المصمم غارين ديمرجيان: كل ما أصنعه تتمة لقصة سبق وبدأتها

غارديم علامةٌ أطلقها مصمم أزياء صاحب رؤية مبتكرة، حمّل الماركة اسمه الأول وبعضاً من اسمه عائلته، غارين ديمرجيان المولود في بيروت، نشأ في أثينا – اليونان، درس في باريس ومن معهد إسمود  فيها نال شهادته في تصميم الأزياء. استحوذت أول مجموعتين له على انتباه رائدين من روّاد الموضة صاحبيّ ""ليكليرور باريس" بحيث استحصلا على المجموعتين بشكل حصري. وإثر هذا النجاح الباهر، سجّل العام 2002 انطلاقة العلامة المستقلة غارديم. ونظراً لتصاميمها غير المألوفة، بيعت مجموعاتها الأولى في متاجر عالمية في أهم عواصم الموضة مثل كوليت في باريس، ومانياك في طوكيو، وبراونز فوكوس في لندن، وليبرتيز في لندن وماكسفيلدز في لوس أنجلوس.

في لقائنا معه، في متجره الخاص في "دي بيروت" أحب ديمرجيان أن يخبرنا عن الحلم الذي لطالما كان يراوده وعن عاطفته التي لم تكل ولم تمل، فهي التي كانت تحفّزه للقيام بأعمال فنية مجنونة تحمل بعدًا مأساويًا بسبب جذوره المتعلقة ببلده الأم أرمينيا وبلده الثاني الذي احتضنه والذي شهد عليه وهو يتألم خلال الحرب اللبنانية المشؤومة، الى وفائه لعلامة باسيل صودا العالمية خصوصًا بعد رحيل المصمم. أما اليوم فباتت ملابسه مرآته تعبّر عن شخصه المميز الواثق بقدراته وبإبداعاته الخلّاقة التي ستشكل حتمًا ثورة في صناعة الأزياء العالمية.

أقلام التلوين

منصات عروض الأزياء هذا العام كانت تعج بالرسائل السياسية، ما رأيك بذلك؟

أعتقد أنها شيء جميل أن نرسل رسالة لأن الموضة اليوم وسيلة تواصل نريد من خلالها أن نوصل أصواتنا وآرائنا ولكنني لا أحبذها لأن رسالتي هي أن أكون كما أنا وأن أكون مختلفا. أعشق الأشياء الفريدة والمستقلة والحديثة الرائدة.

كيف نشأ هذا الحب للمهنة؟

عندما كنت صغيرا كنت أكرس كل وقتي للرسم وكانت هداياي كطفل عبارة عن أقلام التلوين وذلك لأن والدي كان مهندساً معمارياً وعند بلوغي الثانية عشرة من عمري شاركت في معارض فنية ومن هناك أحببت أن أطورها لتضحي اليوم مهنتي التي أحبها. أنهيت الجامعة في حين كان السوق يركّز على المصممين الشباب. أحسست أنني مميز ومن هنا قررت أن أصنع مجموعتي الخاصة والتي بيعت في غضون خمسة أيام ومن ثم عملت مع عدة علامات تجارية شهيرة في الولايات المتحدة، طوكيو.

الى أي مدى أضاف عملك كمدير فني لدار أزياء باسيل صودا على مسيرتك الشخصية والمهنية؟

كان المصمم اللبناني الراحل باسيل صودا يبحث عن مصمم للألبسة الجاهزة ومن ثم بدأنا بالـcouture مع بعضنا البعض. بعدما توفي، أحببت أن أحافظ على نمطه الذي كان يحبه لإبقاء هذه العلامة التجارية على قيد الحياة، كما أردت أن يكون لي محلًا خاصًا في بيروت للألبسة الجاهزة ومن ثم أخذت القرار وها نحن هنا في D-Beirut.

الجلد الثاني

أفضل ستايل؟

يمكن أن أقول أنني أستلهم من الأشياء الغامضة وأحب النمط الـGothic وأبتعد عن الألوان الزاهية ولكني اليوم أدخلت على مجموعتي الألوان ولكن رغم هذا كله إلا أنني لا زلت محافظا على الدراماتيكية في الفساتين مع استخدامي الألوان الزاهية.

من هي امرأة غارين ديميرجيان؟

هي المرأة المحاربة، القوية المستقلة والاجتماعية. هي المثيرة ولكن إثارتها غير مبتذلة. تؤمن بنفسها وتحب ما ترتديه وكأنه "جلدها الثاني".

ماذا عن الأقمشة التي تحب استخدامها؟

لا أشتري الأقمشة لأصنع الفساتين. فأنا أجد متعة كبيرة في إعادة تصنيع القماش ومن ثم تحويله الى فستان كمن يركب قطع puzzle وهذا يشكل تحديا كبيرا.

ولكي أعيد خلق القطعة من الصفر، أحب أن أعمل تحت الضغط لأنه يجبرني على إعطاء المزيد حتى آخر لحظة، ولكن هذا لا يمنع من التحضير والبحث المسبق ولكن لا يوجد أي شيء بنظري "على الموضة" لأن كل شيء أصنعه هو بمثابة تتمة لقصة بدأتها وأحب أن أكملها.

ما سر تلك المأساة والدراما الطاغية على قطعك؟

أعتقد أن السبب ربما يعود الى المأساة الأرمنية فهي موجودة في داخلي، إضافة الى المأساة اللبنانية بحيث شهدت على الحرب اللبنانية الأليمة، لكنني أؤمن أنني كفنان لا يمكنني أن أنتج وأبدع من دون ذرة عاطفة في أعماقي فالقطع اليوم باتت تجسدني وهي مرآتي التي تعكس حقيقتي.

دمج الألوان

ممن تستلهم؟

عندما كنت في باريس، راح الناس يظنون أنني آت من بلجيكا بحيث كنت أستوحي من هناك الستايل الغامض من خلال غلبة موسيقى الـROCK N’ROLL والـPUNK في الألبسة الجاهزة. ولكنه أيضا يعجبني نمط Miu Miu وPrada وDior إلا أنها لا تشبه تصاميمي.

أما بالنسبة للمصممين المحليين، فلا يمكنني أن أحكم عليهم لأن أسلوبي مختلف عنهم بناء على كل موسم. أحب إيلي صعب لأسباب عدة لأنه حقق اسمه في أوروبا وهو مختلف عن غيره. تصاميمه جميلة جدا إلا أنني لا أشعر أنني متشابه معه. أما من المصممين الشباب فأحب ستايل حسين بظاظا، وأرى أنه موهوب جدا وهو يميل إلى الألبسة الجاهزة التي أعشقه، إضافة ارتباط اسمه كعلامة تجارية فور رؤية قطعه، فأنا من الأشخاص المؤمنين وبشدة بأهمية الحفاظ على الهوية الشخصية للمصمم وليس فقط إرضاء الجميع.

ماذا عن باسيل صودا؟

باسيل صودا إنسان منفتح جدا. وخصوصا في العالم العربي بحيث أرادني أن أساعده لأنه رأى أنه لا يمكن لهذه المهنة أن تكون مقتصرة على رؤية شخص واحد فقط، ومن هنا جاء التعاون الذي أثمر في ما بعد على نجاح باهر الأمر الذي خلف صورة رومانسية وغامضة لأعماله الفنية. أنا فخور بما حققه باسيل صودا وأرى أن خلفيته مميزة باختلافها فهو صانع الصيحات ومهندس للأزياء الراقية.

الاسم السري

أخبرنا عن مجموعتك للألبسة الجاهزة التي تحضرها.

بالبدء، شكّلت أول مجموعة لفساتين الكوتور في لبنان في متجري بمثابة تحد في إدخال الألوان كالباستيل ودمجها مع سيد الألوان الدراماتيكية الأسود الذي تعمدتُ أن أبرزه في الإكسسوارات الضخمة السوداء أو الماكياج السموكي القوي. ومن خلال تلك التفاصيل الصغيرة تمكنت من المحافظة على صورتي. ولطالما تميزت في الملابس الجاهزة باللعب على إدخال عدة طبقات ولكن الفساتين كانت بمثابة تحد من نوع آخر وذلك بسبب إدخال التطريز وأخذ القطع الصغيرة وبناء الطبقات تدريجيا عليها مما يتطلب دقة في الانتباه وكأننا نبني قطع Puzzle. 

أما اليوم، فإننا نعمل على تحضير مجموعة الألبسة الجاهزة لخريف وشتاء 2017/2018 لعرضها في باريس ومن ثم جلبها للسوق.

هل ستعلن اليوم عن اسم المجموعة؟

لا الاسم يستمر سرًا ولكنها ستكون كما أحبها بغاية الغموض. إنني أحاول بقدر الإمكان أن أقدم للناس شيئا ما بين الكوتور والملابس الجاهزة خصوصا في ظل تنافس بعض محلات التجزئة مع تصاميم العلامات التجارية العالمية التي تقدم للناس بسعر أقل مما يخفض الرغبة في تشجيع أولئك المصممين الذين هم صناع الصيحات في بحر الموضة الواسع.

هل تعتقد أن هذه الصناعة تحتضر؟

لا، طالما نسعى إلى إيجاد حلول كمصممين لتلك التحديات صناعة الأزياء مستمرة. كما أننا نلاحظ اليوم أن هذه الصناعة لا تعتاش الا من الاكسسوارات والعطور وهذا باعتقادي سر نجاح العلامات التجارية الكبرى مثل ايلي صعب إذ تعتمد أرباحه عليها فهي موجهة لجميع الناس. 

وفي ظل وجود تجار التجزئة من جهة أخرى، مستحيل أن تختفي هذه الصناعة طالما أن هناك مصممون مبدعون يصنعون الصيحات والآخرون ينقلون عنهم فهذا خير دليل على النجاح.

"الأزياء الواقعية"

ما رأيك بالمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي؟

أعتقد أن لديهم ذوق حسن في اختيار الملابس وتنسيقها، الا أنهم ليسوا صناع الصيحات. ولكنها تعمل على توجيه السوق وتسليط الضوء على أبرز صيحات الموضة التي يجب أن تتبع كل موسم. بالتأكيد أنها ثورة رقمية في عالم التواصل الاجتماعي من خلال الوصول والتأثير على شريحة كبيرة من الناس.

هل لديك لمستك أيضا في تنسيق الثياب؟

نعم، إلا أنني أبالغ في بعض الأحيان لكنني أستمع لآراء فريقي الذي يساعدني على إبراز جمال القطع بأبهى حلة.

ما هي مشاريعك المستقبلية؟

بما أن هذه الخطوة الأولى في استقلاليتي والبدء بمجموعتي الجديدة، أتمنى أن أصل الى الاستقرار في الذي أقوم به ولا أتسرع وأتهور في تحقيق أهدافي عشوائيا. 

أريد أن أعمل على الملابس الجاهزة أكثر وأن أكون واحدا من العلامات التجارية العالمية الكبرى. أما بالنسبة للفساتين فإنها الجزء المسلي بالنسبة لي لأنها عادة ما تكون مصممة بشكل خاص لتلبي حاجات زبائني. ولكن هدفي الأكبر يبقى أن أوسع نشاطاتي في "الأزياء الواقعية" أي الـReal Fashion أي الملابس الجاهزة من خلال الاختراع والتطوير وكسر حواجز الخوف والانطلاق نحو الإبداع.

أنا اليوم أعمل على بناء وتطوير صورتي وأؤمن أنه إذا لم أتمكن من أكون ناجحا هذا العام، لن أقبل بتغيير نفسي لإرضاء أي أحد على حساب هويتي الشخصية.

مقالات قد تثير اهتمامك