الحميميّة في العلاقة تبدأ مع الذّات

من دون أدنى شكّ، يُعدّ الوصول إلى الحميميّة والتّعبير عنها والمحافظة عليها بين الشّريكيْن، من أهمّ مقوّمات العلاقة النّاجحة والسّعيدة في الزّواج.

الحميميّة لا تُختزل بالعلاقة الجنسيّة على أهميّتها، بل تتعدّاها لتكون هذه المساحة التي يشعر فيها الشّريك أنّه محبوبٌ من الشّريك، ومرغوبٌ فيه ومقبولٌ به كما هو، وأنّه قادرٌ على التّعبير بحريّةٍ عن رغباته، وحاجاته، وهواجسه، ومخاوفه، وأحلامه، وخبراته أمام الآخر من دون أن يُحكَم عليه أو يُستخفّ به.

لكنْ كيف يُمكن لهذه الحميميّة ألاّ تؤدّي إلى خنق الآخر، وتملّكه والذّوبان فيه كما يشتكي الكثير من الشّركاء؟ وما هي المداميك الصّحيّة التي تجعل من عيش الحميميّة في العلاقة مبعثاً للسّعادة والانسجام؟

إنّ بناء علاقةٍ ناجحةٍ على المدى الطّويل، يتطلّب بلورة التّوازن بين الحميميّة الشّخصيّة والحميميّة المُشتركة بين الشّريكَيْن، وذلك على مستوياتٍ عدّةٍ أهمّها: على مستوى الأمكنة، وعلى مستوى المشاركة في الخبرات الشّخصيّة، وعلى مستوى الوقت، وعلى مستوى الجسد.

خصوصيّة الأمكنة

إنّ العيش في المنزل والاستخدام المُشترك للأغراض والقاعات والغُرف، لا ينفي الحاجة إلى مساحةٍ خاصّةٍ للشّخص لا يستعملها أحدٌ غيره، بحيث تحفظ خصوصيّته وحاجته للاختلاء بذاته. وهي قد تكون غرفة، أو مكتباً، أو من الممكن أن تكون خزانةً أو درجاً شخصيّاً إذا كان البيت صغيراً. هذه المساحة يجب أن تُحترم وألاّ يدخل إليها الشّريك أو الأولاد من دون استئذان. فالخصوصيّة المكانيّة توجب أيضاً قرع الباب من الجميع عند الدّخول إلى غُرف الأولاد أو الأهل، بخاصّةٍ عند ارتداء الملابس أو العناية بالجسم في الحمّام، أو إلى أيّ مكانٍ أخر.

أن يُقرّر ما يريد أن يُشَارَك به

الحميميّة تعني أيضاً الانفتاح أمام الشّريك على المُشاركة في خبرات الماضي والحاضر وأسرارهما، المؤلِمة والمُفرحة منها، وأن يكون الشّريك مُؤتَمناً على المحافظة عليها، فلا يُفصح عنها للآخرين أو يستعملها ضدّ الشّخص كسلاحٍ من أجل إضعافه أو إذلاله، لأنّ ذلك سوف يُفقد الثّقة بين الطّرفَيْن ويُسبّب جرحاً في العلاقة. هذه المشاركة لا تعني أنّ الشّخص يجب أن يكون كتاباً مفتوحاً أمام الآخر أيْ أنْ يقول كلّ شيء، بل له الحقّ بأن يمتلك "حديقته" الدّاخليّة الشّخصيّة وأن يُقرّر ما يريد أن يُشَارَك به من دون إكراهٍ أو ضغطٍ أو الشّعور أنّ الآخر يسعى إلى السّيطرة عليه. إنّ الإصغاء إلى الآخر يتطلّب تمرّساً طويلاً وقدرةً على إظهار الاحترام والتّقدير أمام اللّحظات الحرِجة أو القاسية التي مرّ أو يمرّ بها الشّريك.

احترام الوقت الشّخصيّ للشّريك

إنّ إيجاد أوقاتٍ خاصّةٍ دوريّاً للشّريكَيْن بعيداً عن العمل، والأولاد، والأهل هو ضروريٌّ من أجل قضاء أوقاتٍ حميمةٍ ورومانسيّةٍ معاً، وهذه أولويّةٌ يجب أن يُحافَظ عليها من دون إهمالٍ كي تبقى العلاقة مساحةً لعيش الفرح واللّذة معاً. في الوقت نفسه، إنّ الحاجة إلى إيجاد مساحةٍ شخصيّةٍ من الوقت هي أيضاً ضروريّةٌ ويجب أن تُحترم كي يشعر الشّخص أنّ له الحقّ بتمضية وقتٍ مع ذاته يُمكن أنْ يستثمره كما يريد وبالنّشاط المناسب له داخل المنزل (القراءة، أو مشاهدة برنامجٍ معيّنٍ، أو استعمال الحاسوب...) وخارجه (الخروج مع أصدقاء، أو ممارسة الرّياضة، أو هواية معيّنة...). إنّ احترام الوقت الشّخصيّ للشّريك وعدم فرض الحاجات والرّغبات عليه باستمرارٍ أو الاتّكال المستمرّ عليه كأنّ لا وجود له خارج العلاقة، يُساعد على قضاء نوعيّة وقتٍ ممتعةٍ معه.

اللّغة الجسديّة تُعزّز الحميميّة

إنّ العلاقة الجنسيّة هي المساحة التي تُترجَم فيها الحميميّة ترجمةً خاصّةً وفريدةً. وللوصول إلى أن تتحوّل اللّغة الجسديّة إلى معزوفةٍ مشتركةٍ مُرضيةٍ وممتعةٍ للشّريكَيْن، لا بدّ من أخذ الوقت للتّعرّف إلى خريطة جسد الآخر، ومشاعره، وأفكاره، وهواجسه على هذا المستوى. لا بدّ من الانتباه، والإصغاء، والتّجاوب الحرّ مع رغبات الأخر من دون الشّعور بأنّ جسدي أصبح ملكاً للآخر لا سلطة لي عليه، ويُمكن أن يستعمله الشّريك كما يحلو له. من الضّروريّ معرفة أن التّعبير الجسديّ لا يقتصر فقط على العلاقة الجنسيّة الكاملة، بل إنّ إظهار الحنان والمودّة في الكلام، والنّظر واللّمسات العفويّة من دون أن يكون القصد منها إقامة علاقةٍ جنسيّة،  تُعزّز الحميميّة وتحافظ على الرّصيد العاطفيّ في العلاقة.  

إنّ الإخلاص للحميميّة الخاصّة وعدم الذّوبان في الآخر، وفي الوقت نفسه احترام الحميميّة المُشتركة  بين الشّريكَيْن وتعزيزها تجعل من العلاقة مساحةً لتحقيق الذّات والنّموّ والفرح على حدٍّ سواء.

مقالات قد تثير اهتمامك