متردّداتٌ في الزواج من جديد وراغبات في تعويض الحرمان
متردّداتٌ في الزواج من جديد وراغبات في تعويض الحرمان
متردّداتٌ في الزواج من جديد وراغبات في تعويض الحرمان

متردّداتٌ في الزواج من جديد وراغبات في تعويض الحرمان

في غيابِ الشريك الجنسيّ، بعضُ النساء في العالم العربيّ مُطلّقات، أو أرامل أو بكلِّ بساطة عزباوات، يَجدْنَ صُعوبةً في عيشِ حياةٍ جنسيّةٍ مُنفتحةٍ لأنّ ذلك يُعتبَر أمراً غير لائق اجتماعيّاً، وبالتالي يَفرضنَ على أنفسهنّ رقابةً ذاتيّة. هذا الأمر يَسري بسهولةٍ على اللّواتي لا يَجدْن في الحبّ الجسديّ أيّ اكتفاء، مُتأثّراتٍ بتربيةٍ قاسيةٍ تعتبر أنّ الجنس موضوعٌ مُحرّم. لكن بالنسبة إلى أُخريات، يُمثّل هذا الركود اختبارا قاسياً من الحِرمان والإحباط. فما هو الثمنُ الحقيقيّ لهذا الامتناع عن مُمارسة الجنس؟

امتناعٌ اجتماعيّ وديموغرافيّ

إنّ الامتناع عن مُمارسة الجنس أو غياب نشاط جنسيّ مع شريك، بدأ يُشكّل مُصيبةً تمُسّ قسماً كبيراً من النساء المُكرهات على العزوبيّة، ومُجنّبةً بأعجوبةٍ الغالبية العُظمى من الذكور. ففي مُجتمعنا، وتحت تأثير المُعتقدات الدينيّة التي تُحرّم مَلَذات الحياة الجنسيّة الأُنثويّة، اختُزلت العلاقة الجنسيّة منذُ فترةٍ طويلةٍ بعمليّة الإنجاب وبالتالي الزواج؛ أمّا غير المتزوّجات فعليهن التخلّي عنها «بشكلٍ طبيعيّ».
استقرار الفراغ العاطفيّ
تقولُ نجاح (36 عاماً): «منذُ انفصالي عن زوجي، أعيشُ وضعاً لا يُطاق. غير مُطلّقة بعد، ويجبُ عليَّ العيش وراء القضبان وألاَّ أتعاطى مع أحد. لا أريدُ أن أفقد حضانةَ أطفالي بسبب نزوةٍ جنسيّةٍ عابرة. لكنَّ الصوم عن الجنس أمرٌ قاسٍ. فأنا لا أفكرُ إلاَّ بهذا الأمر. الأحلام الشهوانيّة المُتتابعة تُراودني كلّ ليلة. أمّا خلال النهار، فالاستيهامات تَقودني إلى الهَوَس. أشعرُ أنَّ بُركاناً يَشتعلُ في داخلي وليس الاستمناء هو المهدئ لحِمَمه. أعرفُ جيداً أنه حتى لو حصلتُ على الطلاق، فإنَّ زوجي السابق يُراقبني عن كَثب. مع ذلك، أنا لا أجهلُ إطلاقاً أنَّ موجة المُجازفة ستَجرفني لأنَّه بالنسبة إليّ التخلّي عن الحياة الجنسيّة يَعني التخلّي عن الحياة».
تتقبَّل المُمتنعات عن مُمارسة الجنس هذا الوضع للاحتماء من الإشاعات أو لكي يتصالحنَ مع أنفسهنَّ، لكنّهنّ يعانين ليس فقط من حرمانٍ جسدي، بل أيضاً من غياب الآخر والفراغ العاطفيّ الذي يستقرُّ في حياتهنّ. فبالنسبة إلى العالِم النفسيّ فرويد، لا يُمكن التعايش مع الامتناع عن مُمارسة الجنس: «إنَّ مَهمّة ضبط الدافع الجنسيّ من خلال عدم إشباعه تتطلَّبُ كلّ جهود الكائن البشريّ. أقليّةٌ هي التي تنجح في فعل ذلك، ولكن بطريقة مُتقطّعة. فالصراع ضدَّ الشهوانية يَستهلكُ كلّ الطاقة المُتوفّرة عند الشخص».

تدهور الصورة الذاتيَّة
هذه الفكرة أضحَكتْ كاتيا (47 عاماً)، المُمتنعة عن مُمارسة الجنس منذُ خمس سنوات بعد طلاقٍ مؤلم: «ليس الأمر صراعاً بقدر ما هو انشغال بالٍ مُزعج. فأنا لا أشعرُ أنّني أسيرة نزواتٍ غير مُشبعة، لكنّني أحتضنُ بَقايا ألمٍ مُضنٍ. لديَّ انطباع بأنَّه يفوتني شيءٌ يُشكِّل جزءاً من حياتي كامرأة. نعم، أنا أفتقدُ الجنس ولكن بشكلٍ أقلّ. اتّخذتُ قراري لكن ينقصني أمرٌ ما. أنا أعيشُ مع الشعور بالفراغ. ما يؤرقني ليل نهار ليس الحرمان الجنسيّ، بل اليأس من فقدان أملِ لقاء أحدهم في هذه الحياة. في قُرارة نفسي، الأصعب ليس عدم إقامة علاقة جنسيّة، بل الشعور بأنّني لم أعد مَرغوبة ومُدلّلة».
هكذا يقودُ فقدان الشهيَّة الجنسيّة إلى الفراغ العاطفيّ. فالنقص في الحياة الجنسيّة يُوقظ غالباً النقص في وجود علاقاتٍ شهوانيّة. وإلى جانب قلّة المُلامسات والحَنان والعَاطفة يأتي فقدان تقدير الذات الذي يتغذّى من رغبة الآخر. فإنْ بقيت النساء أشهرٍاً عدّة لا بل سنوات عدّة من دون شريكٍ جنسيّ، تَجنَحُ العديدات منهنَّ إلى رؤية تقديرهنَّ لذاتهنَّ يتدهور. ويبدأن بالتساؤل جديّاً عن قدرتهنَّ في الإغواء، وكفايتهنَّ بأن يكنَّ محبوبات.

رغبةٌ محرومةٌ من المُتعة

تشهدُ جوسلين (52 عاماً)، على صحَّة هذا الوضع: «فقدتُ زوجي منذُ أكثر من سبع سنوات وأشعرُ بأنَّ ذِكراه بالإضافة إلى مُحيطي قد أقفلا الطريق أمامي. اجتماعيّاً، تُوجّه إليَّ الدعوات بشكلٍ أقلّ لأنّني من دون شريك. وللمُفارقة، أُلامُ على كلِّ تقاربٍ وثيق مع رجل، كأنَّ كينونتي كأرملة يُلغي الجانب الحقيقيّ من كوني امرأة. منذُ ذلك الحين، أصبحَ إدراكي لوضعي مُزعجاً، كما لو أنّني مَمنوعة من الحياة الجنسيّة. أنا لا أزال أُلبّي شروط المرأة الخَصبة القادرة على إقامة علاقات جنسيّة. ولكن تكوَّن عندي الشعور أنَّ ما من أحد يلتفتُ إليّ. هذه الاستحالة التامة بأن أقيمَ علاقاتٍ جنسيّة انعكست مَرارةً وصُعوبةً في التواصل. لا أجرؤ على التواجد مع أشخاص من الجنس الذي يُعجبني، كما لو أنّني في حلقة مُفرغة. أخافُ من ارتباطٍ جنسيّ جديدٍ وهذا يبطئ جهودي للقاءِ أحدهم. هذا الشعور يُجرّدني من قيمتي، حتى تكوَّن عندي الانطباع أنّني لم أعد قادرة على إقامةِ علاقةٍ جنسيّة. لم أعدْ أعرف كيف أتخطَّى وضعي. فجأةً تختفي رغبتي في كلّ ذلك».
لا يغيبُ عن بالنا أنه بقدرِ ما نقلّل من علاقتنا الجنسيّة، بقدرِ ما تخفّ رغبتُنا بها. بعض النساء، كـ جوسلين وكاتيا، يخشيْن من عدم معرفتهنَّ كيف يتصرفنَّ، ويقتنعنَ بأنَّ مَهارتهنَّ كعاشقاتٍ قد فُقدت نهائيّاً. هذا الاعتقاد يَبرزُ كعائقٍ حقيقيّ أمامهنّ. الرغبة الجنسيّة تَخبُو، ويتكوَّن عندنا الانطباع أنَّنا لم نعد قادرين على استرجاعها. على المستوى النفسيّ، تَنمو فينا سُرعة الانفعال والتأثُر، فتجعل الالتقاء بآخرين أكثر صعوبة. وأمّا على المستوى الجسديّ، فإنّ فقدان الرغبة يَنعكسُ على القدرة ويُسبّب الألم عند الإيلاج.

هكذا يقودُ الحرمان الجنسيّ إلى عوارضٍ وأوجاعٍ نفسيّة وبدنيّة. وبالتالي، بقدر ما تطول فترة الامتناع عن مُمارسة الجنس بقدر ما تُصبح «العودة إلى السكَّة» أطول.

أخيراً، يبدو من الصعب وضع لائحة دقيقة عن مساوئ غياب النشاط الجنسيّ مع الشريك. فبعض الدراسات يؤكّدُ أنَّ الجنس مُفيد للصحة، ولنوعيّة النوم، ولنُمو مُعدّل الذكاء. ويجب ألاَّ يغيب عن بالنا أنَّ الحياة الجنسيّة الفُضلى يَعيشُها اثنان: فالانتشاء الفرديّ يَحملُ الاكتفاء البيولوجيّ عينه الذي يُؤمّنه الانتشاء مع الشريك. أمّا على الصعيد النفسيّ، فيتركُ الامتناع عن مُمارسة الجنس تأثيراً يختلف بين امرأة عزباء وأخرى. فإنْ كان الاستمناء عند بعض النساء يكفي بشكلٍ كامل حاجاتهنَّ الهرمونيّة، فالقدرة على التخاطب مع المُدلّك الرجراج مُستحيلة. هل الحلُّ إذاً عند أولِ رجلٍ نلتقي به؟ بالتأكيد لا! الأهمّ أن تشعر النساء بحريّة تَخطّي هذه العقَبة، وأن تكنَّ مُتماهيات مع اختيارهنَّ، من دون الوقوع في هاجس السؤال «ماذا سيقول الآخرون؟». الأساس إذاً هو الحفاظ على هذا الرابط مع الجسد والقدرة على الشُعور باللّذة. وهذا لا يُمكن بلوغه إلاَّ حين نُجنّب جسدنا الامتناع عن مُمارسة الجنس حتّى إذا حلَّ الوقت المناسب نكون مُستعدين لمُمارسة الجنس. فلكون المُمتنعات عن مُمارسة الجنس لم يحجبنَّ أجسادهنَّ عن الاهتمام، فإنهنَّ ينسين الخوف في استعادة الرغبة. نعودُ إلى الجنس عند أوّل لقاء، وإلى الجنس عن طريق الحبّ.

مقالات قد تثير اهتمامك