أبي دراجة هوائية

 ماذا عساني أكتب في عيد الأب؟ سأكتب عن الدراجة الهوائية، أم الدواليب الأربعة، دولابان كبيران وآخران صغيران، أمي قالت لي أنه أرسلها إلي، سأكتب عن اللعبة التي شعرها من لون شعري، ولكنه مجدول وملفوف لفة أرستقراطية، أمي أكدت لي أنه أوصى بابا نويل بها، سأكتب عن قفا صور سوداء وبيضاء تحمل كلمات رشيقة حبرها أزرق وأسود تصل إلى انطلياس من قارة لونها أسمر، سأكتب عن المصور شوفاني الذي كان يأتي إلى البيت ليجمّد الأولاد السبعة والأم ومعهم أحياناً عمتهم أو ابنتها في لقطة في الحديقة، يتسمّرون بعد معارك تنحرة بطليها أصغر صبي وبنت، وبعد التظهير تسافر العائلة في الصورة، سأكتب عن رسائل مفصلة طويلة كانت تخطها أمي تحكي فيها كل الأخبار، سأكتب عن قصيدة حفظتها أمي من جريدة كان يشتريها هو وهكذا علمتنا بعضاً من بيوتها " ارزتنا فيما مضى وجديدها  /  طامعه فيها الدني وبتريدها" إ

  من السهل الكتابة عن الأب أليس كذلك؟ ربما علّي أن اكتب أنني ولا مرة قلت له كل عيد أب وأنت أبي، ومع ذلك بقي هو أبي وبقيت أنا ابنته التي يرسل إليها صوراً حتى تتعرف إلى شكله، كنت طفلة عندما حمل حقيبته وسافر ليعمل، ربما علي أن أكتب عن بكائي الطويل، واختبائي خلف باب المدخل، واستنجادي به وهو المسافر "يا بابا  تعا خدني ما بدي روح عالمدرسة"، وأن أمي نجحت في الامتحان وعرفت كيف تصوره لي منقذاً.

  كثيرة هي الأشياء التي أستطيع أن أكتبها بمناسبة عيد الأب، ربما عن عودته الأولى بعد عشرة أعوام متواصلة من الغياب، عن الشورت الأحمر الذي كنت أرتديه في بداية مراهقتي والذي عنه قالت لي شقيقتي: "قبل ما يسافر ما كان يخلينا نلبّس هيك"، أو عن الرسائل التي أرسلها إلي، الواحدة تلو الأخرى، يقنعني فيها أن لا أدخل كلية الإعلام  بل إلى كلية أخرى كان يتمنى لو تخرج منها.

 ربما عليّ في عيد الأب أن أقسّم الأعوام الأربعين من عمري بحسب التقويم "الأبوي"عشرة أعوام غياب جسدي وحضور من خلال أم استثنائية، ومن ثم أقل من عقدين توالت فيهما حقائب السفر وكانت مرحلة الاكتشاف المتبادل، ومرحلة السلطة والتمرد السلمي ومن ثم عشر سنوات ناقصة شهوراً اقتربت فيها من صاحب العيد، وكان لقاؤنا يومي على شكل حقنة وقطنة سبيرتو، وترويقة وهموم بأحجام مختلفة.

 ربما في عيد الأب علي فقط أن أكتب عن لحظات الرحيل الأخير، عن عقله الكبير الذي لم يخذله أبداً، ظل صديقه حتى في ساعة المغيب، عن يمناه التي سكنت يدي ساعتين يومها، وعن الصقيع الذي أصابها عند الخامسة من مساء ذلك السبت، والذي انتقل منها ليحلّ الصقيع في قلبي.

أتراه من السهل الكتابة عن أبي؟

(سبق أن نشرت هذا المقال قبل أعوام في مثل هذا اليوم )

مقالات قد تثير اهتمامك