الزوجة المخدوعة في البيت الابيض؟

يوم أمس عيّنت بريطانيا تيريزا ماي كأوّل رئيسةِ حكومة بعد مارغريت تاتشر، فهل تترك المرأةُ في الإدارة والسياسة بصماتٍ تختلف عن تلك التي يتركها الرجال؟ هل غيّرت تاتشر، قبلها، الحكم َ ليغدوَ اكثر انسانية ام افتعلت مع «المعجزات السياسية» حربَ الجُزر ضدّ الارجنتين وزادت الضرائب على متوسّطي الدخل والفقراء؟ الم يطلَق عليها لقب «المرأة الحديديّة» مع كل ما يعنيه من حزم وثبات في اتخاذ القرارات سواء الجيدّ منها والسيّئ؟ هل استطاعت بنازير بوتو، اوّل رئيسة وزراء بلدٍ مسلم، القيام بالكثير لتحسين اوضاع شعبها متخطّيةً ما يُعرف بالسيستيم او النظام السياسي الاقتصادي الثقافي العميق للدولة والشعب، قبل ان تُتّهَم بالفساد ويقيلها الرئيس الباكستانيّ لتغادر البلاد وتعود من ثمّ باتّفاق سياسيّ معه؟

ومع احتمال وصول مرشّحة الحزب الديمقراطيّ الاميركيّ هيلاري كلينتون الى رئاسة اكبر دولة في العالم، ماذا يمكن «الزوجة المخدوعة» ان تحقّق من وعود تغدقها اليوم؟ وكم في برنامجها الانتخابيّ، كما في برنامج خصمها المرشّح الجمهوريّ دونالد ترامب، من خدع السياسة وشعاراتها البرّاقة وبهلوانيّاتها؟ فهل تختلف كلينتون عن خصمها لجهة تنفيذ برنامجٍ يخدم النظام الرأسماليّ في طوره المتوحّش الحاليّ حيث يزداد الاثرياء ثراء، والفقراء فقراً، وابناء الطبقات الوسطى تراجعاً في المداخيل والمدّخرات؟ بل الم تكن النقاط التي عرضها غريمُها الديمقراطيّ بارني ساندرز اقرب الى معنى العدالة الاجتماعية مما طرحت السيدة الشقراء التي «سامحت» زوجها الرئيس كلينتون يوماً لانّ عينها مذاك على البيت الابيض، ولكن رئيسة لا سيّدة اولى؟

لا يكفي للحكم الرشيد ان يكون الحاكم امرأة. بل قد يكون رجلاً يتمتّع بعقل راجحٍ وضميرٍ حيّ فيبني أمّةً ويعدل بين ابنائها وبناتها حريّة واخوّةً ومساواة. إذ سبقَ لرجالٍ في التاريخ أن فعلوا لبلادهم واحياناً للعالم ما استحقوا عليه الخلود. ويقال ان ملكاتٍ في شرقنا فعلنَ الصواب ايضاً ولكنّهن خضنَ بدورهنّ حروباً سواء ضد اعداء الخارج او الداخل ممّن نافسهنّ على العروش. فهل يكفي القولُ ان نظام الذكورة الأبويّ يغلّب قيمَ الحرب والقوة والشدة على قيم الحوار والحكمة والصبر، وإن هذه الاخيرة سماتُ النظام الأموميّ الذي ساد الارض يوماً، لكي ننحاز بالضرورة الى المرشّحات ضد المرشّحين؟ تُرى الا يستبطن اغلبُ النساء في اعماقهنّ قيمَ الذكورة التي تغرزها الامّهاتُ وانظمةُ التربية والتعليم في الفتاة مع الحليب؟ اذن فلنحاسب كلينتون على خططها المعلَنة وما ستنفذّ او تهمل منها طوعاً او اضطراراً. هذا لو وصلت السيدة المخدوعة الى المكتب البيضاويّ حيث ارتكب الزوجُ فعلته مع الآنسة لوينسكي التي غدت، للمناسبة، ناقدةً ادبية يُحسب لدراساتها حساب، في الادب طبعاً وليس الآداب العامة.

الغلاف بعدسة المصور محمود عاشور.

مقالات قد تثير اهتمامك