تدوين المشاعر يبلور الذكاء العاطفي

عرضنا في الأسبوع الماضي أشكال التعلّق بالشريك وتأثيرها على السّعادة بينكما. اليوم وبعد أن تعرّف الشّخص على نمط التّعلّق لديه، ثمّة السّؤال يطرح نفسه:

هل نحن محكومون مدى الحياة بأن نكون أسرى هذا النّمط؟ أم أنّ هنالك أملاً بإمكان تعديل هذا النّمط، وكيف؟

في الواقع، بيّنت الدّراسات والعلاجات النّفسيّة أنّه عندما يُدرك الشّخص بأنّ لديه نمطاً معيّناً من التّعلّق ويَعتَرف به في الوقت نفسه، وأنّ هذا النّمط لديه انعكاساتٌ إيجابيّةٌ وسلبيّةٌ في العلاقة مع الشّريك، فإنّ هذا مؤشّرٌ إيجابيٌّ على أنّ هذا الشّخص لم يعد خاضعاً لهذا النّمط خضوعاً أعمى، وأنّه حتّى لو لم يكن مذنباً في ولادة هذا النّمط في طفولته نتيجة شعورٍ بعدم الأمان والحرمان العاطفيّ، فقد أصبح في إمكانه اليوم أن يكون مسؤولاً عن حياته  وعن الأوضاع المؤلمة التي يعيشها أو التي يُمكن أن يُسبّبها للآخر، وعلى هذا يُمكنه أخذ القرار بتغيير واقعه، وتعديل هذا النّمط وتعزيز شبكة الأمان لديه.

اختبر نفسك...إلى أيّ نمطٍ أنت تنتمي؟

إنّ إدراك نمط التّعلّق هو الحجر الأساس لبداية التّغيير. ومن الأساليب التي تُساعد على هذا الإدراك، المُراقبة الذاتيّة، فيُمكن مثلاً، مدّة أسبوع، أن يدوّن الشّخص المشاعر والأفكار التي تنتابه عندما لا يكون وحده، أيْ برفقة الآخرين، وبخاصّةٍ الشّريك، في مواقفَ عدّةٍ في اليوم. ومن الأسئلة التي يُمكن أن تُساعد على اكتشاف نوع النّمط: 

- إذا كنتُ أرتاح، عموماً، في قُربي من الآخر أو أفضّل دائماً أن أحافظ على مسافةٍ منه، أو أشعر بأنّني بحاجةٍ دائمةٍ إلى الاقتراب منه أكثر.

-هل فكرة الاتّكال على الآخرين أو عدمها تُزعجني أم تُريحني؟

-هل ارتاح عند التّعبير عن مشاعري أم احتفظ بها في أكثر الأوقات، أم هل عندي حاجةُ ماسّةٌ إلى التّعبير الدّائم عنها؟

إنّ تدوين المشاعر والإصغاء إليها تُساعد على بلورة الذّكاء العاطفيّ وتوظيفه إيجابيّاً في العلاقة، وصولاً إلى عدم وضع الذّات في موقع الضّحيّة التي تبحث دائماً عن إلقاء الملامة على الآخر.

أيضاً، يُمكن أن أسأل المحيط، وبخاصّةٍ الشّريك، كيف ينظرون إلى تصرّفاتي وردّات فعلي في مواقفَ عدّة، فهذه الأساليب تجعلني أعي إنْ كنتُ أميل أكثر إلى النّوع الواثق، حيث في هذه الحالة تُطلب المحافظة على هذا النّمط وتعزيزه، أو أميل أكثر إلى النّوع القلق أو المتجنّب أو الخائف، وهنا من المُستحسن وضع خطّةٍ لتغيير هذا النّمط لينعكس إيجابيّاً على الذّات والآخر.

طبعاً، في بعض الحالات من الأفضل استشارة معالجٍ نفسيّ، لكي يُساعد الشّخص أو الشّريكَيْن على إدراك أنماط التّعلّق لديهم، ومدى تأثيرها السّلبيّ في العلاقة، وكيفيّة اعتماد استراتيجيّةٍ تُخرجهم من السّيناريوهات العلائقيّة المُدمّرة للعلاقة، والتّحرّر من أثقال الماضي، وتعزيز شبكة الأمان والحماية لديهم.

يجب التّعامل بوجهٍ عامٍّ مع هذا الوصف للفئات الأربع، ولكن لا يعني بالضّرورة أنّ كلّ فئةٍ يجب أن تكون لديها الصّفات التّفصيليّة الكاملة لكي تكون تحت هذه الفئة أو تلك.

إنّ ما يُسهّل عمليّة تغيير النّمط هو عندما يكون لدى أحد الطّرفَيْن نمط التّعلّق الواثق، ففي هذه الحالة يُمكن أن يُساعد الشّريك على تعزيز شبكة الأمان لديه باستيعاب ردّة فعله وتشجيعه الإيجابيّ، والرّدّ على حاجاته كما يجب، ولكن في جميع الأحوال لا يستطيع القيام بالمهمّة عنه أو فرض التّغيير عليه.

مقالات قد تثير اهتمامك