كيف أتفاعل مع سلوك طفلي الجنسيّ؟

كيف أتفاعل مع سلوك طفلي الجنسيّ؟

إنّ الحياة الجنسيّة التي تُعتبر انعكاساً للتعبير الحميم لخلجاتنا الداخليّةوبالتالي لصراعاتنا، هي المولد الأساسيّ للحريّة والمحظورات في جميع الأماكن وفي كلّ الأوقات. لذا، من الضروري وضع القواعد الاجتماعيّة التي تُشجّع على الطاقة الجامحة والرغبة الجنسية الكامنة في كلّ واحدٍ منّا أو تحظّرهما. في هذا الإطار، يقع على عاتق الأهل بشكلٍ أساسيّ رسم الحدود الأولى والخطوط الحمراء لأبنائهم منذ نعومة أظفارهم.

الشهادات الآتية لأمّهاتٍ شابّات تُلقي الضوء على دور الأهل والصعوبات التي يواجهونها في تأدية واجباتهم.

اكتشاف المُتعة منذ الصغر

ماريا (33 عاماً) تتساءل: "رُزقت بتوأميْن، وكنتُ ألاحظ أثناء تغيير الحفّاض لهما أنّ أحدهما  كان يلمس قضيبه ويتحسّسه ليشعر بشيء ما كما لو أنّني لستُ موجودة، الأمر الذي أزعجني جدّاً. فصرتُ آخذ يده الصغيرة وأضعها جانباً لألفت انتباهه من خلال تواصلنا بالعينيْن. لكنّي أخشى أن يؤثّر ذلك في حياته الجنسيّة في ما بعد. فهل قمت بأمرٍ خاطئ؟".

عزيزتي ماريا،
إنّ مُتعة الاستمناء لا يجب أن تكون في العَلَن، فهو نشاطٌ سريّ بحدّ ذاته ويجب أن يتمتّع بخصوصيّة فائقة. ما قمتِ به هو بكلّ بساطة وضع الحدود التي وجدتِها ملائمةً وقمتُ ضمنيّاً من خلال نظراتك بإدخال مفهوم الخصوصيّة لدى طفلك. فالأطفال يفهمون سريعاً أنّ الحياة الجنسيّة، في جوهرها، ترتكز على عضوٍ حميم. والأمر الوحيد الذي يُمكن "تعليمه" لهم هو المحظورات في هذا المجال وكلّ ما تبقّى سوف يكتشفونه ويختبرونه في علاقتهم مع الآخرين. وتبرز هنا أهميّة دور الأهل في تشجيع الطفل على الاكتشاف ضمن احترام الأُطر الأخلاقيّة والخطوط الحمراء، وهنا تكمن صعوبة إيجاد التوازن بين الأمريْن. فالحظر هو القوّة المعنويّة التي تعكس القواعد الأسريّة والاجتماعيّة والبيئة التي يعيش فيها الطفل، والتي تتعارض بطبيعة الحال مع حريّة التعبير عن النزعات العاطفيّة. فعلى سبيل المثال، جميع المجموعات البشريّة على اختلاف مشاربها تُدين علناً سفاح القربى، إلاّ أنّ ذلك لا يمنع وقوعه في الخفاء. وفي حالتك، تمثّلت إدانتك لما قام به طفلك من خلال حركتك العفويّة ونظرتك في عينيْه.

خيار بديل أقلّ حظراً: ترك طفلك وحيداً من دون حفّاض بضع دقائق لإعطائه مساحته الخاصّة ووقتاً حميماً.

مُتعة جامحة في بعض الأحيان

أمّا سلمى (40 عاماً) فتعرض لنا مشكلة مختلفة، فتقول: "إنّ سلوك ابني البالغ من العمر 5 سنوات يُشكّل مشكلة كبيرة بالنسبة إليّ. لقد نَمَت لديه أخيراً نزعة "عرض جسده عارياً  في العلن" الاستعراضية (Exhibitionism). فحالما تزورني الصديقات في المنزل يهمّ بخلع ملابسه أمامهنّ. أمّا في المدرسة، فقد اقترح على فتيات في صفّه أن يريهنّ عضوه الذكريّ، حتّى أنّه حاول التسلّي بألعابٍ جنسيّةٍ مع شقيقته التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط. صحيح أنّه لا يزال صغيراً جدّاً، لكنّ أفعاله تُحرجني ولا أدري ما العمل؟  لقد هدّدته وعاقبته وحجزته في غرفته لكنّه لم يرتدع! فماذا عليّ أن أفعل؟".

عزيزتي سلمى،
من خلال التجربة وتفاعله مع محيطه يتعلّم الطفل أنّ هناك أشياء يُمكن أن نعبّر عنها وأخرى يجب أن تبقى مكتومة في داخلنا ولا يجوز الكشف عنها. فالسلوك الذي وصفته هو النتيجة المتوقّعة لطفلٍ لم يتلقَ التفسيرات الكافية حول الحياة الجنسيّة والمحظورات بوضوح. هذا يتطلّب منك أن تُعيدي رسم الحدود بصرامة:

أولاً، من خلال التوضيح له أنّه في مثل عمره يحتاج إلى معرفة الفروق بين الجنسيْن، والعلاقة الجنسيّة ودور الأب في تكوينه.
ثانياً، الإصرار على أنّ النشاط الجنسيّ البشريّ قائم على الحبّ، والكلمات، واحترام الذات وبعضنا بعضاً وعدد من المحظورات أيضاً. التفسير له أنّ كلّ واحد حرّ في التفاعل مع جسده كما يشاء ولكن ليس في الأماكن العامّة وأنّ البالغين الّذين "يعرضون أجسادهم عاريةً في العلن" يخضعون لعقوباتٍ ينصّ عليها القانون.
ثالثاً، تفسير معنى حظر ممارسة الجنس بين البالغين والأطفال وسفاح القربى، وحظر النشاط الجنسيّ بين أفراد الأسرة (بين الأهل (الأجداد والأعمام والعمّات، إلخ  والأطفال، وأيضاً بين الأشقاء)، وإمكانية لعب ألعاب جنسيّةً مع فتيات من عمره لكن من غير المسموح أن يلعبها مع شقيقاته... عندما تُصبح هذه  المحظورات واضحة، يجب أن يتمّ احترامها.

بين المحظور وحريّة التعبير

في الحالة التي عرضتها سلمى، تبرز علامة استفهام حول غياب دور الأب، لماذا لم يتدخّل زوجك؟ فالأب بالنسبة إلى الطفل هو القاضي الذي يحرص على تطبيق القانون الصارم وبالتالي المحظور. وأخيراً نتساءل ما الذي دفع ابنك إلى القيام بهذا السلوك وما الدافع لإثارته جنسيّاً؟ هل شاهد مشاهد جنسيّة مثلاً؟
عليك التفكير واتّخاذ التدابير المناسبة. ومن المهمّ أيضاً تجنّب التهديدات والمحظورات المتفرّقة غير المنتظمة وغير المنطقيّة لاسيّما المتعلّقة بالسلوكيّات السلبية. فتكرار التحذير يؤدّي غالباً إلى تكرار المخالفة التي تليها عبارة الأهل: "قلتلّك ما تعيدها"، لتؤكّد تفوّقهم الجسديّ والمعنويّ وتمعّن في كبت الولد وانطوائه.
وبصرف النظر عن المحظورات الأساسيّة والأخلاق الجنسيّة  التي تكرّسها المجموعة الاجتماعيّة التي ننتمي إليها، هناك دائماً قيود يفرضها المجتمع وعلى المرء احترامها. هذه هي مواقفنا بين المحظور وحريّة التعبير التي تُنمّي شخصية أبنائنا وشعورهم بالحميميّة في مجتمعٍ متنوّعٍ يفرض علينا تعليمها التوازن بين الممارسات في الحياة الخاصّة والعامّة.

مقالات قد تثير اهتمامك