كارمن دبانة عرّابة تذليل صعوبات التعلّم المحدّدة

 قصة نجاح مختلفة، بطلتها سيدة لبنانية، استطاعت أن تكسر حاجزاً من الصمت القابع خلف الابواب المقفلة، لتنطلق نحو مستقبل مضيء، عنوانه مساعدة الاطفال ذوي الصعوبات التعليمية المحددة. هي كارمن شاهين دبانه، مؤسسة ورئيسة المركز اللبناني للتعليم المتخصّص "CLES"، التي تستحق وبجدارة لقب رائدة، لكونها من الاوائل الذين أنشأؤا مراكز خاصة بهدف تخطي صعوبات التعلّم المحددة (Dysabilities) منذ ستة عشرة عاماً. وما المؤتمر السنوي الاول من نوعه الذي أطلقته السبت في بيروت في رعاية لمى تمام سلام، إلا تأكيد على ترسيخ البدايات الناجحة لمشوار أطول من العمل في مجال الخدمة الاجتماعية والتربوية. كان لموقع "الحسناء"، مقابلة خاصة مع السيدة دبانة، تحدثت خلالها عن المؤتمر، اضافة الى عرض مختصر عن المراكز الست التابعة للجمعية، مع الاشارة الى الاهداف، والصعوبات التي تواجه عملها.

ما الهدف من إقامة المؤتمر السنوي الاول المختص في معالجة الاطفال الذين يعانون من صعوبات تعليمية محددة، وكيف سيقارب الباحثون المشكلة من النواحي الاجتماعية والتربوية والعلاجية؟

.شعار المؤتمر "ليش أنا DYS لان"، لانّه سيكون مخصصاً للاولاد الذين يعانون صعوبات تعلّم محددة، أي عسر القراءة والكتابة، صعوبة كتابة الحرف، صعوبة في الحساب، صعوبة النطق، صعوبة الحركة، اضافة الى الافراط في النشاط. وإذ نجد، أن مؤتمرات عدّة تُقام لها علاقة بذوي الاحتياجات الخاصة، الاّ انّ قليلاً منها ما يتعلّق بالاطفال الذين يعانون صعوبات خاصة، دون ايلائهم الاهمية المطلوبة. من خلال المؤتمر سنحاول البحث في كيفية تشخيص الحالات الخاصة، ومعرفة الصعوبات المتعلقة بها من اجل ايجاد العلاجات المناسبة. ولاول مرة سيتم تسليط الضوء على الاكتشافات الطبية الجديدة في حقل الدماغ، التي تتعلق بالتأثير على دماغ الطفل والعلاج، ولهذه الغاية سنشتارك البحث مع اختصاصيين وباحثين عالميين.

هذا ما يتعلق بالشق العلمي، فكيف سيتحول المؤتمر الى التباحث في الشقين التربوي والعلاجي؟.

سيكون ذلك من خلال العمل والتواصل مع المدارس اولاً، بحيث سنعرّف المدرسين والمدرسات على كيفية اكتشاف ذوي الصعوبات التعليمية في المراحل الابتدائية. وللغاية استقدمنا اهم التربويين من كندا وبلجيكا، وطبعاً من لبنان. امّا فيما يتعلق بالشق العلاجي، فستكون هناك جلسات متخصصة في هذا المجال، مع اخصائيين في علم النفس، يقدمون خبراتهم وتجاربهم من اجل استكمال المراحل التطبيقية في المرحلة التي تلي المؤتمر. كما سنتعرف خلال المؤتمر على نموذج عن احد صفوف الدعم التي استحدثناها في المدارس الرسمية.

ما الهدف الابرز الذي يمكن الخلاصة اليه من خلال المؤتمر؟.

بدأنا العمل في الجمعية منذ 16 عاما وكنّا من الاوائل الذين عملوا في هذا الحقل. واليوم سنكون امام فرصة حقيقية لترسيخ عمل فرق متخصصة في تشخيص الحالات الخاصة على مستوى النطق والحركة والتعلّم، وسنجمع خبرات من مناطق كثيرة حول العالم، سنعمل على تطبيقها في لبنان من خلال المراكز المنتشرة في مناطق عدّة.

وصل عدد هذه المراكز الى الستة، فهل يمكن احصاء عدد الاطفال الذين استفادوا من خدماتها، وأي نتائج ايجابية يمكن تسليط الضوء عليها؟.

تم إفتتاح المركز الاخير في منطقة زوق مكايل، ومعه يصل العدد الى ستة. ونحن في صدد العمل عل افتتاح مركز سابع في منطقة الشوف. واليوم، 500 طفل أصبحوا مستفيدين من المراكز العلاجية، اضافة الى الاهالي، الذين لا تستثنيهم العلاجات. ويمكن القول اننا نعمل على اصداء احصاءات دقيقة حول الارقام والنتائج، ولكن استطيع التأكيد على انّ أكثر من 90% من الاطفال الذين استفادوا من مساعدة المراكز نجحوا في تخطي حاجز التسرب المدرسي او الفشل كنتيجة لتلك الصعوبات. ومعظمهم ممن التحق في مراحل لاحقة بالجامعة او تحولوا الى سوق العمل.

 لا يمكن الحديث عن مركز "CLES"، دون التطرق الى تجربة شخصية صقلت هذه الرغبة في الاستمرارية في العمل، والمناقبية على التطور في هذا المجال لتقديم المساعدات الاجتماعية والتربوية، حدثينا عنها؟.

يمكن التطرق بشكل عام الى تجربتي الشخصية مع ابني الذي عانى من صعوبات تعليمية خاصة، من أجل تعميم الفائدة. ومن هذا المنطلق أشدد القول على التأخر في تشخيص الحالة او تجاهلها سيؤدي الى زيادة المشاكل النفسية على الطفل، وأبرزها تدهور ثقته بنفسه والانزواء بعيداً عن الناس. وإنطلاقاً من تجربتي أقول، لقد كنت سابقا أعيش في غابة سوداء، لا نور أمامي، وكلمّا مشيت تعلّمت الكثير، وبدأ النور بالاتضاح الى حين الوصول الى اخر الغابة المعتمة حيث الضوء كان بانتظاري. لقد كنت في بلجيكا عندما اكتشفت انّ ابني يعاني من صعوبات تعليمية خاصة، ومع كل زيارة لي الى لبنان، كنت أتسائل ماذا لو كنت في لبنان، كيف كان ليتسنى لي متابعته في ظل غياب اي مدرسة او مركز مختصة بذوي الصعوبات التعليمية. من هنا انطلقت الفكرة، وقمت بدارسة المشروع على مدى عام كامل بالتعاون مع الدولة البلجيكية ووزارتي التربية والشؤون الاجتماعية في لبنان، إلى ان افتتحنا اول مركز لنا منذ 16 عاماً.

ولكن مشروع كهذا يحتاج الى دعم مالي كبير جداً، كيف عملتي على تأمين ذلك؟.

يمكن باختصار القول انني جعلت كل اصدقائي يشاركون في المساعدة المالية والمعنوية من لبنان ومونكو وبلجيكا وبروكسيل. ومن جهة اخرى حصلنا على مساعدة مالية بسيطة من الدولة البلجيكية، كما ساهموا معنا في اليونيسيف بتجهيز مركزين في صيدا وطرابلس، امّا باقي التمويل فكان شخصياً من خلالي انا وزوجي.

ما هي الخدمات التي تقدمونها في المراكز؟.

نحن في صدد تقديم مشاريع تدريب ومحاضرات بشكل دائم. وتقوم مراكزنا بتقديم الخدمات العلاجية والتربوية للاطفال الذين يعانون من صعوبات تعليمية بشكل مجاني. كما نتواصل مع المدارس والمرشدات الاجتماعيات المودودات في مديرية الارشاد والتوجيه، وأكثر من مرة افتتحنا دورات تدريبية خاصة لهم في بلجيكا.

 وماذا عن فكرة دمج الصفوف الخاصة للصعوبات التعليمية في المدارس الرسمية؟.

الفكرة جلبتها معي من بلجيكا، وطبعاً سعيت الى تنفيذها بالامكانات المتوفرة في لبنان. وتختص هذه الصفوف بالعمل على منع تطور الصعوبة كي لا تصبح عاملاً يؤدي الى التسرب المدرسي. واليوم، يوجد في لبنان 58 مدرسة لديها صف يختص بهؤلاء الطلاب للدعم في مواد اللغات والرياضيات. كان هذا بالتعاون حتماً مع وزارة التربية، وهدفنا أن نصل الى 200 مدرسة على امتداد كل لبنان. وأؤكد انّ العمل اليوم يُختصر في المدارس الرسمية التي تمثل كل لبنان، وهذا ما نطمح الى التوصل اليه.

ما هي أكثر الصعوبات التي تواجهينها في العمل؟.

لعلّ الصعوبة الابرز تتمثل في استمرار العمل مع العائلة، حيث أُسر كثيرة لديها أسباب مختلفة تحول معها دون استكمال العلاجات لظروف خاصة، ليست مادية في أغلب الاحيان، لانّ مراكزنا لا تتقاضى اتعاباً بل هي مجانية. امّا الصعوبة الثانية فتنجلي في الامتداد الجغرافي لعملنا، فأنا أسعى الى أن تصل مراكزنا الى المناطق البعيدة النائية، وهذا ما سيكون مسجلاً ضمن الاولوليات التي يجب العمل عليها.

هل أنتِ راضية عما تقومين به؟.

طبعاً، أشعر بأنني أساعد الاطفال، وهذا ما يعطيني رغبة اضافية في متابعة العمل.

إلى أين تصل حدود طموحكِ؟.

كل طفل هو أولويات بالنسبة الينا، أينما كان في لبنان، ويجب أن يلقى الاهتمام المطلوب، بحيث نساعده لكي يتمكن من اعطاء وتحقيق ما هو قادر على تحقيقه وليس أكثر، وذلك طبعاً حسب امكاناته.

أنتِ من الرائدات اللواتي تمكنّ من لعب دور ايجابي على الصعيد التربوي والاجتماعي، ولكِ في سجلات النجاح ملفاً خاصاً. كيف تلخصين تجربتكِ؟.

قصتي تتلخص بكونها مدرسة تعلّمت منها، وتتمحور حول هؤلاء الاطفال الذين يجب ان يجدوا من يمدّ لهم يد العون. فلنساعدهم جميعاً ولتكن الام والاب جنباً الى جنب في مواجهة المشكلة. واليوم، انا فخورة بما وصلت اليه، ولم اكن اعلم انني سأصل الى هنا. ولا يسعني سوى أن أشكر زوجي الذي قدّم لي الدعم المالي والمعنوي في كل هذه المسيرة.

 

 

 

 

 

مقالات قد تثير اهتمامك