لقاء حول "التقدّم في السنّ مع فيروس نقص المناعة البشري"

نظّمت جمعية العناية الصحيّة وجمعية عيش إيجابي بدعم من GILEAD لقاءً حول مشروع الدراسة البحثية بعنوان: "التقدّم في السنّ مع فيروس نقص المناعة البشري- الإستجابة لاحتياجات وتحديات الأشخاص المتعايشين مع الفيروس في لبنان"، في فندق كوزموبوليتان- بيروت. حضره ممثلون عن جمعيات المجتمع المدني والمؤسسات الصحيّة التي تُعنى بمرض السيدا.

قدّمت هذه الدراسة لمحة عامّة وأولية عن الحالة الصحيّة للمتعايشين كبار السن مع فيروس نقص المناعة البشري في لبنان، بهدف تسليط الضوء على الإحتياجات الصحيّة غير الملبّاة، من خلال تقدير عوامل الخطر المرضي المرتبط بالعمر للمشاركين فيها. 

العدد الأكبر من المصابين هو من الذكور

بدايةً، رحّبت رئيسة جمعية العناية الصحيّة الآنسة كارين نصّار بالحضور بكلمة تحدّثت فيها عن عمل الجمعية الذي بدأ منذ أكثر من 15 عاماً حتى يومنا هذا، في مجال الخدمات المتنوّعة من وقاية وتوعية وتدريب ودعم للمتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري. وأشارت نصّار إلى أنّ الجمعية حرصت على المساهمة في دراسات وأبحاث كثيرة مع مؤسسات أكاديمية وبحثية مستفيدة في ذلك من خبرتها الميدانية، ومن ثقة الفئات المستهدفة ببرامجها، بهدف المطالبة بتحسين السياسات الصحية والإجتماعية وتطوير البرامج والخدمات الإجتماعية والصحية، وتحقيق العدالة الإجتماعية ووصول جميع الفئات المهمّشة الى حقوقها وأن ينعم الجميع بصحّة جيّدة.

الدكتورة ندى ملحم

وكانت مداخلة للدكتورة ندى ملحم من الجامعة الأميركية في بيروت، تناولت خلالها موضوع التقدّم في السنّ منطلقةً من الإحصاءات العالمية التي تشير الى أنّ عدد المتعايشين مع هذا الفيروس بلغ حتى تشرين الثاني 2016 ما بين 36 و40 مليون حالة، فيما سُجّلت مليونا حالة جديدة. فيما أشارت البيانات الإقليمية أي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومن ضمنها لبنان، إلى وجود ما بين 230 و300 ألف حالة. وأظهرت إحصاءات البرنامج الوطني لمكافحة السيدا التابع لوزارة الصحة العامّة، أنّ عدد المصابين بهذا الفيروس يوازي 2000 حالة، فيما الإصابات الجديدة المبلّغ عنها هي 108 حالات. ويصل العدد الإجمالي للمصابين الذين يحصلون على العلاج من البرنامج الوطني حتى أواخر العام 2016 الى نحو 980 حالة. وأفادت الإحصاءات الى أنّ العدد الأكبر من المصابين هو من الذكور والسبب الرئيسي لإصابتهم هو العلاقات الجنسية. فيما أكّدت الإحصاءات العالمية أنّ الإرتفاع التدريجي في تلقّي العلاج المضادّ للفيروس من سنة 2000 حتى العام 2016 أدّى إلى انخفاض عدد الوفيات الناجم عن هذا الفيروس. وبلغ عدد المستفيدين من العلاج نحو 17 مليون شخص عالمياً، وهو رقم مرتفع وله مدلولاته، من بينهم خمسة ملايين و800 ألف مصاب بلغوا الخمسين سنة وما فوق، ما شكّل العدد الأكبر بالنسبة لتوزيع الأعمار. الأمر الذي يدلّ على أنّ المتعايشين مع الفيروس باتوا يعيشون أكثر بسبب التطوّر الطبّي والعلاجي، إلاّ أنّهم معرّضون للإصابة بأمراض مزمنة مع التقدّم في السنّ.

وذكرت ملحم أنّه في الفترة الممتدّة بين 1990 و2016 أدّى التصاعد في استخدام المعالجة إلى زيادة في معدّل الأعمار للمتعايشين مع فيروس نقص المناعة إلى ما فوق سنّ الخمسين، حتى تحوّل هذا الأخير من مرض معدٍ الى مزمن. وأوضحت: "إنّ التقدّم في السنّ يُعرّض المصابين بالفيروس الى أمراض مزمنة أخرى مثل ضغط الدمّ، والكوليسترول، وأمراض القلب والكلى، وترقّق العظام، والسكري والأمراض السرطانية، ما يؤدّي الى زيادة المخاطر على صحتهم نسبةً الى الأشخاص المتقدّمين في السنّ وغير المصابين بالفيروس، نظراً لحاجتهم الى علاج مزدوج".

وعرضت للتحديات الناجمة عن التقدّم في السنّ لحاملي الفيروس، من زيادة الأعباء بالنسبة للعلاج، إلى تغيّر نوعية الحياة، وصولاً الى العزلة الإجتماعية والمعاناة من الوصمة والتمييز. وقالت: "لهذا نقوم بهذه الدراسة الأولى لمعرفة إحتياجات ومتطلّبات هؤلاء الأشخاص المصابين بالفيروس من المتقدّمين في السنّ بهدف تأمين نوعية حياة أفضل لهم".

الدكتور جاك مخباط 

مشاكل المتقدم في السن مع الفيروس

ثم تحدّث رئيس جمعية السيدا في لبنان والبروفسور في الجامعة اللبنانية- الأميركية/ كليّة الطبّ، الإخصّائي في الأمراض الجرثومية الدكتور جاك مخباط عن المشاكل الصحيّة التي يواجهها المتقدّم في السنّ مع الفيروس. وأشار إلى أنّ معدّل أعمار المصابين بالفيروس اليوم أصبح مرتفعاً نتيجة العلاجات الفعّالة الناجمة عن التطوّر الهائل الذي شهده عالم الطبّ خلال الـ 21 سنة الأخيرة، ما أطال عمر المتعايشين مع المرض وأدّى الى تحسين نوعية حياتهم. علماً أنّه مع التطوّر الطبي أصبحت الآثار الجانبية للعلاجات أخفّ عمّا كانت عليه في السابق.

وأكّد أنّ العلاجات الموجودة محلياً فعّالة جدّاً، وكلّما تقدّمت هذه الأخيرة كلّما قلّت التفاعلات الثانوية. وأجرى مقارنة بين المشاكل الصحية لمصاب بالفيروس وآخر غير حامل له، منها نقص المناعة، زيادة الحالات الإلتهابية، المشاكل الدماغية، خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري والكوليسترول، ذوبان العظم، ضعف في وظائف الجسم، زيادة نسبة الإصابة بالأمراض الخبيثة، وارتفاع عدد الأدوية التي يتناولها كلّ متقدّم في السنّ.

وشدّد مخباط على أهمية أن يبقى المصاب بالفيروس المتقدّم في السنّ على تواصل دائم مع طبيبه المعالج، لا سيما في موضوع الأدوية وأن لا يتناول أي دواء جديد لأي مرض آخر قد يعاني منه من دون استشارة الطبيب تجنّباً للتضارب فيما بين هذه الأدوية، ما قد يُشكّل خطراً على حياته.

ولفت إلى أنّ التقدّم في السنّ لحاملي الفيروس أصبح اليوم أمراً واقعاً، من هنا أهمية الدراسة التي تُناقَش اليوم لفهم الموضوع أكثر ولمعرفة ما يجب تقديمه من دعم نفسي واجتماعي وطبّي، فضلاً عن التعاون مع متخصّصين في طبّ الشيخوخة بهدف مساعدتهم على تأمين نوعية حياة أفضل لهم.

 تحديات جديدة

بدورها، عرضت مديرة مشروع "التقدّم الصحّي في السنّ مع فيروس نقص المناعة البشري" السيدة روبي خلف الهدف من هذا المشروع وهو توثيق الإحتياجات الصحية المعقّدة وتحديد الخدمات غير الملبّاة التي يحتاجها المتعايشون مع الفيروس، وهو أمرٌ ضروري وأساسي من أجل الإدارة السليمة لهذه الإحتياجات على المدى الطويل.

وأشارت إلى أنّ ظاهرة الشيخوخة مع فيروس نقص المناعة البشري تفرض تحدّيات جديدة فيما يتعلّق بالإحتياجات الصحيّة للمرضى من رعاية ونُظم صحية.

 وتطرّقت إلى دراسة العوامل النفسية والصحيّة والإجتماعية والإقتصادية وتأثيرها على مسيرتهم مع المرض. وقالت بأنّ "المشروع استغرق عاماً، قمنا خلاله بإجراءات مقابلات وجهاً لوجه مع 100 مصاب بالفيروس من الذكور والإناث ومن الأعمار كافة، وذلك بناء على الدراسات العالمية والمحلية التي أظهرت تزايد فيروس نقص المناعة البشري بين كبار السنّ (50 سنة وما فوق)، ومن المتوقّع أن ترتفع شيئاً فشيئاً. مع الإشارة الى أنّ الإرتفاع المستمر في نسبة حالات الإصابة بالفيروس بين كبار السن لا يزال قيد التوثيق".

وأشارت إلى أنّه "نتيجة هذه الدراسة تمّ التوصّل إلى وضع مجموعة من الخدمات الصحية التي إذا ما استطعنا تأمينها لكلّ مصاب فإنّ ذلك يضمن له شيخوخة وتقدّم في السنّ بشكل صحي وسليم. وتتضمّن هذه الخدمات: تغطية إجراء الفحوصات الطبية اللازمة من فحص الدم وغيره، وتأمين الأستشارات الطبية والنفسية والجنسية وسواها".

وقالت: "نحن نأمل اليوم من خلال هذا اللقاء الخروج بتوصيات حول خمس إشكاليات من خلال طاولات الحوار التي ستشاركون فيها، كلّ منكم بحسب إختصاصه، وتدلون خلالها بالإقتراحات والأفكار. وهذه الإشكاليات هي:

1"- التقدّم في السنّ السابق لأوانه بسبب فيروس نقص المناعة.

2"- الخدمات الصحية والمشاكل النفسية.

3"- السلوك الجنسي ومصارحة الشريك بالمرض.

4"- التوعية الصحية وأساليب الوقاية الجنسية.

5"- التوعية الصحيّة من أجل حياة أفضل.

التوصيات:

بعد توزّع الحاضرين على طاولات الحوار، أُقرّت التوصيات الآتية:

-         ضرورة إيجاد الإستراتيجيات والتمويل وتوثيق المعلومات.

-         العمل من أجل إزالة التمييز والوصمة.

-         تكثيف حملات التوعية من خلال وسائل الإعلام، على أن يحصل على مدار السنة وليس في مناسبات معينة فقط.

-         ضرورة التنسيق بين الجمعيات الأهلية والوزارات المعنية.

-         إجراء دورات تدريبية للإخصّائيين الذين يتعاطون بهذا الشأن.

-         إعتماد العلاج ضمن المجموعات وليس فقط العلاجات الفردية.

-         التثقيف والتربية الجنسية بدءاً من المدارس.

-         دمج العناية النفسية مع العناية الصحيّة.

-         تأمين خط ساخن للمتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية.

-         توعية كلّ أفراد المجتمع وليس فقط المتعايشين مع الفيروس لأنّ المسؤولية تقع على عاتق الشريكين في كلّ علاقة جنسية.

مقالات قد تثير اهتمامك