عندما نحبّ مُنحرفاً نرجسيّاً...

في بداية العلاقة كان كلّ شيءٍ على ما يرام. رجلٌ يتمتّع بكلّ الصّفات (قوّة شخصيّة، وثقة بالنّفس، وكاريزما ساحرة، وقدرة على التّواصل والانفتاح على الآخر، بالإضافة إلى ابتسامةٍ حارّةٍ وحسّ فُكاهةٍ لافت)، أي بكلّ ما يجعل المرأة تنجذب بقوّةٍ إليه وتقرّر أن تعيش معه قصّة حبٍّ لطالما حلمت بها. ولكن سرعان ما يتحوّل هذا الحلم الجميل تدريجيّاً إلى كابوسٍ مُرعبٍ لا نهاية له عندما يسقط قناع هذا الرّجل وتظهر شخصيّته الحقيقيّة التي يُطلَق عليها صفة «المنحرف النّرجسيّ» القادر على فعل أيّ شيءٍ من أجل تحطيم الشّريك وتحويل حياته إلى جحيم. 

فمَن هم أصحاب هذه الشّخصيّة؟ وما هي أبرز صفاتهم؟ وكيف يتحكّمون بالشّريك؟ وما العمل لإنقاذ الضّحيّة من هذه العلاقة؟

ممارسة إرهابٍ نفسيّ

نسبة المصابين بهذه الشّخصيّة المرضيّة هي حوالي 3% من مجمل السّكّان، وتشمل الجنسَين إلاّ أنّ غالبيّتهم من الرّجال. هؤلاء الأشخاص لديهم قدرةٌ فائقةٌ على إخضاع الشّريك، والسّيطرة على شخصيّته وممارسة نوعٍ من الإرهاب النّفسيّ عليه. هذه الرّغبة الجامحة عند المُنحرف النّرجسيّ أو المتلاعب ناتجةٌ من طفولةٍ مضطربةٍ جعلته يكره ذاته ويكوّن صورةً سلبيّةً جدّاً عن نفسه تدفعه إلى تحويل هذا الكره وتفريغه عند الشّريك وجعله مسؤولاً عن كلّ النّقص التي يشعر به في لاوعيه. أيْ بمعنًى آخر، يصبّ كلّ جهده كي يدفع الشّريك ثمن الفراغ والشّعور بالعبث الذي يسيطر على كيانه. والمنحرف نرجسيّاً لا يعرف الحبّ في داخله. عالمه الدّاخليّ خالٍ من المشاعر والإحساس بالتّعاطف مع الآخر، ولا يشعر بالذّنب نتيجة الأذى الذي يتسبّب به للشّريك، لا بل يشعر  باللّذة نتيجة ما يقترفه من دون أن يعيَ بدقّةٍ مدى الألم الذي ينتاب الآخر. 

تصرّفاتٌ تنمّ 

عن مرضه...

أمّا أبرز التّصرّفات والمواقف التي تشير إلى أنّ الشّخص مصابٌ بالانحراف النّرجسيّ فهي: 

 سعي المُنحرف نرجسيّاً في أغلب الأحيان إلى تعزيز الشّعور بالذّنب عند الشّريك، وجعله يقتنع أنّه مسؤولٌ عن كلّ المشاكل والخلل الموجود في العلاقة.
 تقصّده إشعار الآخر دائماً بالدّونيّة وعدم الكفاءة والاستخفاف بصفاته الإيجابيّة، وانتقاده وإهانته من دون سببٍ والحكم عليه في سبيل إظهار تفوّقه عليه. 
 قول شيءٍ وعكسه، وتغيير الرّأي باستمرار، والتّعبير بضبابيّة، وعدم السّعي إلى التّواصل بل إلى فرض رأيه على الآخر.
 عدم تردّده في استعمال الكذب والتّهديد المُبطّن والابتزاز العاطفيّ كي يُحافظ على مصالحه.
 عدم تقبّله النّقد، وقدرته على نفي كلّ الحقائق التي لا تناسبه، وتغاضيه عن حقوق الآخر وحاجاته ورغباته.
 قدرته على أن يمدح الآخر وأن يُقدّم له الهدايا والوعود والاعتذارات فقط كي يُحكم سيطرته على الشريك في حال انتفض  الأخير أو طلب الانفصال.
 إشعار الآخر دائماً بعدم الأمان، وتقييد حريّته ويجعله يفقد ثقته بذاته.

  • هنا، لا بدّ من التّمييز بين شخصٍ عاديٍّ يُمكن أن يكون لديه إحدى هذه الصّفات التي تظهر في بعض الحالات، وبين المُنحرف النّرجسيّ الذي يُمارس كلّ هذه التّصرّفات بمنهجيّة.

سيطرةٌ تدريجيّةٌ كليّة

إنّ المنحرف النّرجسيّ يعرف جيّداً كيف يسيطر تدريجيّاً على الشّريك، وكيف يجعله يتعلّق به حتّى الإدمان، وكيف يولّد عنده نوعاً من التّشويش الفكريّ والعاطفيّ نتيجة التّصرّفات المتناقضة التي يقوم بها، فهو من ناحيةٍ يتصرّف باحترامٍ كبيرٍ في المجتمع يجعل الآخرين ينظرون إليه كرجلٍ مثاليّ، ومن ناحيةٍ أخرى لا يتوانى عن تحجيم الشّريك وإذلاله واللّعب بمشاعره لإقناعه بأنّ كلّ ما يقوم به هو لخيره، ممّا يجعل الشّريك يقتنع بأنّه على خطأٍ ويجب أن يتقبّل كلّ ما يصدر من أحكامٍ بحقّه.

تبعيّة عاطفيّة

هذه التّبعيّة العاطفيّة الممتزجة مع الشّعور بالذّنب، تُعطي المُنحرف النّرجسيّ سلطةً كبيرةً على الشّريك من الصّعب التّخلّص منها. فهو يعرف جيّداً نقاط ضعف الآخر وكيفيّة التّحكّم بها، ولديه القدرة على استعمال كلّ الوسائل من أقصى الحنان إلى أقصى القسوة كي يُخضع الشّريك بالكامل. ومن آثار هذا التّحكّم عزل الشّريك تدريجيّاً عن العالم الخارجيّ وزرع الخوف المستمرّ في داخله كي يحكم السّيطرة عليه. 

الانفصال الحلّ الوحيد

من النّاحية العلاجيّة من الصّعب شفاء المُنحرف النّرجسيّ لأنّه في الأساس لا يعترف بوجود مشكلةٍ لديه، ويحسب نفسه دائماً على حقّ، ويجد دائماً أعذاراً كي يُلقي التّهم على الآخر، وإنْ صادف وقبِل الذّهاب إلى معالجٍ نفسيٍّ فذلك كي يُمارس عليه التّلاعب نفسه ويوهمه أنّه الضّحيّة. ولذلك من النّادر أن يتجاوب مع العلاج وأن يُغيّر سلوكه.

إذاً ما العمل للتّخلّص من هذه العلاقة المدمّرة؟

من ناحية الأشخاص الذين يقعون ضحيّة المُنحرفين نرجسيّاً، ليس لديهم حلٌّ لإنقاذ حياتهم من هذا الكابوس المدمّر سوى الانفصال عن شريكهم، لأنّهم لن يستطيعوا إصلاح العلاقة أو تغيير الشّريك، بل إنّ أيّ محاولةٍ من هذا القبيل سوف تسمح لهم بأن يزيدوا السّيطرة على شركائهم أكثر. عليهم أن يعترفوا بأنّ علاقتهم غير مبنيّةٍ على حبٍّ بل على هيمنةٍ وخضوعٍ وقد ارتضوا أن يكونوا الضّحيّة. 

إنّ انفصالهم يتطلّب شجاعةً كبيرةً وتحضيراً نفسيّاً وعملانيّاً لهذه الخطوة لأنّ هؤلاء الأشخاص المرضى حاضرون بالمرصاد لمنع أيّ محاولةٍ للخروج من العلاقة. طبعاً، إنّ الخطوة الأنجح هي في ترك البيت على غفلةٍ واللّجوء إلى مكانٍ يُمكنهم الاحتماء فيه، وقطع أيّ اتّصالٍ مع شركائهم لأنّهم سيقومون بكلّ ما يلزم لإعادتهم وإظهارهم على أنّهم مرضى وبهم حاجةٌ إلى علاج.

رحلة شفاء الشريك

إذا نجحت خطوة الخروج من البيت والحصول على الطّلاق، تبدأ بعدها رحلة الشّفاء الدّاخليّ من كلّ الآثار والجروح النّفسيّة التي تسبّبت بها هذه العلاقة. في هذه المرحلة لا بدّ من مرافقةٍ نفسيّةٍ من أجل استعادة الثّقة بالذّات وترميم الصّورة الدّاخليّة المحطّمة وإعادة الأمل ببناء غدٍ أفضل. 

 

إنّ الوقوع في حبّ شخصٍ منحرفٍ نرجسيّاً يُعد من أقسى التّجارب العاطفيّة، لذا عند اكتشاف أنّ الشّريك مصابٌ بهذا الاضطراب يجب التّخلّص من العلاقة في أسرع وقتٍ قبل فوات الآوان.

مقالات قد تثير اهتمامك