بشارة عطالله: «الجـلاّد فـي ثـوب الضحـيّة»

«توليفةٌ» هادفةٌ و«صادمةٌ» تجتمع تحت سقف غاليري « 392 رميل 393» بهدف خدمة قضّيتَين ملحّتَين: الأولى إعادة إحياء المعارض الفنّيّة التي تُعنى بالملابس القديمة، وومحاولة استعادة «أسبوع بيروت للموضة» الذي طويت صفحته منذ زمنٍ على الرّغم من وجود أسماءٍ لبنانيّةٍ عالميّةٍ لامعةٍ في مجال تصميم الأزياء. أمّا القضيّة الثّانية، فهي قضيّة العُنف ضدّ المرأة التي شغلت الرّأي العامّ اللّبنانيّ ولا تزال نظراً إلى تفاقمها وازدياد عدد ضحاياها.

«What Happened to the Beirut Fashion Week Anyway?» («ماذا حدث لأسبوع الموضة في بيروت على أيّ حال؟»)، الذي انطلق في العاشر من سبتمبر/ أيلول المُنصرم، وسيستمرّ لغاية العاشر من الشّهر الجاري، ليس معرضاً فنّيّاً تقليديّاً، بل يتعدّاه ليكون أشبه بـ «تظاهرةٍ فنيّةٍ» تُحاكي التّحرّكات الحاليّة في البلد، لكنْ بشكلٍ ومضمونٍ مختلفَين. إنّه صرخةٌ أطلقها بشارة عطالله الممثّل ومنسّق الملابس وجامعها، وشاركه فيها الكثير من الفنّانين كلٌّ في مجاله.

صدمة تُحدث تغييراً

«أردتُ أن أؤسّس لتظاهرةٍ فنيّةٍ تحمل في طيّاتها قضيّةً إنسانيّةً مُلحّة» يقول بشارة مُتابعاً: «انطلقت الفكرة من خبرتي في تنسيق الملابس، ومتابعتي الحثيثة لأسابيع الموضة العالميّة التي تجعلني دائماً في حالة صدمة. لماذا؟ لأنّ هناك أسماءً لبنانيّةً عالميّةً تحرص على عرض مجموعاتها في عواصم الموضة من دون أن يكون هناك أسبوع للموضة في العاصمة بيروت! من هنا كان عنوان هذا الحدث الفنيّ: «What Happened to the Beirut Fashion Week Anyway?». ويُتابع بشارة: «ولأنّني لا أرضى بما هو عاديّ، أردت أن يكون هناك هدفٌ ثانٍ لهذا الحدث، وهو تسليط الضّوء على قضيّة تعنيف المرأة جسديّاً ونفسيّاً بواسطة رجالٍ يلبسون ثيابها وقضيّتها بتطبيق ماكيّاجٍ لهم يُبرز العُنف الممارس ضدّها (كدمات، دماء...). إنّ الصّدمة التي أحدثها هؤلاء الرّجال عند مرورهم على منصّة العرض أمام جمهورٍ مختلفٍ ثقافيّاً واجتماعيّاً، كانت إيجابيّةً جدّاً لخلقها تفاعلاً واضحاً بين صفوف الحاضرين. لقد أردنا من عرض الأزياء غير المألوف هذا، وفي ظلّ غياب قانونٍ مكتملٍ يحمي المرأة من العُنف الممارس في حقّها ويُحاسب ويُعاقب المُجرم، أن نقول للرّجل إنّ العُنف لن يكون يوماً حلاً للخلافات العائليّة أو الزّوجيّة.

مرآةٌ تعكس المجتمع

إنّ الإلتزام بالقضايا الإنسانيّة وترجمته بعملٍ فنّيٍّ إبداعيّ، كان غايةً لا بدّ من التوصّل إليها عن طريقِ عرضٍ كان أقرب إلى التعبير الفنّي. هنا، يُصبح الغرف من أبعاد هذا العرض الفنيّ ضرورة من أجل التركيز على ثقافة الفكرة الإخراجية التي أرادها بشارة لعمله انطلاقاً من مهنته كمدرّس لمادّة المسرح. ويقول الأخير: «لا يُمكن أن أدّعي أنّنا أمام عرضٍ ثقافيّ فقط، بل قضية اجتماعيّة عبّرتُ عنها بطريقةٍ فنيّة، ولذلك يُمكن التأكيد على أنّ الصورة التي خرجنا بها شكّلت فنّاً مُلتزماً أقرب إلى مرآةٍ تعكس المجتمع». ويُضيف بشارة: «لقد كان الأهمّ بالنسبة إليّ أن أتوصل إلى الطريقة الصحيحة لعرض القضية، فمزجتُ بين أفكارٍ غير مطروحة سابقاً، والأزياء القديمة التي أمتلكها، لأقدّم مشهديّة «الجلاّد في ثوب الضحيّة».
وبحسب ما يوضح بشارة، فإنّ العرض كان مساحة للتحاور في القضية المطروحة، بخاّصّة أنّ الناس أصبحوا قادرين على استشعار البُعد الفنيّ لأيّ عملٍ وحتى الخارج عن المألوف منه.

وعن ردود الأفعال، يحكي لنا بشارة أنّ سيّدةً من بين الحضور، لم تحرّك ساكناً أثناء العرض، حتّى إنّها لم تُصفّق كالآخرين.
«بالنسبة إليّ اعتبرتُ تصرّفها طبيعيّاً كونها ربّما لم تحبّ العرض، حال البعض الذي لم يجد في العمل أيّ جماليّة فنيّة، لانّه لم يعتدْ على غير المألوف».
في صباح اليوم التالي للعرض، رنّ هاتف بشارة باكراً، فتسبقه المتّصلة بعد إلقاء التحيّة بعبارة: «لم أكن سعيدة في الأمس». ثمّ تُضيف: «كلّ ما كان على المسرح أشعرني بالألم الذي أعيشه يوميّاً».
ويُشير بشارة إلى أنّ ردود الفعل كانت بعامّة إيجابيّة، والسلبيّ منها في البداية سرعان ما تحوّل إلى إيجابيّ عندما أدركوا أن خلف عرض الأزياء تكمن قضية تقتل كلّ يومٍ امرأةً جسديّاً ونفسيّاً.

يذكر أن هذه المقالة مقتطفة من مقال أكبر نُشر في العدد الأخير من مجلة "الحسناء" (تشرين الأول الجاري) ضمن ملف كبير وخاص ينشر موقع الحسناء الالكتروني أجزاءاً منه تباعاً. فتابعوه.

مقالات قد تثير اهتمامك