مغترباتٌ «عزبوات» في دبي...

هل يُمكن أن تتحوّل الغُربة التي تعدّها الأكثرية اللّبنانيّة والعربيّة حظّاً «يفلق الصّخّر»، إلى نقمةٍ على الفتيات «العزبوات» اللّواتي اخترنَ العمل في دول الخليج من أجل توفير مستقبلٍ أوفر لهم مادّيّاً ومعنويّاً؟ الكثيرات منهنّ يعترفنَ بأنّ العمل في الخارج وبخاصّةٍ في دبي، أعطاهنّ القوّة والعلم والتّميّز والنّجاح والمناصب العالية، ولكنّه في المقابل أخذ منهنّ الحبّ وسهولة الارتباط...

لا شكّ في أنّ تأخّر سنّ الزّواج من جهةٍ وتحرّر المرأة واستقلاليّتها ماديّاً ومهنيّاً من جهةٍ أخرى جعلتها مكتفيةً حياتيّاً، فبات من الصّعب دخول الرّجل إلى دائرتها الخاصّة والتّدخّل في تفاصيل يوميّاتها ومصروفها فارضاً عليها آراءه. لكن ما إنْ تتعدّى الثّلاثين من العمر، تبدأ بالشّعور بالوحدة وعدم صحّة وضعها الاجتماعيّ، وتكتشف في الوقت نفسه عدم جدّيّة الشّباب في الغربة تجاه «العزبوات» المغتربات، وعدم قدرتها على ترك عملها ومكانتها ونجاحها والعودة إلى وطنها من أجل تأسيس عائلة - هذا إنْ وُجد لها عريسٌ بطريقةٍ مُدبّرة!
«الحسناء» التقت عدداً من الفتيات «العزبوات» في دبي، منهنّ من تحدثّنَ حول موضوع الارتباط والزّواج والعوائق التي تقف في طريقهنّ، وأخرياتٌ في العشرين من العمر عددنَه موضوعاً سابقاً لأوانه كونهنّ لا يزلنَ في مرحلة تأسيس حياتهنّ المهنيّة والاستمتاع بالوقت الحرّ قبل الارتباط وتحمّل مسؤوليّة عائلة!

علاقاتٌ مؤقّتة!

يوم قرّرت ديما أن تترك أهلها بعد سنتَين من تخرّجها في مجال المحاسبة في العام 1999 والانطلاق في عالم العمل الذي لم يوفّره لها بلدها، لم تكن تدري أنّ السّنوات ستمرّ سالبةً إيّاها الزّواج وتأسيس العائلة. تقول: «لقد أصبح عمري الآن 39 سنةً ولا أزال عزبة. الأسباب اختلفت في كلّ مرحلةٍ من مراحل حياتي. لقد أتيت للعمل في الإمارات بعد أنْ وجدتُ فيها فرصةً للتّقدّم والانفتاح والخروج من مستنقع المشاكل والبطالة في بلدي. بالفعل حقّقتُ نجاحاً لطالما طمحت إليه، ولا أزال أعمل في البنك نفسه حيث أصبحتُ مديرة قسم.  لكنّ العمل والحياة السّريعة أخذا منّي حياتي الخاصّة. من جهتي لم أفكّر في الزّواج حينها لانبهاري بهذا التّطوّر، أمّا من جهة الآخرين فكانت جرأتي بترك أهلي في ذلك الوقت والعيش وحدي في الخليج دافعاً لزرع الشّكّ في قلوب سكّان محيطي اللّبنانيّ الذين لم يعتادوا آنذاك غربة الفتاة العزبة!». تُضيف ديما: «لم أعد مناسبةً لأيٍّ من أبناء ضيعتي، بل أصبحتُ عرضةً للعلاقات المؤقّتة! وحين اكتشفتُ هذه النّوايا صرتُ أخاف الارتباط بأيّ رجلٍ من بيئتي. وفي الخليج، لم يكن لديّ ارتباطاتٌ أو علاقاتٌ بالرّجال، أو بالأحرى لم أُصادف رجل حياتي هناك».

جرأتي بالعيش وحدي في الخليج زرعت الشّكّ في قلوب سكّان محيطي اللّبناني

 المُغتربة ليست للزّواج...

أمّا كارول (28 سنة) التي تعمل مُحاسبةً في إحدى شركات إمارة دبي، تقول إنّ «الشّبّان المُغتربين في الدّول العربيّة لا يتعاملون بجدّيّةٍ مع الفتاة المغتربة بخاصّةٍ إذا علموا أنّها تعيش وحدها من دون سند! فيُظهرون إعجابهم بها ويسمِعونها كلمات الحبّ ويخرجون معها ويوهمونها بأنّهم سالكون في طريق الزّواج، ولكنّهم عندما يقرّرون الزّواج فعلاً يختارون فتاةً من بيئتهم وضيعتهم في وطنهم الأمّ... المهمّ ألاّ تكون العروس هي تلك المغتربة حتّى لو كانت من وطنهم نفسه. وكأنّ المغتربة هي «أجنبيّةٌ» بالنّسبة إليهم وإلى أمّهاتهم!».

علاقةٌ عابرةٌ في نظرهم!

للوقوف عند أقوال كارول، تحدّثنا سريعاً مع عددٍ من الشّبّان المغتربين الذين لم يسمح لهم عنفوانهم بدايةً  بالاعتراف أنّ هناك مَن يُملي عليهم كيف يتصرّفون ومَن يتزوّجون. الأغلبيّة اعترفوا أنّ زواجهم يجب أن يُبنى على الحبّ إن كانت الحبيبة مغتربةً أو من الوطن الأمّ، لكنّهم لم يُنكروا لاحقاً أنّ الأهل يُحاولون جذبهم دوماً إلى الزّواج من فتاةٍ سبقَ أن اختاروها له من محيطهم.
يقول أحدهم: «عندما وقعتُ في غرام فتاةٍ عربيّةٍ سارع أهلي فوراً للبحث عن زوجةٍ مستقبليّةٍ لي يرونها الأنسب في نظرهم. عارضتهم بشدّةٍ لأنّي مُغرمٌ بأخرى، ولكنْ لا أنكر أنّ تأثيرهم كان قويّاً حتّى صرتُ أعاملها كعلاقةٍ عابرةٍ ومؤقّتة».
إنّ المشكلة التي يُصادفها شبابنا اليوم هي مشكلة صراع أجيالٍ وصراع تناقضاتٍ موجودةٍ في مجتمعنا «المتحرّر المحافظ» بحسب الظّروف! فيه من التّحرّر ما يكفي للانفتاح على العالم وفيه أيضاً من «الفلتان» ما يكفي لتشويه صورة المتحرّر الذي يُصبح في موقفٍ حرج. وحين يُصبح في الأمر زواجٌ نجد أنّ الأسر اللّبنانيّة والعربيّة لا تزال متمسّكةً بعاداتٍ وتقاليدَ لا تخرج منها إلاّ مجبرة؛ إنْ حصل!

هذه إرادتي!

هناك أيضاً جزءٌ من حالات تأخّر سنّ الزّواج أو صعوبته عند المغتربات في الإمارات تقع على عاتق البيئة المحافظة والتقاليد، وهناك جزءٌ آخر سببها المرأة نفسها المتحرّرة والمتمرّدة على المجتمع الذّكوريّ. فنسرين مثلاً لا تخجل أبداً لعدم زواجها حتّى الآن، إذْ تؤكّد: «هذه إرادتي. أنا لن أتزوّج لكي لا أكون تابعةً لأحد! لقد أتيت إلى الإمارات وعملت بشهاداتي ووصلت بمجهودي وكفاءتي لأثبت نفسي في الشّركة وأجمع مالاً يكفيني في آخرتي ولا أنوي أن أُقدّم نجاحي على طبقٍ من فضّةٍ لمن لا يستحقّني».  تُتابع هازئة: «سكّان ضيعتي يشفقون عليّ كوني لم أتزوّج بعد، وإحداهنّ عرضت عليّ عريساً يكبرني بخمس عشرة سنةً كي لا أبقى «عانساً»! أنا لست عانساً! أنا أشعر بالقوّة والتّميّز والسّلطة التي لا يستحقّها إلاّ رجلٌ يُفكّر مثلي ولديه طاقاتي وقدراتي... فإن وجدته في بلاد الغربة فسأتزوّج». وتُضيف: «أرفض أن تتزوّج المرأة رجلاً أقلّ منها شأناً، أو أن يكون متحجّراً وغير منفتحٍ لأنّ ذلك سيُدمّرها».

ألوم نفسي...

أمّا هلا فتلوم نفسها لعدم زواجها حتّى الآن وتقول: «أنا في الخامسة والثّلاثين من عمري، رفضتُ في البداية الزّواج لأكون متفرّغةً لعملي في العلاقات العامّة الذي يتطلّب منّي الوقت الطّويل والسّهر في بعض المناسبات. وعندما أصبحتُ في عمرٍ يتطلّب منّي الزّواج لم يعد يُعجبني الرّجل بسهولة، صرتُ أرى في كلّ واحدٍ علّة. ولن أتزوّج برجلٍ أرى فيه علّةً لأنّه سيكون علّةً عليّ بعد الزّواج. ألوم نفسي ولكن هذا الأمر ليس بيدي، فالفتاة إذا لم تُغرم وتعدّت سنّ الثّلاثين يُصبح اختيارها للرّجل أصعب لأنّها ستعتمد على عقلها عند الاختيار».

لن أتزوّج لـكي لا أكـون تابعةً لأحد!

دبي السّبب!

في الإطار نفسه، تحدّثت لين التي تعمل في مجال التّسويق قائلةً إنّ «دبي بلد الرّفاهية المُطلقة والتّسلية والاستمتاع والتّقدم العالميّ، ولا أنوي التّخلي عنها أبداً». فهي - كما تؤكّد - إمّا أنْ تتزوّج مغترباً مثلها أو لن تتزوّج أبداً لأنّها ليست مستعدّةً للعودة إلى بلدها. وتُضيف: «تقدّم لي شبابٌ كثيرون من بلدتي ولكن الذي أعجبني منهم رفض ترك عمله والمجيء إلى الإمارات. أعرف أنّ الشّابّ المغترب لا يتعامل معي بجدّيّةٍ ولكنّي أتمنّى أن ألتقي بمن أحبّه ويحبّني، عندها فقط أقرّر تأسيس عائلة».

مقالات قد تثير اهتمامك