شادية رحلت...إلى البال

إحدى وثلاثون سنة مرّت على اعتزالها الفن، وأحد لم ينس ابتسامتها، صوتها، تمثيلها، أغانيها، دلعها وحضورها العذب على الشاشة الكبيرة، وبالأمس توفيت شادية عن 86 عاماً وأحد لن ينس كل ما طبعته من بصمات في عالم الفن العربي.مع بدايات تشرين الثاني/نوفمبر دخلت الفنانة الكبيرة إلى المستشفى لإصابتها بجلطة دماغية، وفي 28 منه توفيت أيقونة الزمن الجميل، غابت فاطمة محمد شاكر ولن تغيب شادية، فأعمالها الفنية التي عشقها الجمهور العربي تستمر مرآة لموهبة جمعت بين التمثيل والغناء، ولحضور له جاذبية متميزة.

ولدت شادية العام 1931 وبدأت رحلتها الفنية في سن المراهقة. تمكنت شادية منذ بداياتها الفنية من حجز مكانة متميزة بين نجمات السينما المصرية بدايتها جاءت على يد المخرج أحمد بدرخان الذي كان يبحث عن وجوه جديدة، فتقدمت وأدت وغنت ونالت إعجاب كل من كان في استوديو مصر، إلا أن هذا المشروع توقف ولم يكتمل. في هذا الوقت قامت بدور صغير في فيلم «أزهار وأشواك» ليزكيها أحمد بدرخان عند حلمي رفلة لتقوم بدور البطولة أمام محمد فوزي في أول فيلم من إنتاجه هو«العقل في إجازة» الذي قام فوزي بتلحين أغانيه بطريقة خفيفة تتناسب مع الصوت الرقيق لمطربته المراهقة. أدهشت شادية الجميع بأدائها المتميز لهذه الألحان، ما جعلها ملكة الأغاني الخفيفة على ساحة الغناء بمساعدة ملحنين هم عمالقة، في مقدمهم منير مراد الذي لحن لها عدداً كبيراً من الأغنيات أهمها «واحد اتنين» و«إن راح منك يا عين»، ومحمود الشريف مع أغنية «حبينا بعضنا»، إضافة إلى تعاونها المميز مع كمال الطويل الذي أثمر عن أعمال فائقة النجاح مثل أغنية «وحياة عينيك وفداها عنيه." حقق «العقل في إجازة» نجاحاً كبيراً، ما جعل محمد فوزي يستعين بها بعد ذلك في أفلام عدة: «الروح والجسد» و«الزوجة السابعة» و«صاحبة الملاليم» و«بنات حواء".

حققت نجاحات وإيردات عالية للمنتج أنور وجدي في أفلام «ليلة العيد» عام 1949، و«ليلة الحنة» عام 1951، وتوالت نجاحاتها في أدوارها الخفيفة وشكلت مع كمال الشناوي أشهر ثنائي في السينما المصرية في خمسينات القرن، حيث استمر تعاونهما على مدار 25 فيلماً. كما شكلت ثنائياً مع عماد حمدي. وتوالت نجاحاتها في الخمسينات بأفلام «أشكي لمين» عام 1951، و«أقوى من الحب» عام 1954 و«إرحم حبي» عام 1959.
كان العام 1952 أكثر أعوام شادية ازدهاراً في السينما، حيث قدمت 13 فيلماً، أي بمعدل فيلم كل شهر، ولم يضاهيها في هذا الرقم سوى إسماعيل يس في قمة مجده. ولمعت شادية في «فيلم المرأة المجهولة» لمحمود ذو الفقار عام 1959 اذ أدت دوراً أثبت قدرتها العالية على تجسيد كافة الأدوار. حينها كانت تبلغ 25 عاماً. وقدما أيضاً فيلم «أغلى من حياتي» عام 1965، وهو أحد روائع الفنان محمود ذو الفقار الرومانسية. كانت قد سبقت هذه الأفلام بفيلم يُعد من أفضل أفلامها وكانت بداية انطلاقتها بالدراما وهي لم تزل بعمر الورود هو «أنا الحب» عام 1954. 
العام 1955 شكلت شادية ثنائياً غنائياً مع المطرب الصاعد حينها «العندليب الأسمر» عبد الحليم حافظ في فيلم «لحن الوفاء» الذي لقي نجاحاً كبيراً، ما دفع بشادية إلى تكرار التجربة مع عبد الحليم في السنة التالية (1956) في فيلم «دليلة» أول فيلم مصري مصور بالألوان. وبعد انقطاع طويل عاد الثنائي عبد الحليم - شادية في عمل مشترك ثالث نال نجاحاً منقطع النظير هو فيلم «معبودة الجماهير".
توالت روائعها التي حفرت تاريخاً لها وللسينما المصرية أيضاً من خلال روايات الكاتب نجيب محفوظ «زقاق المدق» و«الطريق» و«اللص والكلاب» الذي اعتبر نقلة كبيرة في حياتها الفنية.
العام 1969 قدمت «ميرامار» و«شيء من الخوف». وفيلم «نحن لا نزرع الشوك» عام 1970، وتوالت أعمالها في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين إلى أن ختمت مسيرتها الفنية على الشاشة بفيلم «لا تسألني من أنا» مع الفنانة مديحة يسري عام 1984.
بلغ ما قدمته شادية للفن 117 فيلماً سينمائياً، و10 مسلسلات إذاعية، ومسرحية واحدة، وما يتعدى 1500 من الأغاني الخفيفة والأغاني الوطنية مثل «مصر اليوم في عيد» و«يا حبيبتي يا مصر» و«أم الصابرين» فلُقبت بـ«بنت مصر» و«دلوعة السينما المصرية» و«نجمة الجماهير" كما تألقت على المسرح مع سهير البابلي وعبد المنعم مدبولي وحسين كمال وبهجت قمر في مسرحية «ريا وسكينة».

أطلق الفنان الراحل عبد الوارث عسر عليها لقب "شادية الوادي"، إذ غنّت معبرة عن أتراح وطنها وأفراحه، إذ لشادة مجموعة متميزة من الأغاني الوطنية.

شادية حبر كثير وحزن كثير على رحيلها لكن الفرح بما قدمته للفن يبقى ويستمر.  

مقالات قد تثير اهتمامك