تحـويـلُ الأجنــاس تحت قـوسِ قزح

تحـويـلُ الأجنــاس تحت قـوسِ قزح

كنّا صغاراً ننبهر بقوس قزحٍ في السّماء ونهابُ حكايةَ تحويل العابرين تحته بناتاً والعابرات صبياناً. لكنَّ مخيلاتِنا كانت تمرح أحياناً مع الحكاية على سبيل اللّعب الشقيّ أو ربّما لطرد الخوف منها. أذكرُ مرّةً بعد ظهرٍ من الصحو إثر عاصفةٍ شتائيّةٍ عندما حسِبتُ أنّي على بعد أمتارٍ من قوس المطر وركضتُ نحوه مع الأتراب. ربّما سألَ الصبيُّ في سرّه لو تحوّلتُ وتحولتْ حبيبتي هل سنبقى حبيبيَن: ذكراً وأنثى، أيْ تماماً كما تُعلّمنا أسطورةٌ أخرى عن آدم وحوّاء؟ وإذا لم يعجبنا ما صرنا إليه فهل عبورٌ ثانٍ تحته يعيدنا إلى ما كنٌا عليه مُصلِحاً الحال؟ وماذا لو نجحت إعادة تحويل أحدنا وفشِلَ الثاني، هل نظلّ حبيبَين ضمن الجنس نفسه؟

بين أسطورة التحويل وسينما الإيطالي بيدرو ألمودوفار شاهدتُ عرض بشارة عطالله في حديقة إحدى صالات الجمّيزة. عرضٌ لا يطمح في ظاهره إلى تخطّي التضامن مع المرأة المُعنَّفة في مواجهة الفحولة الشرقيّة وسطوتها وأذاها. لكنَّ الفساتين ونقوشها وقصّاتها على العارضين الرجال أيقظت حكايات وأسئلة عن تنميط الذكورة والأنوثة ضمن صفاتٍ قاطعةٍ وحادّةٍ مانعةً كلّ جنس من اكتشاف نصفه الثاني الكامن فيه مولِّدةً تحجّراً نفسيّاً ووجدانيّاً وحتّى رُهاب الجنس الآخر (بالنسبة إلى الذكور) باعتباره يبقى «آخر» حتّى في حالات الاتّحاد العاطفيّ أو الزوجيّ.

العرض المذكور يُعيد لوحدة الجنسيْن في أسطورةٍ (ثالثة) يونانيّة وهجها كاسراً «أنا» الفحولة ممرّغاً إيّاها بالأصباغ على وجوه الرجال دلالةً على آثار الضرب وما يتعرّض له جسم المرأة. ليس هذا وحسب بل أيضاً ما يُضيء الجسد الأنثويّ من قماش الأثواب والإكسسوارات والزينة التي يُحرم الرجال منها، يتلبّسها هنا عارضون (ممثّلون ومخرجون وفنّانون لبنانيّون محترفون) يتقدّمون أمامنا بسحناتٍ تحملُ الزعل وربّما الغضب مع «أشهى» ملابس الماضي («الجميل»). فهل احتفال مصمّم العرض بالـ «الريترو» تفضيلُ زمنٍ تَصَرّمَ على حاضر عنيفٍ كما لو أنّ المرأة لم ترزح دوماً تحت ثقل تقاليد النظام الأبويّ؟ أم أنّه حنينه الشخصيٌّ إلى فساتين الأمّهات والخالات التي أمضى طفولةً هانئةً في كنفها قبل أن يخلق وعيه فروقات الأجناس ووظائفها الاجتماعيّة والعاطفيّة التي تُفرض فرضاً مقوّضةً هوّيّة الفرد ونزعاتها الأصليّة؟
لم يقدّم العرض سوى «صدمةِ» رجالٍ في أثواب نساءٍ منتفخات الوجوه بالبقع والتعاسة. ولعلّ هذا يكفي لعرضِ أزياء في بلاد يفاخرُ أهلها بالفحولة متمثِّلةً في «ربّ العائلة» وسائر الأرباب: من الحاكم والزعيم ورجل الدين إلى الشرطيّ ومدير المدرسة أو المصنع والمحارب والخطيب المفوَّه وحتّى مختلس المال العام و«القبضاي والأزعر» وكلّ خارج على القانون.

مقالات قد تثير اهتمامك