حلوة مدريد: ستحلم بالعودة إليها

مدريد مدينة ودودة، حلوة، خضراء، تشعر بعد خروجك من مطارها باراخاس، انها تتسرب خلسة اليك، إلى عينيك، إلى قلبك، إلى شهيتك على الحياة، لن تتذكر ان هذه العاصمة وبلادها تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة إلا وانت تدفع الفاتورة القليلة الأصفار في الفندق اللطيف، أو عندما تتنقل في تاكسي بدل المترو وتلتقي بسائق مغربي تتحدثان بالفرنسية او العربية الفصيحة، ويخبرك بحسرة عن تفاصيل تبدل المعيشة في المدينة الإيبيرية وبأنه وبعد سبعة عشر عاماً من الغربة يفكر بالعودة إلى بلده قرب مدينة طنجا. أو أيضاً عندما تمر بساحة ديل سول ويشيرون إليك: "هنا تجري التظاهرات المعترضة على الوضع الإقتصادي"

الشجر يملأ العاصمة الإسبانية في أنحائها كلها، بشكل يلفت حتى من اعتاد السفر إلى المدن الأوروبية الكبيرة، ونظافة شوارعها ومحطات المترو فيها أيضاً لافتة جداً، التاريخ فيها حاضر في المبان والمتاحف والمسارح والساحات، كما الحداثة حاضرة بحلل جميلة وفي مبان تتلاءم مع اليوم والغد ولا تكسر جمالية بيوتات الأمس. نعم مدريد فيها مراكز تاريخية مهمة جداً بين أكبر المدن الأوروبية، والتاريخ فيها يتناغم بشكل ولا أجمل مع المرافق الحديثة والمريحة التي تشكل تقديمات كاملة من سكن وخدمات وايضاً تكنولوجيا متقدمة لوسائل البصرية السمعية والاتصالات.هذا كله جعل المجتمع الاسباني مجتمعاً ديناميكياً ومنفتحاً، قد تكون الظروف الاقتصادية اثرت على معيشة ناس العاصمة ولكنها لم تنل كثيراً من ترحيبهم بالسياح.

باص سياحي ومتاحف

بلازا مايور المثيرة للإعجاب، الضاجة بروادها الكثر، والتي افتتحت في العام 1620، تعتبر أحد الأماكن الأكثر شعبية ونموذجية في إسبانيا، تشهد مع الوسط التاريخي على روعة العيش في المدينة في القرنين السادس عشر والسابع عشر.
بالقرب من بلازا مايور "مركز الأرستقراطية" حيث القصر الملكي، وهو بناء ضخم من القرن السابع عشر، هندسته هجينة بين الباروك والكلاسيكية. إلى جانبه، ساحة أورينته، دار الأوبرا وكاتدرائية المودينا الحديثة، التي كرسها في العام 1993 قداسة البابا يوحنا بولس الثاني. أما ساحة بويرتا ديل سول، فتحيط بها منطقة تجارية متنوعة ومختارة، وليس بعيداً "باسيو ديل آرتي" أي ممر الفن، الذي سمي كذلك بسبب متاحفه وقصوره وحدائقه الفريدة، فإنه يتمم هذه المجموعة الأثرية حيث يلاحظ مبنى مصرف اسبانيا، ومركز البريد والاتصالات، ونوافير ساحتي سيبيليس ونبتونو.

ممتع جداً ان تبتاع بطاقة ليوم أو يومين لتعتلي باص سياحي أحمر مؤلف من طبقتين ومزود بدليل تسجيلي باللغة التي تريد يدور بك بحسب رقم الباص إما في مدريد التاريخية أو في مدريد الحديثة، تنزل في المكان الذي تريد، تزور وتستكشف وتعود إلى المحطات المخصصة للباص السياحي لتنتقل عبره من تاريخ  إلى آخر، ومن متحف إلى آخر.

للفن والثقافة مكانة خاصة في مدريد، ففيها أكثر من ستين متحفاً تغطي كل المعارف الإنسانية. وتشمل متحف برادو، الذي يضم أحد أكبر المعارض الفنية في العالم، ومتحف تايسن بورنيميزا، والذي يعرض أكثر من 800 لوحة من الفلمنكية القديمة إلى الحركات الطليعية. أما مركز الفنون الوطني للملكة صوفيا فمخصص للفن المعاصر الإسباني.

نزهات وملعب ريال مدريد

وفي مدريد أيضاً متنزهات وحدائق فسيحة محط عناية دائمة، مثل الريتيرو، المنتجع السابق لملوك إسبانيا، وكاسا دي كامبو، و بارك خوان كارلوس الأول، كلها تسمح بالتمتع بالشمس، والتنزه أو ركوب قارب على البحيرات الاصطناعية الخاصة، أو حتى إطعام السناجب، في قلب واحدة من أكثر العواصم خضرة في أوروبا.

تتميز مدريد، بحب للحياة، وتكثر فيها الحفلات الموسيقية والمعارض والباليه وعروض الفلامنكو والمسرحيات، وطبعاً لعشاق رياضة كرة القدم فرصة أن يزوروا ملعب النادي الأشهر فيها ريال مدريد، ولهواة شراء الملابس الأوروبية فرصة ذهبية في موسم التنزيلات في أسواق العاصمة فالبضاعة ليست فقط اسبانية بل ايطالية وفرنسية وانكليزية.

ويبقى للذواقة حصة مهمة جداً في مدريد، فسواء تناولت سندويشاً وانت في السوق أو بضعة قطع "تاپاس" أي المازات الاسبانية الشهيرة والمتنوعة في "ميركادو" معين، أو طلبت "باييلا" مثلاً في مطعم شعبي أو طبق أرضي شوكي مقلي في مطعم راق، فاللذة أكيدة خصوصاً إذا ترافق ذلك مع كأس شنغريا اللذيذة، أو كأس نبيذ إسباني لم تعتد عليه من قبل. وإن زرت مدريد لا تنسى أن تزور متحف الجامبون او الخامون كما يسمونه، وهذا المتحف هو سلسلة محال متخصصة ببيع جامبون السيرانو والإيبريكو، يمكنك حتى ان تلتهم فيه سندويشاً من الجامبون الطيب جداً بيورو واحد أو بإثنين فقط.

مدريد عاصمة أوروبية ودودة حلوة ستحلم ان تعود إليها.

مقالات قد تثير اهتمامك