيد؟

تداول ناشطون على موقع فايسبوك امس كلاماً لم يُعرف صاحبُه عن ان واحدة من اشهر اغاني فيروز والاخوين رحباني كتبها رجل دين من جبل عامل "اشترط عدم ذكر اسمه" عندما طُلب اذنه لتلحينها. البوست الذي انتشر كالنار في الهشيم يبدو انه يعود الى "معلومات" نشرتها صفحات ومدوّنات ومواقع الكترونية منذ عقد، وصل الى بعض الزملاء الصحافيين الذين نقلوه بدورهم من غير تدقيق. كتب الزميل واصف عواضة على صفحته الفايسبوكية: " هل تعرفون من هو مؤلف هذه القصيدة  الجميلة التي غنتها السيدة فيروز وكانت من اجمل ما انشدت ("لملمتُ ذكرى لقاء الامس")؟ انها قصيدة لشيخ عاملي معمم من بلدة حاروف الجنوبية، هو السيد الشهيد علي جواد بدر الدين وهو خريج النجف الاشرف وتلميذ السيد الشهيد محمد باقر الصدر". ليضيف: "اسمعوا واحكموا عندما يلتقي الشعر العاملي بالصوت الملائكي". لكن هذه الاغنية قُدمت العام ١٩٥٧ وليس كما جاء في البوست المتداول  ان السيد "باعها" وسواها من الرحابنة العام ١٩٦٩. وقد غنتها فيروز مطلع الستينات في حفلات في دمشق والبرازيل والارجنتين. وكتب محمود الزيباوي احد الاكثر اطلاعاً على مسيرة الرحابنة وفيروز ان "الصحافة ذكرت اغنية "لملمت ذكرى" العام ١٩٥٢. ولها تسجيل بصوت فيروز يعود إلى العام ١٩٥٤. والتسجيل المعروف يعود إلى ١٩٥٦. والشيخ (بدر الدين) من مواليد ١٩٤٩. يعني نكتة جديدة تضاف إلى النكت المتداولة على الانترنت" يؤكد المؤرخ الزيباوي.

من جهة اخرى فإن القصيدة المذكورة مع قصيدة "راجعون" المنسوبة ايضاً الى بدر الدين، ضمّهما الفنان منصور الرحباني، احد الشقيقين الكبيرين، الى كتاب اصدره العام ٢٠٠٧ بعنوان "قصائد مغنّاة" للاخوين رحباني. وقيل انه كان يلمح الى الاغاني التي كتبها هو وكانت توقَّع باسم الاخوين رحباني وهو ما درجا عليه في كل ما كتبا ولحّنا بحيث "ذاب واحدنا في الآخر" كما طالما ردّد منصور بعد رحيل "نصفه الثاني". وربما دفعته حملات التشكيك الظالمة في مدى اسهامه في الإرث الرحباني/الفيروزي الى جمع "قصائده" في كتاب حمل غلافه صورةَ فيروز التي ابدت اعتراضاً عليه قبل صدوره لامتلاكها حقوق ملكية "نصف" الاخوين، اي زوجها عاصي، لكنها عادت لتوافق على الاصدار كما اسرّ إليَّ منصور. من الناحية الادبية يطابق شعر "لملمتُ ذكرى لقاء الامس" مناخ الشعر الرحباني ذي الرومانسية الحالمة. كما تنتمي مفردات القصيدة الى معجمهم الشعري المتأثر بالاخطل الصغير وسعيد عقل والحركة الرومانسية. وسبق لصفحات ومواقع ان "تبنت" همسات شفوية تتردد في اوساط فنية وتنسب بعض اغاني المطربة الكبيرة الى شعراء مغمورين دفع الرحبانيان حقوقها ولم ينشروا اسماء اصحابها ولا اسمهما على الالبومات التي حملتها.

ولكن الصحف وكاتالوغات حفلاتهما نسبتها لاحقاً وبشكل تلقائي اليهما. ومن الرومانسيات الجميلة المنسوبة على موقع jabla.org العام ٢٠٠٨الى الشيخ المعمّم ويقال انه كتبها قبل سنه العشرين: "يا ريت"، "انا يا عصفورة الشجن" و"انا لحبيبي". ويقول كاتب النص المجهول (!) "ان موقع فيروز على الانترنت لا يجيب عن هذه الاسئلة (حول مؤلف شعر تلك الاغاني) و"ان البحث والتقصي (كذا) افضى الينا ان شيخاً جنوبياً كان قد باع عاصي الرحباني عدة اغان ب٢٥ ليرة واشترط عدم ذكر اسمه بسبب وضعه الاجتماعي والديني". الى ان يذكر ان للشيخ ديواناً بعنوان "سيدي ايها الوطن العربي" من اجوائه: "يا رمل بيروت جئنا نفرش الهدبا ونستعيد عيوناً زيتها نضبا غرست في الشط ذكراهم لتحرقني حيث ارتميت يصير الماء بي لهباً". وانه كان ينشر شعره الوطني والديني ويخفي قصائده الغزلية. ويقول الكاتب ان بدر الدين درس العلوم الدينية في النبطية وأكملها في النجف التي سافر اليها العام ١٩٦٩حيث "لم يتنكر لشاعريته" وانتسب الى الرابطة الادبية التي يرأسها العلامة الشيخ مصطفى جمال الدين. يبقى ان عدداً من اصدقاء السيد بدر الدين نفوا امس على حساباتهم في فايسبوك ان يكون صاحب اي من الاغاني المشار اليها. والمعروف انه مات غيلةً بعد اختطافه بين منزله والمسجد العام ١٩٨٠ ليعثر عليه بعد ايام جثة هامدة في احد اودية الجنوب اللبناني. وقيل ان مخابرات النظام العراقي السابق وراء مقتله بسبب صلته بالمرجع الشيعي الشيخ محمد باقر الصدر الذي اُعدم تلك الفترة في العراق قبل بضعة شهور.

مقالات قد تثير اهتمامك