فاطمة تحررت فماذا عن قوانين الاحوال الشخصية؟
ضجّ الرأي العام اللبناني بحكمٍ اصدرته محكمةٌ شرعية يقضي بتسليم أمٍّ طفلها الى والده بعدما تخطى السنَّ المحدّدة شرعاً للحضانة وهو عامان للصبيان وسبعة للبنات. ولان الأمّ قاومت دورية الشرطة المولجة تسلّم الطفل وتسليمه الى الوالد، كان جزاؤها السَّجن (علماً ان الزوجين غيرُ مطلّقين وهناك دعوى طلاق عالقة منذ 2013 لان الرجل المتزوّج ثانيةً يرفض تطليق الزوجة الاولى بل ويدعوها الى ما يسمى بـ"بيت الطاعة"!). كثيرون اعترضوا على الحكم الذي استند الى فتوى مرجعية بل وآية واضحة تقول بالحضانة "حوليْن"، اي عامَيْن، للاولاد بعد الطلاق. فدعا البعض وبينهم رجال دين الى عدم قراءة الفتوى والنص حرفياً لان الحكم دونه التبصر في الوقائع والخلفيات وخيرِ الطفل قبل خير الوالدين (لاسيما ان الوالد مهما احبّ اولاده واعتنى بتنشئتهم يظلّ مقصّراً عن عناية الأم وحنانها وصبرها، فكيف اذا اوكل المهمة لآخرين؟). والبعض دعا الى الاجتهاد في الامر لان العصر اختلف ودولاً كالجمهورية الاسلامية الايرانية، مثلاً، جعلت من سنَّ حضانة الأم ابنها الذكر سبع سنوات. وجدّدَ بعض ثالث دعوته الى إلغاء نظام الأحوال الشخصية التابع للطوائف والمذاهب (الموروث من العهد العثمانيّ) او جعله اختيارياً بعد إقرار الزواج المدني وإصدار قانون وضعيّ يطبَّق على الجميع (الا من اختار الزواج بحسب قوانين طائفته).
انتهت، مبدئياً، محنةُ فاطمة وولدها نهايةً سعيدة بإطلاق سراحها وعودته اليها بعد تدخل "مرجع سياسي". لكنّ قانون الشرع لم يتغير رغم المطالبات وتظاهُرِ ناشطي المجتمع المدني امام المحكمة الجعفرية وغداً امام محاكم سائر الطوائف. تُرى كم من زوجة هجرها الزوج او اساء معاملتها رافضاً في الحالين تطليقها فلا تُطَلَّق لانهم وضعوا الطلاق في يد الرجل؟
انها في الاخير ليست قضية فاطمة علي حمزة بل قضية شرق يئنّ تحت فكر دينيّ يرفض "حرّاسه" اخضاعه لمنطق التاريخ وسيرورة حياة اهله. فالطفل لم يُحرم او "يُيتَّم" من والدته مدّةَ سجنها وتسليمه للوالد والزوجة الثانية. بل انه او بالأحرى اننا ايتامُ العقلانية الثقافية والاجتماعية في بلاد يصمُّ ساستُها وسدَنةُ اديانها الآذان عن صراخ الناس طلباً للحرية والانعتاق من نير القرون الماضية.
"الحسناء"
(أفتتاحية مجلة الحسناء عدد تشرين الثاني/نوفمبر 2016)