الصّين... عشقٌ من اللّحظة الأولى

مزيجٌ يجمع بين الحضارتَين الغربيّة والشّرقيّة: التّقليد والحداثة. هذا الخليط المُذهل يجعل الصّين بلداً لا بدّ من زيارته. وصحيحٌ أنّ الصّين بلادٌ شاسعةٌ بك حاجة إلى وقتٍ طويلٍ لاستكشافها، لكن إن تجوّلت فيها، فلن ترغب في زيارة أيّ بلدٍ آخر، لأنّك ستعشق هذا البلد من اللّحظة الأولى.

هذه المرّة، سنقصد شانغهاي وبعض المدن المحيطة بها. تتميّز مدينة شنغهاي بغناها، فهي المدينة الثّامنة بعد أكبر مدينةٍ في العالم والأكبر في الصّين. إنّها إحدى الوجهات السّياحيّة الأكثر شعبيّةً وروعةً في العالم. فهي مدينة التّناقضات إذ تجمع الطّابع العصريّ والحديث بناطحات السّحاب المُذهلة التي تقع إلى جانب البيوت التّقليديّة.

تقع في شنغهاي إحدى أكبر ناطحات السّحاب: المركز الماليّ العالميّ، حيث يمكن الوصول إلى الطّابق 101 بوساطة مصعدٍ ذي سرعةٍ فائقة. نصيحة: لا تحاول أن تنظر إلى الأسفل. وكدليلٍ على الرّيادة التّكنولوجيّة، فإنّ مدينة شانغهاي هي المدينة الوحيدة في العالم التي تملك قطار ماجليف المغناطيسيّ الذي يمكنه بلوغ سرعة 413 كلم في السّاعة.

نهر هوانغپو...الحداثة والتّقليد

يمرّ في وسط المدينة نهر هوانغپو Huangpu. وعلى الرّغم من أن الطّابع الغربيّ يطغى طغياناً متزايداً على شنغهاي، إلاّ أنّ هذه المدينة حافظت على روحها التّقليديّة التي أصبحت وجهةً مقصودة، فهي ملتقى حضاراتٍ حوّلتها إلى وجهةٍ عالميّةٍ ومنفتحةٍ تقدّم الكثير لزوّارها. إنّها مدينةٌ مشهورةٌ بنشاطاتها التّجاريّة، حيث يسحر التّسوق الزّوّار فلا يشعرون سوى برغبةٍ في التّبضّع كما يحصل على سبيل المثال في مدينة يويوان التّجاريّة. هذا الجزء مؤلّفٌ من حدائق يويوان الشّهيرة، «مملكة المشتريات الصّغيرة للاستخدام اليوميّ» و«مملكة الحلويات». ولا بدّ من القيام برحلةٍ في نهر هوانغپو، النّهر الرّئيسيّ في شنغهاي، حيث يمكنك أن تشاهد على إحدى ضفافه المدينة القديمة وعلى الضّفة الأخرى المدينة الحديثة (البوند) حيث تقع محطّة Pearl TV. يتميّز البوند بمزيجٍ رائعٍ يجمع بين القديم والحديث. فالمباني متناغمةٌ من حيث الّلون والنّمط ويُطلق عليها اسم معرض العمارة العالميّ. يُكرّم السّكّان المحليّون هذا النّهر، وسوف تفهم السّبب حين ترى المشهد وأنت على متن القارب.

سوتشو على لائحة التّراث العالميّ

نتابع مع سوتشو Suzhou  المُحاطة بجدارٍ على غرار العديد من المدن الصّينيّة. فالمدينة كانت تعتمد أساساً على النّقل والتّجارة بوساطة شبكةٍ من القنوات. ونتيجة ذلك أنشأت سوتشو نظام البوّابات على المياه التي تبدو كأنّها قلاعٌ مفتوحةٌ لحركة المرور البحريّة والبرّيّة، وهي لا تزال محفوظةً حتّى اليوم.

حول هذه القنوات يُمكن مُشاهدة عددٍ من الجسور، والجدران البيضاء، والآثار الثّقافيّة، والحدائق الكلاسيكيّة. حاليّاً، إنّ العديد من المعالم الأثريّة هي تحت حماية الحكومة أو البلديّة. وقد وُضعت تسعةٌ منها على لائحة التّراث العالميّ.

من أهمّ المعالم السّياحيّة التي يجدر بك زيارتها نذكر: معبد هانشان البوذيّ وهو ليس معبداً فقط إنّما بات مكاناً ساحراً يتميّز بثقافةٍ عميقة، ويعود تاريخ بنائه إلى 1500سنةٍ مضت. يقصده العديد من الشّعراء والفنّانين ليستمدّوا الإلهام من سحره. فضلاً عن ذلك، تشتهر هناك أجراس المعبد المُسمّاة «صوت بوذا»، وبحسب السّكّان المحلّيّين فهي تهدّئ النّفوس المضطربة وتعزّز الذّكاء. وبحسب العادات والتّقاليد، تُقرع الأجراس 108 مرّاتٍ عشيّة 31 كانون الأوّل من كلّ عام.

أحداثٌ فنّيّةٌ لا تفوّت

أمّا حديقة وانغشيان Wang shi yan فتعدّ واحدةً من الحدائق الأكثر شهرةً في سوتشو، والوحيدة التي تنظّم أنشطةً في المساء. عند حلول المساء تُضاء الحديقة بأكملها بالفوانيس وتشهد العديد من الأحداث الفنّيّة كالأوبرا الصّينيّة، والرّقص الكلاسيكيّ والحفلات التي تتميّز بالآلات الموسيقيّة الصّينيّة النّموذجيّة. يُمكن أن يجلس الزّوّار في أيّ مكانٍ في الحديقة أو أن يتنزّهوا في أرجائها للتّمتّع بالعروض الأخرى. لا بدّ من زيارة هذه الحديقة ليلاً نظراً إلى الأجواء الفريدة من نوعها. وأثناء وجودك في سوتشو لا تفوّت عرض «Dreaming Suzhou» الذي يشمل عروضاً بهلوانيّة، وراقصين، ومغنّين. ويشتهر هذا العرض بالأداء الممتاز، والتّصميم الجميل المرفق بتأثيراتٍ سمعيّةٍ وبصريّةٍ ذات معاييرَ دوليّة.

وتُعدّ «هضبة النّمر» (Tiger Hill) من أكثر المناطق التي تستقطب الزّوّار في سوتشو نظراً إلى غناها التّاريخيّ والثّقافيّ، وآثارها القديمة التي تعود إلى عدّة قرونٍ خَلَت. إنّه منتزّهٌ جميلٌ حيث يقدّم العديد من الفنّانين عروضاً في الهواء الطّلق. وسُمّيت هذه الهضبة، هضبة النّمر لأنّه بحسب الأسطورة بعد أن دُفن أحد الأباطرة في أعالي هذه الهضبة، جلس نمرٌ بجانب قبره ليحرسه. ومنذ ذاك الوقت وهذه الهضبة تُعرف بهضبة النّمر.

هانغتشو جنّة الصّين

تُعدّ هانغتشو Hangzhou  منذ مدّةٍ طويلةٍ جنّة الصّين، فهي تشتهر بقنواتها، وتلالها الخضراء، ورائحة مزارع الشّاي فيها ومعابدها الرّائعة، وأجنحتها السّاحرة، وجمال بحيرتها المُذهلة. كتب ماركو بولو في مذكّراته، بعد زيارة هذه المنطقة، «في السّماء الجنّة وعلى الأرض هانغتشو». بُجّلت هذه المدينة قروناً عدّةً ممّا أدى إلى إرثٍ من الأساطير والقصائد واللّوحات التي تمدح جمالها. فلطالما كانت الوجهة المفضّلة للنّخبة الصينيّة.

وتعدّ منطقة شانغ تشنغ الوجهة الأفضل لاختبار الحياة القديمة في أجواءٍ عالميّة. تحلو الحياة الحضريّة في المدينة  الإمبراطوريّة السّابقة التي تقع وسط هانغتشو على ضفاف البحيرة الغربيّة، فلقد كانت منذ العصور القديمة ملتقى المنتجات النّادرة والتّجّار من كلّ مكان. فإذا كنت ممّن يستيقظون باكراً، انضمّ إلى اسّكّان المحليّين الذين يمارسون التّمارين الرّياضيّة في ساحة وهان Wuhan. استمتع بالهواء النّقيّ وتنزّه في شارع تشينغ فانغ للاستمتاع باحتفالات الشّاي ومعرفة العادات والتّقاليد السّائدة في المدينة.

الثّقافــة الصّينيّـــة بيـن يديـك

إنّ أفضل ما يمكن أن تقدّمه مدينة هانغتشو هو تعرّف مختلف جوانب الثّقافة الصّينيّة، إذ يمكنك اختبارها بنفسك. استمتع بقطاف أوراق الشّاي بنفسك والمشاركة في حفل الشّاي التّقليديّ كما جرت العادة في الأيّام الماضية. ويُمكنك أيضاً تعرّف التّاريخ العريق بزيارة أكبر مصنعٍ ومتحفٍ للحرير في العالم حيث يمكنك شراء أغطيةٍ ولحفٍ حريريّةٍ فريدةٍ من نوعها.

أمّا إن كنت تبحث عن الاسترخاء فما عليك سوى تجربة الوخز بالإبر في إحدى العيادات السّريريّة التّقليديّة. 

ولا تفوّت طبعاً النّزهة البحريّة على القناة الكبرى ليلاً، حيث يتلألأ النّهر تحت أنوار الفوانيس المُذهلة فيستمتع زوّاره بأجوائه الرّائعة والرّومانسيّة.

يعيش السّكان على ضفاف القناة وهم لا يزالون يحافظون على أساليب العيش التّقليديّة. وإلى جانب القوارب، يمكنك الاستمتاع بالقصص القديمة وسماع أجراس المعابد وهي تُقرع

مقالات قد تثير اهتمامك