رويدا الكفيفة.. صاحبة النظرة المدوّية

 تروي رويداعلوان تجربتها كأم كفيفة وتتحدث الى "الحسناء" عن نظرتها في هذا المجال .وتقول:

أحياناً  قد تتدفّق الدنيا بأسرها على ثغر طفل، فتأتي على شكل ابتسامة حلوة من شفتيه، تقدّم للأم أنهاراُ من السعادة هي كفيلة بأن تُغرقها في بحر من الحبّ لا ينتهي، أو على هيئة ابتسامة حلوة يُطلقها من ثغره الصغير ... يبعثها في أذن أمّه لتزرعها في قلبها، فتكبر وتنمو حتى تصبح وسع الكون، ممّا يجعل تلك الأم قويّة ولديها من الإرادة والعزيمة ما يكفي لتصارع الكون بأسره من أجل جعل طفلها سعيدا ، وكان كلّما كبر طفلها ونما، كبرت عزيمتها وزاد إصرارها على متابعة المسير . وأحياناً يقّدم لك طفلك لمسة سحرية من كفّيه الناعمتين، وأنامله الدقيقتين... لمسة هي أشبهه بالخيال، يحمل لك فيها مفاتيح سرّيّة تبعث لحاملها القوّة كي يفتح أبواب الدنيا بأسرها. تلك الإبتسامة والهمسة واللمسة... تزوّد الأم بقوّة وصلابة تفوق صلابة الجبال، ورقة وعزوبة تضاهي رقّة الزهر، فتُسقط محبّتها على أطفالها كالندى الذي تفيض به الطبيعة على العشب فينعشه، وعلى الورود فيوقظها لتتفتّح وتعبق رائحتها فتجود على الطبيعة بأروع أشكال الجمال .

لقد أسلفتُ في حديثي عن علاقة الأمّ بطفلها، بالكلام عن الإبتسامة والهمسة واللمسة ولم آ ت على ذكر النظرة... ذلك أنني أم ٌكفيفة، وقد حال كفّ بصري دون أن أتمكّن من رؤية أبنائي مشاهدة بالعين، لكن الصورة التي أراهم بها هي  في قلبي لا تغيب عنه حتى وإن غابوا، وهي أيضاً في مخيّلتي محفورة لا تخفّف من وهجها ظلمة الليالي ولا غياب القمر، إذ هما في حياتي قمرها وشمسها، من محبّتهما أستنير كي أمشي طريقاً مليئة بالعثرات فأقطعها، حتى أصل بأبنائي الى الذروة التي أطمح اليها .

 إن غياب حاسّة البصر لدي لم تؤثّر سلباً على علاقتي بأبنائي، بل على العكس، فإن ذلك جعل صلتي بهما أوثق، والمحبّة التي تربط بيننا أعمق.  ذلك أنّ رؤيتي لهما واهتمامي بمظهرهما أو تعبيري عن محبّة أو تشجيع لهما... كل ذلك يكون عن طريق تقرّبي منهما لمسا ، ممّا يعزّز رابط المحبّة بيننا، ويمنحهما الى ذلك جرعة إيجابية من العاطفة والحنان هي كفيلة بجعلهما أقوى وأنجح في الحياة على كافة الأصعدة . 

من يحمي أحلامي؟

ويُقال إنّ الأمومة هي أصعب مهمّة في الحياة، إذ أنّها تتطلّب عملا شاقاً لا ينقطع، جسداً لا يعرف التعب، وعيناً لا تعرف النعس، ونفساً لا تعرف الملل... وأنا بكلّ سرور قد عايشتُ تلك الظروف وتعايشتُ معها بكل تفاصيلها لحظةُ بلحظة. فأنا لا أعمل خارج المنزل، هذا ما جعلني أرافق أبنائي ليل نهار، وأهتمّ بشؤونهم الحياتيّة كافّة، وكنتُ ولازلتُ أنجزها كلّها بنجاح تام . ولأن الحياة لا تكتمل إلا بجانبين، أحدهما معنوي والآخر مادّي، فإنّ الإنسان لا يفتأ ينتهي من تحصيل شهادته الجامعيّة، حتّى يسارع الى البحث عن فرصة عمل من أجل تحصيل الجانب المادّي الذي إذا ما اكتمل فإنّه يعيش بكرامة وشيء من الإستقرار النفسي، أو ما يسمّى الإطمئنان على مستقبل أبنائه على الأقل من ناحية تحصيلهم العلمي .

لذا فأنا ومنذ أن اتّخذتُ قراري ببناء أسرة، رحتُ أسعى وبشكل دؤوب من أجل إيجاد عمل يجعلني أشعر بالإستقلاليّة نوعاً ما، ثمّ تضاعفت جهودي وتفاقمت عندما أصبح لديّ طفلين، فصرتُ أسعى وبجنون من أجل إيجاد فرصة عمل،  لكنّ  كل المساعي كانت تبوء بالفشل بسبب مجتمعنا الجائر الذي لا يمنح فرصاً لذوي الإحتياجات الخاصّة كي يُثبتوا كفاءاتهم على الصعيد المهني. لذا فأنا اليوم أقع ضحيّة تلك الأحكام المسبقة والأبواب المغلقة سلفاً في وجهي... أقف حائرة على قارعة الطريق أتلفّت يمنةً ويسرة ،علّني أعثر على أحد يمنحني ثقته ويقدّم لي خشبة الخلاص، أقف حائرة خائفة  ينتابني الفزع على مستقبل أبنائي الذي يكاد يكون حلمي الوحيد في هذه الدنيا،والهلع  من أن تأتي أموا ج عاتية فتقذف كل أحلامي التي قد بنيتُها على شاطئ الرمال، فألتفت لأجدها قد سُوِّيَت بالأرض... لكنّي وإن حصل ذلك، فسوف أعاند العواصف والرياح، وسوف أُعاود بناء أحلامي الورديّة من جديد... ولابدّ أن تشرق شمس دافئة يوماً لتهدّئ من روع الأمواج وتلطّفها كي أنُهي بناء أهدافي حتّى تبصر النور وتصبح أخيراً قيد التحقيق. لأنّه لديّ إيمان بأنّ الأهداف السامية لن تخيب أبدا ، وما اشتداد العواصف والمطر، إلا إشارة بأنّ خلفها يختبئ ربيع وعشب وزهر.

مقالات قد تثير اهتمامك