ثمانية رجـالٍ يلبســون أزيــاء المـرأة وقضيّتهـا

بعيداً من المشاهد الذّكوريّة النّمطيّة، برز مشهدٌ آخر يُجسّد قِصص نساءٍ معنّفات، أبطاله تسعةُ رجالٍ استعانوا بأجسامهم ليُسلّطوا الضّوء على قضيّة العُنف الأسريّ الآخذة في التّوسّع يوماً بعد يوم. هؤلاء الرّجال قبلوا المهمّة: أن يلبسوا قضيّة المرأة المُعنّفة ويعرضوا معاناتها اليوميّة في أثناء عرض أزياءٍ ضمن فعاليّات الحدث الفنّيّ «What Happened to the Beirut Fashion Week Anyway?».فارتدوا الملابس النّسائيّة، وخرجوا إلى باحة مبنى الجميزة القديمة حيث احتشد الجمهور، بماكيّاجٍ ترجم كدماتٍ يوميّةً تتعرّض لها نساءٌ كثيراتٌ على امتداد العالم، نفّذته جوانّا قمر الحايك.

«الحسناء» التقت هؤلاء الرّجال وهنا حديث مع ثمانية منهم توجهنا إليهم بأسئلةٍ تمحورت حول الغاية من المشاركة، وكيف خدم كلٌّ منهم القضيّة التي شارك من أجلها، وماذا عن إحساسهم وهم مرتدون ملابسَ نسائيّة. والرجل التاسع هو الفنان بشارة عطالله صاحب الفكرة والتنفيذ والذي نشرنا مقابلة مصورة معه ومقابلة مكتوبة، ترونها كلها في ملف واحد بعنوان "حط حالك محلها". وهما اجابات الفنانين على النّحو الآتي:

المخرج سليم مراد:

نحن ندافع عن حريّة الفرد

لم أتردّد حين طلب منّي صديقي الممثّل ومنسّق الملابس بشارة عطالله المشاركة في عرض الأزياء الخاصّ بالحدث «What Happened to the Beirut Fashion Week Anyway?»، لأنّني أشعر بالمسؤوليّة تجاه هذه القضيّة المُتبنّاة، وهي قضيّةٌ إنسانيّةٌ حسّاسةٌ جدّاً تحتاج منّا جميعاً الإضاءة عليها وخدمتها، ولأنّ هذا المشروع هادفٌ وفكرته تدفع الجميع إلى التّساؤل عمّا كنّا سنفعله لو تعرّضنا للعُنف نفسه الذي تتعرّض له المرأة.إنّ ارتداء الملابس النّسائيّة لا يرتبط فقط بالعُنف الجسديّ الظّاهر وبما تُخفيه البيوت من أسرارٍ مؤلمة، بل يرتبط بما تحمله القضيّة من أبعادٍ تتمثّل في تلاقي الأضداد وجمع الجنسَين في صورةٍ واحدة. هذا المشهد يلتقي مع العُنف الدّاخليّ الرّوحانيّ ضدّ المكوّنات الدّاخليّة لدى كلّ فرد، وهو ما تسعى السّينما العالميّة إلى إظهاره كي لا ينحصر مشهد ارتداء الرّجل ملابسَ نسائيّةً في أدوار الكوميديا فقط. ولا شكّ في أنّ ذلك يخلق حالة وعيٍ عميقٍ لدى النّاس تجاه الفنّان الذي سيخرج حينها إلى العلن من دون تخوّفٍ من اتّهامه بالمثليّة الجنسيّة. شخصيّاً، لم أُفكّر في مثل هذه الأبعاد، لأنّنا بوساطة هذا العمل ندافع عن حريّة الفرد، ولقد اقتنعت أكثر بما قمت به عندما سمعت كلّ ردّة فعلٍ سلبيّةٍ تجاهنا، منها أحد الأصدقاء الذي حَذَفني من لائحة أصدقائه على الفيسبوك. لهذا الصّديق أقول: «إنّ قضيّة المثليّة الجنسيّة تأخذ أبعاداً أكثر من ارتداء ملابسَ نسائيّةٍ فقط».

الممثّل حسن ديب:

لن أتردّد في فعلها ثانية

هناك اعتباراتٌ عديدةٌ جعلتني أخوض تحدّي عرض الأزياء بملابسَ نسائيّة، أبرزها الخلفيّة الفنّيّة التي جمعتني ببشارة عطالله وحرصي على دعمه في عمله، بالإضافة إلى أهمّيّة المُشاركة في حدثٍ فنّيٍّ يهمّني كممثّل، وكون القضيّة التي ندعمها بواسطة هذا العرض هي من أبرز القضايا الإنسانيّة الرّاهنة. وصودف أنّ هذا المشروع أتى متزامناً مع عودتي أخيراً من الولايات المتّحدة الأميركيّة، حيث شاركت في برنامجٍ ورشة عملٍ يدوران حول كيفيّة الانخراط في خدمة القضايا الإنسانيّة بوساطة المجتمع المدنيّ «MEPI».
شعورٌ غريبٌ راودني الوهلة الأولى في أثناء مروري على منصّة العرض، لكنّني لم أستطع تفسيره. ونعم خفت من إطلاق الأحكام عليّ، إنّما رغبتي القويّة في خدمة هذه القضيّة جعلتني أتجاوز هذا الإحساس. فنحن أردنا من هذا العمل أن نكسر حاجز الذّكوريّة في المجتمع، وأن نضع جميعاً أنفسنا مكان هؤلاء النّساء المُعنّفات ولو ظاهريّاً، لعلّنا نستطيع تغيير وجهة نظرٍ واحدةٍ لدى العالم.
في ما يتعلّق بردود الفعل، فقد كان معظمها إيجابيّاً، إنّما لم يُلغِ ذلك حقيقة وجود التباسٍ ربطَ بين ارتدائنا الفساتين وعَرضنا لها على منصّة العرض، وميولنا الجنسيّة التي عدّها بعضهم أنّها مثليّة، عِلماً أنّني لم أبالِ أبداً لمثل هذه الاتّهامات. وأُشيرُ هنا، إلى أنّ تاريخ السّينما حَفِل بعددٍ كبيرٍ من الأدوار النّسائيّة التي أدّاها ممثّلون، لأنّ عمل المرأة آنذاك في مجال التّمثيل كان ضيّقاً لأسبابٍ اجتماعيّة. فلماذا لم يُنظر حينها إلى هذه الأدوار بسلبيّة؟!
ومع أنّني أعلم أنّ ما حصل لن يغيرّ الواقع فجأة، إلاّ أنّنا سنحاول دائماً إلقاء الضّوء على القضيّة، فالمسألة لن تتوقّف هنا، وأنا لن أتردّد في ارتداء الفستان مرّةً أخرى إذا كان ذلك سيخدم محاربة العُنف الأسريّ، على الرّغم من تخوّفي من ردود فعل المجتمع المُحيط بي وبخاصّةٍ الأهل.

الفنّان كريستوفر رزق الله:

علينا أن نحاول دائماً

العرض لم يكن جريئاً فقط، بل صوّب أسهمه في وجه موضوعٍ يصعب جدّاً على مجتمعنا العربيّ تقبّله، وهو أن يطلّ رجلٌ بزيّ امرأة، ولكنّ ذلك كان من أجل خدمة القضيّة فقط. طبعاً كان لديّ بعض المخاوف، لكنّها سرعان ما تُرجمت إلى مواقفَ جريئةٍ وإصرارٍ على متابعة العرض حتّى النّهاية، لأنّه لا يُمكننا جميعاً أن نقف صامتين أمام قضيّةٍ بهذه الأهميّة.
أقول إنّ التّغيير يبدأ دوماً بلفت انتباه المجتمع إلى أمرٍ شاذٍّ عن الطّبيعة بطريقةٍ أو بأخرى، ثمّ ندع المتلقّي أمام أسلوب تفكيرٍ إيجابيٍّ يتّجه نحو التّغيير من أجل مستقبلٍ أفضل. علينا أن نحاول دائماً، كلّ شخصٍ من موقعه، وألاّ نيأس لأنّ الأفضل آتٍ لا محالة.

منسّق الملابس وائل بطرس:

هل في ذلك انتقاصٌ لرجولتي؟!

هذا الموضوع ليس مألوفاً كثيراً في لبنان، وبذلك يكون العرض قد خدم القضيّة بإحداثه صدمةً إيجابيّةً عند الجمهور، من أجل التّنبيه إلى قضيّةٍ تطال بصمتٍ كلّ يومٍ امرأة. نأمل أن نكون قد أصبنا الهدف، أقلّه أن نُغيّر ذهنيّة رجلٍ واحدٍ يُعنّف زوجته. والحقيقة أنّني عشتُ الدّور جيّداً لأنّ القضيّة هدفي، وما ساعدني أكثر على تقمّص الشّخصيّة ارتداء الفستان ووضع الماكيّاج كما ترَين.

ألم تتردّد للحظة في ارتداء الفستان؟

لماذا أرفض؟ هل في ذلك انتقاصٌ لرجولتي؟! ردود الفعل كانت كلّها إيجابيّة، وقد أعيد تكرار التّجربة، من يعلم؟

الممثّل رامي سعيدي:

كنتُ مقتنعاً تماماً

لم يمضِ على ارتدائي زيّاً نسائيّاً أكثر من سنة، وذلك حين شاركت في عرضٍ مسرحيٍّ تطلّب منّي فعل ذلك. هنا لا يمكن التّحدّث سوى عن الهدف من الملابس النّسائيّة وليس عن الأزياء بحدّ ذاتها، وأعتقد أنّ إبراز المشهد بطريقةٍ عكسيّةٍ قد يخدم الهدف الذي أردنا أن نحقّقه، ولذلك كنتُ مقتنعاً تماماً بما فعلت. في لبنان يظنّ النّاس أنّ رؤية رجلٍ يرتدي زيّ امرأةٍ أمرٌ صادم، ولكنّني أقول إنّ أبرز الممثّلين الكوميديّين قد برعوا في الأدوار التي مثّلوا فيها شخصيّاتٍ نسائيّة، والأمثلة على ذلك كثيرة. لقد سعدت عندما ارتديت ملابسَ نسائيّة، وسأكرّر التّجربة حتماً، فالمسألة ليست في رجلٍ يرتدي زيّ امرأة، وإنّما في قضيّةٍ بحجم العُنف ضدّ المرأة.

معدّ البرامج إيلي بلان:

عبّرتُ عن سخطي

هذا العرض كان وسيلةً استخدمتُها للتّعبير عن سخطي على العُنف الموجّه ضدّ النّساء. لم أشعر للحظةٍ أنّ رجولتي مهدّدةٌ بسبب فستان، وبالمناسبة هذه ليست المرّة الأولى التي أرتدي فيها فستاناً.
أمّا كيف استطعت أن أخدم هذه المسألة، فيُمكن القول إنّنا ساهمنا على الأقل في زيادة الوعي لدى النّاس، فالجميع كان يتساءل لماذا ارتدينا الفساتين ووضعنا الماكيّاج؟ وعند كلّ إجابةٍ كانت أمامنا فرصةٌ للتّوعية أكثر وأكثر.

المصوّر عمر صفير:

أضعتُ هويّتي

كوني أعشق جمع المتاع القديمة، تخيّلت مدى أهميّة أن يضع بشارة عطالله بعد سنواتٍ طويلةٍ ما جمعه في هذا المعرض. إنّما لم أكن لأقبل ارتداء ملابس النّساء لو لم يكن الهدف عميقاً يُترجم بما يشبه ثورةً صغيرةً تلفت الأنظار إلى هذه القضيّة بطريقةٍ صادمةٍ بالنّسبة إلى كثيرين. لا أستطيع أن أضمن مدى التّغيير على هذا الصّعيد، ولكنّي أضمن شرف المحاولة، وأنّه باستطاعتنا جميعاً أن نوصل رسالةً وهذا واجبنا.
كان هناك ردود فعلٍ إيجابيّةٌ كثيرةٌ، لكن في المقابل الكثير من الانتقادات، وهذا أمرٌ طبيعيّ. للحقيقة، شعرتُ لوهلةٍ أنّني أضعت هويّتي الحقيقيّة وتقمّصتُ شخصيّةً أخرى، تُشبه كلّ السّيّدات المُعنّفات اللّواتي يُحاولن لملمة جراحهنّ على الرّغم من كلّ الألم الذي في دواخلهنّ.

المدير الفنّي داني صانع:

زوجتي أوّل مَن صفّق لي

أنا رجلٌ متزوّج، وزوجتي كانت أوّل مَن صفّق لي من بين الحاضرين. من الضّروريّ توعية النّاس دائماً، كي لا تُربّى أجيالٌ وتكبر وهي تعتقد أنّ العُنف ليس تصرّفاً خاطئاً. في رأيي عرض الأزياء الذي قدّمناه سيساهم في التّوعية ضدّ العُنف سواءٌ بحقّ النّساء أو الرّجال على حدٍّ سواء. أحببت ردود الفعل حول ارتدائنا الفساتين؛ والملابس ليست سوى قطعٍ من القماش، واستخدامها هو لتغطية أجسامنا فقط، لذلك لا مانع لديّ من إعادة التّجربة لإيصال رسالةٍ واضحةٍ وهادفة.

مقالات قد تثير اهتمامك