حتّى لا يخسر نبيذكم نكهته المميّزة...

لكـلّ نــوعٍ جُبنتـــه!

قبل آلاف السّنين كان النّبيذ الشّراب الذي يتباهى به الملوك أمام زوّارهم، وكان اختيارهم لنوع النّبيذ يدلُّ على أهمّيّة الضّيف ومدى ترحيبهم به. وفي الحضارات الأوروبيّة، دخلت الجبنة إلى النّبيذ كمقبّلات، وكانت تُقدّم أيضاً في الاجتماعات كي لا يشعر الزّوّار بالجوع. واستمرّ هذا الشّغف بالنّبيذ مع الجبنة إلى يومنا هذا، وبات تقليداً يُرافق سهراتنا لاسيّما الشّتويّة منها. لكن لكي تُصبح تلك التّجربة أثرى، لا بدّ من معرفة أيّ نبيذٍ يتناسب مع أيّ صنفٍ من الأجبان. 

قبل البدء بتصنيف النّبيذ والأجبان، لا بدّ من الاتّفاق على «ألف باء» النّبيذ والأجبان التي تساعد على التّمتّع بأفضل ما في النّبيذ وما في الأجبان على السّواء، فالجبنة الطّريّة المشبّعة بالدّهون تتناسب مع النّبيذ الخفيف، والنّبيذ الحلو المذاق يتناسب مع الجبنة التي تحتوي على نسبةٍ عاليةٍ من الملح، أمّا النّبيذ الأحمر فخياراته أقلّ بكثيرٍ من النّبيذ الأبيض، لاسيّما أنّ ثمّة أنواعاً من النّبيذ الأحمر يجب ألاّ تُشرب مع الجبنة أساساً. لكن ككلّ شيءٍ في الحياة، فإنّ للقواعد استثناءاتٍ يُحدّدها ذوق كلّ واحدٍ منّا.

النّبيذ الأحمر الجافّ

ما يجعل النّبيذ جافّاً مع تلك النّكهة التي تحتوي على نكهةٍ قريبةٍ للخشب المحروق، هي تلك المادّة التي تُعرف بالعفص (Tannins) والموجودة في بعض أنواع الفاكهة والنّباتات، وتزيد نسبتها في العنب بحسب طبيعة الأرض. ومن المعروف أنّ تلك المادّة تعلق في الدّهون والبروتينات، لذا يجب تفادي تلك الأنواع من النّبيذ مع مختلف أنواع الجبنة فهي تُصبح كالتّراب في الفم مع الجبنة القديمة والمعتّقة، وتُعطي نكهةً قريبةً إلى المعدن أو الصّدأ مع الأجبان الحديثة. لذا إذا أردتم تقديم النّبيذ الأحمر مع الجبنة، عليكم أن تبتعدوا عن هذا النّوع من النّبيذ كالـ Bordeaux وأن تتركوه للّحم الأحمر.

المالح يعشق الحلو

ثمّة الكثير من أنواع الجبنة التي يظنّ بعض النّاس أنّها لا تتناسب مع النّبيذ لاسيّما بسبب نكهتها المالحة، كالحلّوم والجبنة البلغاريّة أو حتّى الفيتا. لكنّ الخبر السّارّ أنّ هذه الأجبان ممتازةٌ مع النّبيذ الحلو الذي يُقدّم أحياناً كمقبّلات. فهذه التّوليفة من الحلو والمالح تُخفّف من حدّة النّبيذ ومن ملوحة الجبنة لتعطيَ نكهةً معتدلةً ساحرةً بمذاقها.
أمّا الأجبان الطّازجة كالرّيكوتا والبوراتا وجبنة الماعز والـ Brie والـ Camembert فهي تتلاءم مع Muscato، والشّمبانيا والـ Pinot Gris بالإضافة إلى النّبيذ الورديّ Rosé، وحتّى الـChardonnet غير المعتّق في البراميل والـ Sauvignon Blanc. فتركيبة هذه الأنواع من النّبيذ تقضي على الحموضة الخفيفة الموجودة في هذه الأجبان، وتتفاعل مع الدّهون المعتّقة لتعطيَ نكهةً قويّةً متناسقة. أمّا الأنواع الأثقل من النّبيذ فتطغى على نكهة الأجبان، وتقلّل من قيمة النّبيذ. لذا احرصوا على شراء هذه الأنواع مع النّبيذ الورديّ أو الأحمر غير المعتّق أو حتّى الشّمبانيا، واتركوا نبيذكم الثّقيل لأنواعٍ أخرى من الأجبان.

الخيار الأنسب للجبنة المبهّرة

أيضاً، إنّ الأجبان التي تشتهر باحتوائها على نسبةٍ كبيرةٍ من الكريمة، كجبنة الماعز والـ Brie فهي تتناسب أيضاً مع أنواع مثل Lambrusco وBeaujolais وCinsault للأحمر، وMuscat وPinot blanc وMuscadet وPinot gris للأبيض. وبالتّأكيد يمكن أن تتناسب مع أنواعٍ أخرى من النّبيذ التي تتميّز بنكهةٍ خاصّةٍ كالـ Chardonnay والـ Merlot. أمّا الأجبان المعتّقة والغنيّة بالنّكهة القويّة كالشّيدر المعتّق، فيجب أنْ تؤخد مع نبيذٍ ناشفٍ غنيٍّ بنكهات الفاكهة البرّيّة. ولعلّ نبيذ Cabernet sauvignon هو الأنسب لهذا الخيار، ويظهر الطّعم الغنيّ للجبنة من دون أن يخسر نكهته المميّزة.
وثمّة أجبانٌ تأتي مع مجموعةٍ من البهارات والنّكهات المضافة، كالثّوم أو البهار الأسود. هذه الأجبان يجب أن تؤخذ أيضاً مع نبيذٍ خفيفٍ أبيضَ أو الشّمبانيا لكي تبقى النّكهات المُضافة طاغية، لذا ننصح بـ Riesling أو أيّ نبيذٍ مصنوعٍ من خليطٍ خفيفٍ من العنب، ويمكن تمييزه بلونه الفاتح وكثافته الخفيفة.

الوصفة السّرّيّة!

أمّا الوصفة السّرّيّة التي تنجح دائماً، هي تنسيق النّبيذ والجبنة بحسب المصدر، أيْ النّبيذ الذي ينتج في قبرص مثلاً يتلاءم مع الجبنة القبرصيّة، والنّبيذ الإيطاليّ Chianti يتناسب كثيرا مع جبنة البارميزان، وجبنة ماشنغو الإسبانيّة تتناسب مع نبيذ Albarinio الإسبانيّ إلخ.

ميزة النّبيذ اللّبنانيّ

يتمتّع النّبيذ اللّبنانيّ بمواصفاتٍ تجعله من الأفضل لشربه مع الأجبان، مع الانتباه للقواعد التي ذكرناها. كذلك إنّ موقعنا جعلنا ننتج أنواعاً غنيّةً من الأجبان قد لا يعرف الكثيرون منّا قيمتها، لذا، إنّ تناول النّبيذ اللّبنانيّ مع بعض أنواع الأجبان المالحة أو الحلوة قد يقدّم تجربةً رائعةً ومزيجاً من النّكهات التي قد لا نجدها في النّبيذ والأجبان الغربيّة.

 

مقالات قد تثير اهتمامك