باتريسيا الياس سميدا: نعم لوزارة حقوق المرأة في لبنان

باتريسيا الياس سميدا محامية وناشطة حقوقية ترشحت مستقلة للنيابة في فرنسا العام 2012 كممثلة للفرنسيين في أفريقيا والشرق الأوسط. ثم أسست جمعية «غداً لبنان» (2013) لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والطفل. وفي لقاء مع لـ «الحسناء» تقول «أنا سياسية وناشطة في مجال حقوق الإنسان. ومن السهل جمعهما باعتبار السياسة تعريفاً هي «الخدمة العامة» وليست تعالياً عن الناس»

أمضت سميدا طفولتها خلال الحرب في لبنان. وتعتبرها طفولة عادية، جيدة، رغم القصف: «كنا نقصد المدرسة ثم الجامعة للدراسة. وبين جولة قصف وأخرى كنا نتوجه لتقديم الإمتحان دون أن يجرؤ أحد على الشكوى أنه لم يدرس بسبب المعارك والدمار. وهذا منحنا كأفراد ومجتمع لبنان قوة ومقدرة على مواجهة شتى الأقدار».

التحكيم الدولي

درست المحاماة في الجامعة اليسوعية لتكمل تخصصها في السوربون في فرنسا وتنال ماجستيراً في القانون الدولي الخاص وآخر في القانونين الإنكليزي والأمريكي للأعمال. وتمارس اليوم المحاماة عبر مكتبها في جونية بعدما عملت في باريس في مجال التحكيم الدولي عبر نظام التحكيم الأوروبي العربي.

أفريقيا والإختلاف

نظمت سميدا مؤتمراً حول التحكيم الدولي في الأردن قبل أن تنتقل مع زوجها المحامي الفرنسي إلى الكاميرون في أفريقيا حيث موّلا جناحاً جديداً أو مبنى لأحد المياتم يتسع لنحو مئة طفل يدرسون ويتعلمون مهنة. وتقول أن 90 في المئة من اليتامى فتيات لأن كثيرين يتخلوا عن أطفالهم الإناث ويحتفظون بالذكور. وتشرح أنها خلال حملتها كمرشحة للبرلمان الفرنسي العام 2012 عادت لتزور الميتم وتكتشف أنه قد أضيف إليه مساحات تحضن المزيد من الأولاد.

وتتوسع متحدثة عن اختلاف ثقافي إجتماعي يجعل من السهل لدى بعض الأثنيات من الكاميرون أن يهب الوالدان طفلاً إلى أحد الأقرباء ممن لم يرزق بأولاد.

أسألها: هل سهولة العلاقات الجنسية هناك حيث لا تُفهم المسيحية ولا الإسلام كما يُفهما في مناطق أخرى إضافة إلى حضور الديانات الأفريقية الخاصة، وراء سهولة الإنجاب وكثرته، تقول: «نعم، فالزواج ليس ضرورياً للإنجاب والأولاد لا يُعتبرون غير شرعيين. وهذا لا يخلق ازمات لأن أغلب الأولاد تتم تربيتهم في القرى. وحين يقول أفريقي عن أحد أنه أخوه فهذا لا يعني أنه أخوه البيولوجي بل من أطفال البيت او القرية حيث نشأا».

فرنسا من جديد

وعادت باتريسيا سميدا بعد ذلك إلى فرنسا لتعمل مع جمعيات تعيد تأهل المرأة في عقديها الرابع والخامس لتستأنف العمل بعد وقوع الطلاق أو عند الحاجة إلى المال. «إعادة التأهيل تكون بملء الثغرات في قدرتها التنافسية عندما انقطعت عن العمل خارج البيت خلال الإنجاب وتربية الأبناء».

 العام 2007 خلال الإنتخابات البلدية قررت باتريسيا ورفاقها من المهندسين والمحامين تأليف لائحة في الدائرة السادسة عشرة كما لائحة «بيروت مدينتي»، تقول باتريسيا، تهدف لمساعدة الناس وتحسين أوضاعها «وقد فزنا بثلاثة مقاعد أحدها في بلدية باريس».

لكن المحامية لم تكفّ عن الترحال فانتقلت مع عائلتها، بحكم عمل الزوج، إلى الغابون في أفريقيا أيضاً حيث باشرت العمل مع أطفال الشوارع لإيوائهم م في مساكن للراهبات وتقديم وجبة مسائية ساخنة إليهم. خلال تلك الفترة ترشحت مستقلة خارج الأحزاب للإنتخابات البرلمانية الفرنسية عن أفريقيا والشرق الأوسط (49 بلداً و19 مرشحاً) لتحل ثالثةً بعد مرشح حزب الرئيس يومها نيكولا ساكوزي ومرشح الحزب اليساري المعارض فتحوز 11 في المئة من الأصوات. «تخيَّل فرداً مستقلاً مثلي يحوز هذه النسبة التي سبقت مرشحي باقي الاحزاب الفرنسية. ولم ينقصني سوى 23 صوتاً للانتقال الى الدورة الانتخابية الثانية».

«غداً لبنان»

بعدها قررت المحامية العودة إلى لبنان حيث أسست جمعية «غداً لبنان» لتعزيز الديمقراطية وحقوق المرأة والطفل. «ومن يومها نركر على حقوق المرأة مطالبين بوزارة خاصة بتلك الحقوق. كما نعمل مع نقابة محامي بيروت في دورات تدريبية على اتفاقية إلغاء جمعي أنواع التمييز ضد المرأة (CEDAW). اتفاقية دولية وقع عليها لبنان مع التحفظ على بندي الأحوال الشخصية وحق المرأة المتزوجة من أجنبي إعطاء الجنسية لأولادها وزوجها.

تصنيف لبنان

وتشير المحامية والناشطة اللبنانية-الفرنسية إلى تصنيف لبنان في مجال حقوق المرأة  في المرتبة الـبلداً عربياً العام 2015 من قبل مؤسسة «طومسون رويترز»، علماً أننا مازلنا نتقهقر وهذا المغرب يتخلى قبل بضعة أشهر عن تحفظاته كافة على الاتفاقية، وتلك تونس تقر في دستورها الجديد مساواة الرجل والمرأة. وتشير باتريسيا إلى أنه «حتى السودان أقر المناصفة في الحياة السياسية من خلال «كوتا» خمسين في المئة لكل من الجنسين. ويضم البرلمان اليوم ما نسبته 30 في المئة من السيدات».

وتختم أنه «بينما تبلغ حصة المرأة في بعض البلدان العربية ما بين الـ 15 والـ 20 في المئة مازالت حصة لبنان في مجلس النواب أقل من 4 في المئة من الأعضاء وهذا معيب» رغم تغنينا ببيروت كأم الشرائع وتعالينا الثقافي.

تمكين المرأة الريفية

مثّلت جمعية «غداً لبنان» مع ثلاث جمعيات اخرى المجتمع المدني اللبناني في الأمم المتحدة، في كانون أول الماضي، وقدمت «تقرير الظل» عن دخول المرأة مجال العدالة في لبنان في ضوء استفتاء قامت به الجمعية بالتعاون مع نقابة محامي بيروتي. وقد أصدرت لجنة (EDAW) توصيات تحض الدولة اللبنانية على تلبية حاجات المرأة وتعزيز حقوقها.

 وتنهي المحامية والناشطة بالإشارة إلى ورشتي عمل تمتدان على مدى العامين المقبلين: الأولى تتناول تعزيز دور المرأة الريفية، تحديداً منطقة دير الأحمر، وتمكينها اقتصادياً لتصبح قادرة على إنشاء تعاونيات بعد تدريبها على عاملي النظافة الصحية وتعقيم الطعام وحفظه. بذلك تستفيد المناطق الريفية الزراعية بتحويل نتاجها طعاماً قابلاً للتسويق يزيد من مداخيل العائلات والمناطق. وبذلك يترسخ أيضاً حضور الشباب والأكبر سناً في مناطقهم. «إنه مشروع طموح يتم بالتعاون مع السفارة الفرنسية وجمعية سيدات دير الأحمر».

مرصد الأحكام القضائية

وتتمحور الورشة الثانية حول مساعدة السيدات المعنّفات عبر إنشاء مرصد الأحكام القضائية الخاصة بشؤون العنف ضد العائلة، وذلك عبر تدريب المحامين المتدرجين على اتفاقية حقوق المرأة وقانون العنف الأسري ليتقنوا الدفاع عن حقوق موكّلاتهن.

تجدر الإشارة، بحسب سميدا، إلى أن أحد الأزواج المعنِّفين وقاتل زوجته رلى يعقوب، يعيش اليوم مع بناته حراً طليقاً. وهل يجوز؟ تسأل وتضيف: أن أي قاتل لإنسان سوف يُسجن، فكيف يطلق سراح قاتل زوجته؟

وتنهي سميدا بالقول «تستطيع كل إمرأة تقديم ولو نذراً يسيراً لتغيير أوضاع النساء بدءاً من وضعها الشخصي. ما ينقص هو الإيمان بالنفس والثقة بها. مقدار بسيط من الثقة قادر على هزّ جبال الذكورة، ولتبدأ كل امرأة من تربية أبنائها وبناتها على المساواة فيما بينهم في شتي الحقوق والواجبات.

مقالات قد تثير اهتمامك