وداعا للعزوبية وعقبال العايزين

مروان يعمل في مؤسّسةٍ تجاريّة. دخله لا يتجاوز مليون ليرةٍ شهريّاً ودخل خطيبته أيضاً. قرار الارتباط بينهما لم يكن سهلاً، بل كان كـ «المهمّة المستحيلة» لأنّ مدّخراتهما لا تكفي لتمويل كلّ احتياجاتهما للسّكن وأثاث المنزل وحفل العرس وشراء وسيلة نقل... لكنّ مخاطرة الانتقال من منزل العائلة إلى منزل الزّوجيّة أصبحت خطوةً مقبولةً بعد أن اعتمدت على آليّات تمويلٍ مصرفيّة!

هذه الخدمات المصرفيّة المُتاحة في السّوق وفّرت لهما خياراً مقبولاً في مجتمعٍ يعيشُ أكثر من ثلثه تحت مستوى الفقر المُدقع، وحيث لا يتجاوز متوسّط دخل الأجراء العاملين في القطاع الخاصّ أكثر من مليونٍ ومائة ألف ليرة.

«حساب الزّفاف» لتمويل الحفل

الأمر لم يكن مختلفاً كثيراً بالنّسبة إلى أسامة، الشّابّ الثّلاثينيّ الذي كان يقع تحت ضغطٍ عائليٍّ كبيرٍ و«لم يكن في يده حيلة». عائلة خطيبته كانت تطالبه بالإسراع في تحديد موعد الزّفاف، لكنّ ما جعله يؤجّل هذه الخطوة شهراً بعد شهر، أنّ مدّخراته استُنفدت في الدّفعة الأولى للشّقّة، وأكثر من ثلث راتبه يذهب لتمويل أقساط الشقّة، لذا كان صعباً عليه شراء الآلات الكهربائيّة والأثاث، والأصعب كانت تكاليف العرس.

قرّر أسامة أن يلجأ إلى ابتكارٍ مصرفيٍّ يُسمّى «حساب الزّفاف». فكان يوزّع دعوات العرس آملاً أن يوفّر له هذا الحساب بعض المدّخرات لتمويل كلفة حفل الزّفاف في مكانٍ لائقٍ وبكلفةٍ معقولة. وبالفعل هذا ما حصل.

وداعا للعزوبية وعقبال العايزين

«قرض السّفر» لشهر عسلٍ لا يُنسى

رغبته في تقديم هديّة لعروسه دفعته إلى تمويل رحلةٍ رائعةٍ بوساطة «قرض السّفر»

غير أنّ هموم فادي كانت تصبّ في مكانٍ آخر. رغبته في أن يقدّم لعروسه هديّةً فيها الكثير من الرّومانسيّة دفعته إلى تمويل رحلةٍ رائعةٍ بوساطة «قرض السّفر» من أحد المصارف المحلّيّة على الرّغم من ضيق أحواله. حلمه بأن يُصبح شهر العسل مع عروسه، فصلاً لا يُنسى من ربيع حياته، أصبح واقعاً. كلفة السّفر والإقامة في أحد المواقع الأكثر رومانسيّةً في اليونان، أصبحت متوافرةً بالتّقسيط على مدى سنةٍ كاملة.

بدائلُ ضمن قدرات الشّباب

ثمّة الكثير من الشّواهد على تفاعل الأزواج مع القروض المصرفيّة في بداية حياتهم. هذه الخدمات حفّزت علاقاتهم وطبعت ذكرياتٍ جميلةً في منازلهم وأثاثهم وحفل زفافهم وشهر عسلهم وسيّاراتهم... ما كان صعباً في وقتٍ ما، أصبح مُتاحاً بفضل التّمويل المصرفيّ.

في الواقع، إنّ شباب لبنان الذين يمثّلون نحو 38% من عدد السّكّان، يعيشون في ظلّ ظروفٍ صعبة، لكنّهم يفضّلون العيش بالتّقسيط على الانزلاق نحو مستوياتٍ أدنى من الفقر. هذا الخيار قد يكون الخيار الوحيد المتاح أمام الشّباب الذين يسعون إلى العيش ضمن الحدّ الأدنى من المقوّمات الحياتيّة. فالهوّة الكبيرة في توزيع الثّروة بين اللّبنانيّين حيث للشّباب الحصّة الأدنى منها، جعلتهم يسعون إلى تعويض هذه الحصّة المتدنّية بإيجاد بدائلَ تزيد قدراتهم الماليّة. البدائل متوافرةٌ في المنتجات التي تقدّمها المصارف للشّباب.

تقسيطٌ بدون دفعةٍ أولى

ثمّة الكثير من المنتجات المصرفيّة الموجّهة إلى الشّباب المتزوّجين حديثاً. فمثلاً، يقدّم «بنك عوده» «قرض الرّبيع» الذي يسمح للشّباب بالادّخار مقابل حصولهم على وحداتٍ هاتفيّةٍ تستعمل للهاتف الخلويّ، أو حسمٍ من فاتورة الهاتف الثّابت. ويُقدّم «بنك بيبلوس» قرض السّفر. المُنتج موجّهٌ إلى كلّ الزّبائن المُحتملين، إلاّ أنّ أكبر المستفيدين منه هم الشّباب المتزوّجون حديثاً أو أولئك الذين ينوون قضاء شهر العسل بعد حفل الزّفاف. حدّد المصرف حدّاً أدنى للرّاتب بقيمة 900 ألف ليرةٍ للشّباب غير المتزوّجين، و1.2 مليون ليرةٍ للمتزوّجين. يتضمّن القرض بوليصة تأمينٍ على الحياة مجّانيّةً تغطّي مدّة السّفر ومصاريف ملفٍّ بنسبة 5% من قيمة القرض.

أمّا للّذين ينوون الزّواج وفرش المنزل، ففي إمكانهم الحصول على قرضٍ من «بنك الاعتماد اللّبنانيّ» ضمن سقف 25 ألف دولارٍ للقرض الواحد. يُمكنهم تقسيط الآلات الكهربائيّة وأثاث المنزل من المتاجر الكبرى مثل «خوري هوم» و«طحّان» و«آغا سركيسيان» وسواهم، وذلك من دون دفعةٍ أولى وبلا مصاريف ملف. ويُمكن الحصول على قرض سيّارةٍ من «البنك اللّبنانيّ الفرنسيّ». يتضمّن القرض إمكانيّة استبدال السّيّارة القديمة بسيّارة جديدة. فائدة القرض 4.7% إذا كانت السّيّارة جديدة، و6.75% إذا كانت مستعملة. تمتدّ مدّة القرض بين سنةٍ وأربع سنوات. يحصل المقترض على بطاقة ائتمانٍ مجانيّة، وتأمينٍ على الحياة مجانيٍّ أيضاً، وتسجيل السّيّارة مجاناً أو بوليصة تأمينٍ على السّيّارة مجانيّة.

وداعا للعزوبية وعقبال العايزين

عملٌ خاصٌّ ومنزلٌ زوجي

من «بنك بيروت» هناك قرض «كاريتاس» الذي يمنح الشّباب الرّاغبين في فتح أعمالٍ خاصّةٍ صغيرة، سواءٌ كانت في مجالات الصّناعة أو الزّراعة أو الأعمال الحرفيّة. القرض باللّيرة اللّبنانيّة وسقفه 10 ملايين ليرة، وعلى مدّةٍ زمنيّةٍ تمتدّ إلى 3 سنواتٍ بفائدة 3% ويسمح بتسديده بعد 3 أشهر.

مصرف «سوسييتيه جنرال» يقدّم قرضاً للشّباب الرّاغبين في فتح عملٍ خاصٍّ بهم. يختصّ القرض بتمويل الآلات والمعدّات بنسبة 85% من قيمتها الإجماليّة ضمن سقفٍ لا يتجاوز 15 ألف دولارٍ مدّةً زمنيّةً تصل إلى خمس سنواتٍ في الحدّ الأقصى. الفائدة 6%، ومصاريف الملفّ تبلغ 250 دولاراً سنويّاً. ويُمكن الحصول على قرضٍ شخصيٍّ من «بلوم بنك» اسمه «قرضي». سقف الاستدانة يصل إلى 40 مليون ليرةٍ مدّة سبع سنواتٍ كحدٍّ أقصى، وبلا دفعةٍ أولى. ويعدّ «بلوم بنك» صاحب أكبر محفظة قروضٍ سكنيّةٍ مع المؤسّسة العامّة للإسكان. شروط القرض منصوصٌ عليها في بروتوكول التّعاون مع المؤسّسة العامّة للإسكان وفائدته لا تزيد عن 5%، ويمكن أن يصل التّمويل إلى 280 مليون ليرةٍ كحدٍّ أقصى. يستفيد من هذا القرض من «بلوم بنك» نحو 15 ألف شخصٍ غالبيّتهم من الشّباب المتزوّجين حديثاً.

استهلاك ضمن الطاقات

القروض التي يستفيد منها الشّباب تكون مدروسةً على أساس قدراتهم الماليّة

بحسب رئيس قسم الدّراسات في «بنك بيبلوس» نسيب غبريل، فإنّ المنتجات الموجّهة إلى الشّباب مبنيّةٌ على أساس دراسة الأعباء والقدرة على الالتزام، وهي تحفّز الاقتصاد وقدرات الأسر. هذا يعني أنّ القروض التي يستفيد منها الشّباب تكون مدروسةً على أساس قدراتهم الماليّة سواءٌ كانوا في الجامعة أو في بداية طريقهم المهنيّ، أيْ لا يجري إغراقهم بديونٍ لا يستطيعون الإيفاء بها، ولا يتم حثّهم على الاستدانة المُفرطة، بل يجري تمويل احتياجاتهم الضّروريّة: المسكن ووسيلة النّقل وحاجات الاستهلاك اليوميّ ولا سيما في قطاع التّكنولوجيا... ومن ميزات هذه المنتجات أنّها تدفع الشّباب إلى الالتزام.

و يقول غبريل إنّ «بعض المصارف الأجنبيّة العاملة في لبنان كانت تقدّم للشّباب في الجامعات بطاقات ائتمانٍ ذات سقفٍ أدنى من الأسقف المتعارفة لبطاقات الائتمان، والهدف مساعدة الشّباب على الاستهلاك ضمن طاقتهم». مُضيفاً: «هذه المنتجات وغيرها تثبّت الشّباب المتعلّم في لبنان وتمنعه من الهجرة التي أصبحت سمةً اقتصاديّةً أساسيّةً بين الخرّيجين حديثاً الذين يبحثون عن عملٍ أوّل مرّة».

ارتفاع وتيرة الهجرة والبطالة بين الشّباب ...

إنّ الواقع الصّعب الذي يعيشه شباب لبنان يُعدّ مقلقاً مع ارتفاع وتيرة الهجرة بين الشّباب المتعلّم إلى 44% و46%، منهم من حملة الشّهادات. ويمثّل الاختصاصيّون وأصحاب المهن الحرّة نحو 20% من المهاجرين. أمّا الشّباب غير المهاجرين (بين عمر 20 و44 عاماً)، فهم منخرطون بصورةٍ كبيرةٍ في النّشاط الاقتصاديّ ويمثّلون (بين عمر 20 و44 سنة) نحو 41% من القوى العاملة. أمّا معدّلات البطالة فمرتفعةٌ بين الشّباب وتصل إلى 31%، أمّا النّزوح من الأطراف إلى المدن الرّئيسيّة فيبلغ ذروته في لبنان بنسبة 38%، وهو ما يجعل الأرياف خاليةً تماماً من القوى العاملة المنتجة التي يفترض أن تسهم في خلق التّنمية المحلّيّة.

مساكن لنحو 107 آلاف عائلةٍ لبنانيّة

بحسب إحصاءات جمعيّة مصارف لبنان، فإنّ محفظة القروض السّكنيّة بلغت 10 مليارات دولار وهي تزيد بنسبة 14% سنويّاً، أمّا قروض السّيّارات فهي تبلغ 1.5 مليار دولار، وقروض التّعليم 135 مليون دولار.

قروض السّكن وفّرت مساكنَ لنحو 107 آلاف عائلةٍ لبنانيّةٍ غالبيّتهم من الأسر الحديثة ذات الدّخل المحدود. هذه القروض تُمنح باللّيرة اللّبنانيّة وفائدتها متدنّيةٌ لا تتجاوز الـ 5.5%، أمّا قروض السّيّارات فتُمنح بالدّولار ولا تتجاوز فائدتها على السّيّارات الجديدة 6% وعلى السّيّارات المستعملة 8%.

مقالات قد تثير اهتمامك