«الأزيــاء العربيّــة سيّدة عالم الموضـة العالميّـة!»

بعينَين زرقاوين تطلاّن من خلف بُرقُعٍ لافتٍ وعصريّ، جذبت الشّابّة الإماراتيّة عبير محمّد الأنظار إليها في أهمّ المناسبات الاجتماعيّة وعروض الأزياء العالميّة في دبي. فمن عرض شانيل، إلى أرورا وأماتو وعروض «دبي فاشن فوروورد» كانت عبير دوماً محطّ جذب الفلاشات المحلّيّة والعالميّة.

جمعت الرّسّامة والنّحّاتة والممثّلة العشرينيّة كلّ مواهبها الفنّيّة في مشروعها المُثير للجدل «برقع عبوري» الذي تُعيد فيه البرقع إلى الواجهة لكن بطابعٍ عصريٍّ مواكبٍ للموضة العالميّة.

لماذا اخترتِ البرقع تحديداً لدخول عالم الموضة؟

لم أخترِ البرقع لدخول عالم الموضة، بل دخلتُ عالم الموضة من أجل البرقع. كنتُ أعيش في كندا، والبرقع بالنّسبة إليّ شكلٌ من أشكال ثقافة موطني الأصليّ. كنتُ مفتونةً بهذه القطعة لِما تعكسه من جمال. بدأتُ أصمّم البراقع لنفسي وألبسها في مناسباتٍ مختلفةٍ حيث أحظى بالإعجاب. مع عودتي إلى الإمارات فوجئت أنّ البرقع اختفى من ثقافة الموضة النّسائيّة، ولم تعد تضعه إلاّ بعض المسنّات. استفزّني هذا الواقع لأنّه يُلغي موروثاً مهمّاً يعكس ما يسمّى عالميّاً بالأزياء الثّقافيّة، فقرّرت أن أبدأ بنفسي وأستكمل تجربتي في تصميم البراقع ولبسها. وما زادني إصراراً على ذلك اتّخاذ بعض الدّول الغربيّة البرقع كرمزٍ لاضطهاد المرأة، إلاّ أنّني لم أتمكّن يوماً من رؤيته سوى جزءٍ من موضةٍ نسائيّةٍ جميلةٍ ومثيرةٍ تنتمي إلى تراث منطقتنا وحضارتها.

ما الصّعوبات التي واجهتك في العمل على البرقع لاسيّما أنّه منتجٌ تراثيٌّ لا يحتمل الاجتهادات؟

لم أجد صعوبةً في العمل على البرقع بحدّ ذاته، لأنّني أتعامل معه بتقديرٍ وإعجابٍ وفنّ. المسألة أنّني لم أكن أُدرك أنّه مُنتجٌ تراثيٌّ عندما «لعبتُ» به وأنا طفلة. فحين رأيت البرقع أوّل مرّةٍ ظننتُه قناعاً مثل أقنعة الحفلات التّنكّريّة، وبدأتُ لصق الرّيش والكريستال عليه. ردّة فعل الجميع عند رؤية برقع «عبوري» الطّفلة جعلتني أشعر بأنّ الذي فعلته للبرقع جميلٌ وليس عيباً.

تراث نسائيّ جميل

وفي كندا، كيف كانت ردّة الفعل؟

في كندا، كان الأجانب يبدون إعجابهم بـ «قناعي التّراثيّ» المُزخرف، فصرتُ أتعمّد ارتداءه في جميع المناسبات العامّة إلى أنْ أصبح جزءاً من «ستايلي» الشّخصيّ. لكن للأسف عند عودتي إلى الإمارات كانت ردّة الفعل مختلفةً بخاصّةٍ أنّ رقعة انتشاره ضاقت كثيراً، إذْ واجهتُ الانتقادات، والخوف من تشويه التّراث، والتّحذيرات من أنّه يستحيل أن ترتدي أيّ فتاةٍ براقعي أو البرقع بعامّة! مع الوقت، بدأ النّاس يُبدون إعجابهم بتجديدي البرقع ورغبتهم في استخدامه، خصوصاً بعد أن أدخلته عالم الموضة العالميّة.

الكثير من مصمّمي الأزياء العالميّين أبدوا رغبةً في التّعاون

نراكِ في عروض أزياء مصمّمين عالميّين لاسيّما في «دبي فاشن فوروود» بكامل أناقتك العصريّة واضعةً البرقع. هل تمكّنتِ من فرض حضور هذه القطعة المتميّزة في المحافل العالميّة؟

كما سبق أن قلت لك إنّ البرقع جزءٌ من مظهري الشّخصيّ الذي تميّزت به، أضعه في كلّ المناسبات التي أُدعى إليها وخصوصاً عروض الأزياء العالميّة. أنا أعلم أنّ ذلك سيدفع الأجانب بخاصّةٍ إلى سؤالي عن هذا «القناع التّراثيّ» ويفتح باباً للحوار والتّعريف بتراثٍ نسائيٍّ جميلٍ تميّزت به المرأة الشّرقيّة تحديداً. الكثير من مصمّمي الأزياء العالميّين أبدوا رغبةً في التّعاون معي مثل مانيش أرورا (Manish Arora) المعروف أنّ من زبوناته العالميّات اللّيدي غاغا، وريهانا، وكاتي بيري، ونيكي ميناج، وفيرغي، وهايدي كلوم وغيرهنّ، وفيرن أماتو (Furne Amato) الذي تلبس من أزيائه بيونسي، وكاتي بيري، وشاكيرا، وجينيفر لوبيز وهيفاء وهبي، والمصمّم العالميّ الذي يحظى بثقة الملكات والطّبقة الرّاقية مايكل سينكو الذي يُصمّم للأميرات غالباً وقد لبست أيضاً من تصاميمه جينيفر لوبيز وصوفيا فيرغارا.

قطعة متفرّدة

ما قصّة «برقع شانيل» الذي أثار الجدل في دبي؟

في عرض أزياء شانيل الذي أُقيم في دبي، اختار كارل لاغرفيلد - المعلوم عنه أنّه يدمج أفكاره بشيءٍ من البلد حيث يعرض أزياءه - أن يجلس المدعوّين على مجالسَ أرضيّةٍ كالبدو. وعند حضوري ببرقعي لفتت إطلالتي انتباه الحاضرين وصار المصوّرون والمدعوّون يأخذون صوراً لي ظنّاً منهم أنّني جزءٌ من عرض شانيل! حضرت حينها ببرقعٍ أطلقتُ عليه اسم «برقع شانيل» (برقع أسود، تتدلّى منه سلسلتان من اللّؤلؤ، وعلى طرفه وردة «كاميليا» التي تستخدمها دار «شانيل» كرمزٍ لها، وزيّنته بـ «بروش» شانيل من الذّهب). انتشرت صوري سريعاً على الإنترنت والـ «إنستغرام»، وأُعيد نشرها مئات المرّات بعَدِّ برقعي أبرز ما قدّمته «شانيل» في عرضها في دبي، بل حتّى إنّ وسائل إعلامٍ عالميّةً قدّمتني على هذا النّحو نفسه وقالت إنّ «برقعي القطعة المتفرّدة لـ «شانيل» في عرضه»!

المختلف مرغوب

البراقع ليست محصورةً بدول الخليج وملابسنا اليوم لا تُشبهنا!

كيف يمكن أن تستفيد الشّابّة العصريّة، وهل يمكن أن تلبسه فنّانةٌ في لبنان أو عارضة أزياءٍ في فرنسا أو تعتقدين أنّه حكرٌ على الثّقافة الخليجيّة؟

سوف تحظى الشّابّة بالتّفرّد. البراقع ليست محصورةً بدول الخليج، إذْ إنّها موجودةٌ تقريباً في تراث كلّ دولةٍ عربيّةٍ ولكن يختلف تصميمها من دولةٍ إلى أخرى. أنصح جميع الفتيات العصريّات بالعودة إلى الأزياء العربيّة والأكسسوارات الشّرقيّة الأصيلة، لأنّ الأزياء العربيّة هي «الجديد» في عالم الموضة العالميّة. لن تتخيّلي كم تلفت جواهرنا الفضّيّة والأحجار الكريمة وأكسسواراتنا العربيّة بعامّةٍ أنظار الأجانب الذين يدفعون ثمنها ثمن قطع الذّهب التي نشتريها. مادونا وليدي غاغا مثلاً من الفنّانات الأجنبيّات اللّواتي لبسنَ البرقع على الرّغم من أنّهما ليستا عربيّتَين. كلّ شيءٍ مختلفٍ مرغوبٌ ويخطف الأضواء. والبرقع قطعةٌ مختلفةٌ وغير مستهلكة، لذلك تفضّله الفنّانات اللّواتي يستهويهنّ كسر المألوف. هنا يهمّني ذكر أنّ بعض عارضات الأزياء الأجنبيّات اقتنينَ براقعي وأرسلنَ إليّ صورهنّ في مناسباتٍ عالميّةٍ في باريس.

يجب العودة إلى الأزياء العربيّة والأكسسوارات الشّرقيّة الأصيلة

هل يختلف تصميمك للبرقع من وجهٍ إلى آخر، وما أبرز الأكسسوارات والخامات التي تدخل في عملك؟

لا تختلف تصاميمي حسب شكل الوجه، ولكن قد تختلف في الحجم ومدى عرض الخطّ الفاصل بين العينَين الذي يُسمّى بـ «السّيف». فكلّما كان أنف المرأة أعرض، أجد أنّه من الأفضل أن أجعل «السّيف» أعرض، لأنّي أريد إبراز جمال العينَين بأكبر قدرٍ مُمكن. أمّا عن الخامات، فأنا أستخدم المخمل بعامّة، والجلود الطّبيعيّة الفاخرة، وجلد التّمساح والأفاعي، والزّجاج، والجبس، والبلاستيك، والحديد، والذّهب، والرّيش والكريستال. الأشكال التي أزخرف بها مختلفة، إلاّ أنّني أميل كثيراً إلى لمسة الأنوثة والقطع المُرهفة مثل الفراشات والورود.

ما أغلى برقعٍ صمّمته؟ وهل تعملين بقطعٍ فرديّة أو مجموعاتٍ موسميّة؟

أغلى برقعٍ صمّمته كان ثمنه عشرين ألف درهم (أيّ ما يقارب 6 آلاف دولار). السّعر يختلف حسب المادّة المستخدمة لصنع البرقع (من الذّهب أو الفضّة أو معادنَ أخرى) أو نوع الخامة أو القماش، وأيضاً الأحجار، إن كانت ألماساً أو سواروفسكي أو كريستالاً زجاجيّاً أو أحجاراً كريمة. الفتاة هي التي تحدّد الموادّ التي ترغب فيها بحسب ميزانيّتها. أنا أصمّم غالباً قطعاً فرديّةً ولكنّي أطرح أيضاً مجموعةً في كلّ موسم، إنّما أنا مقلّةٌ من إنتاجي نظراً إلى الجهد الذي يحتاجه كلّ تصميم، خصوصاً أنّه يدويٌّ 100%من أجل ضمان التّفرّد واللّمسة الفنّيّة.

منتج جماليّ

هل ثمّة طريقةٌ محدّدةٌ للبس البرقع أو تقنيّةٌ خاصّةٌ لتثبيته على الوجه؟

يختلف ذلك وفقاً لشكل التّصميم، في الغالب تُصنع البراقع من خامةٍ جامدةٍ يضمن ثباتها رباطٌ يُطوّق الرّأس من الخلف. أمّا عن لبسه، فأنا أقدّمه كمنتجٍ جماليٍّ يكشف الحاجبَين والفاه ولا يُقيّد المرأة في أمورٍ أخرى ككشف شعرها أو شكل لبسها.

هل يُمكن لبس البرقع مع الجينز مثلاً؟

يُمكن لبسه مع أيّ زيٍّ أنيقٍ وجميل. معظم براقعي تفرض على المرأة أن ترتدي الفستان لأنّها فاخرة، بالرّغم من أنّني صمّمتُ براقعَ عمليّةً يُمكن ارتداؤها مع جينز، لكن حينها أفضّل أن ترتدي الفتاة عباءةً مفتوحةً فوق الجينز لتكتمل أناقتها.

اندماج ثقافتَين

براقعي تُناسب كلّ نجمةٍ جريئةٍ ومتميّزةٍ

مَن النّجمة التي ترَين أنّ منتجك يليق بها؟

يتطلّب من النّجمة أن تكون سابقةً إلى عالم الموضة كي تتجرّأ على لبس البرقع العصريّ. النّاس بعامّةٍ لا يدركون مدى تأثير الأزياء في «صنع» النّجم. الشّيء الذي ميّز النّجمة «ليدي غاغا» هو أزياؤها وقبّعاتها التي صمّمها لها المصمّم الرّاحل ألكسندر ماكوين. لذا، إنّ براقعي تُناسب كلّ نجمةٍ جريئةٍ ومتميّزةٍ وتمتلك عينَين جميلتَين مثل عينَي هيفاء وهبي، وميريام فارس، ومايا دياب، وأحلام، وليدي غاغا، ومادونا، وكيتي بيري، وبيونسي ونيكي ميناغ.

تجمعين في حياتك ثقافتَين لبلدَين مختلفَين، فوالدك إماراتيّ وأمّك كنديّة، فكيف تمكّنتِ من توظيف هذا الاختلاف لصالح دمج أفكارك بين العربيّ والأجنبيّ في تصاميمك؟

أعتقد أنّ مشروعي «برقع عبوري» هو أفضل نموذجٍ فنّيٍّ على اندماج ثقافتَين، حيث أعمل على شيءٍ أصيلٍ في ثقافتنا مع لمسةٍ عصريّة.

إلى أين يُمكن أن تصلي بتصاميمك؟

أتمنّى أن أصل إلى العالميّة، ويُصبح البرقع بديلاً عن القناع التّنكّريّ الأجنبيّ المعروف بـ venetian masquerade masks  والوحيد حاليّاً، على أن يكون قطعةً تجميليّةً ليست للتّنكّر. علينا أن نُحيي أزياءنا الشّرقيّة في موضتنا لكنْ بلمسةٍ عصريّة، فملابسنا اليوم لا تُشبهنا!

مقالات قد تثير اهتمامك