لماذا يبكي طفلي؟

لأن الصّحّة النّفسيّة جزءٌ لا يتجزّأ من الصّحة الجسديّة؛ التي فعلاً لا تكتمل من دونها، ولأنّ تكوين شخصيّة الفرد ناتجٌ بدرجةٍ كبيرةٍ عن عمليّات التّعلّم التي يمرّ بها خلال تفاعله مع البيئة خصوصًا في فترات الطّفولة؛ تُكمّل "الحسناء" مَهمّتها التي أرادتها لتعزيز صحّة أطفالنا جسديّاً ونفسيّاً.

تعود إلى البيت مع مولودها حاملةً معها شعوراً بالقلق من تأدية دورها كأمّ. تنظر إلى طفلها متسائلةً: ما هي الطّريقة الأفضل لحمله؟ ما العمل عندما يبكي من دون توقّف؟ كيف يُمكن أن أساعده على الهدوء؟.... تساؤلاتٌ عدّةٌ تزيد من توتّر الأمّ وشكّها في أمومتها.

الكثير من الباحثين تحدّث عن أهميّة العلاقة التي تنشأ بين الطّفل وأمّه، ومن أبرزهم إريكسون، الاختصاصيّ الأميركيّ في التّحليل النّفسيّ، الذي تحدّث عن تلبية الأمّ لحاجات طفلها والاستجابة لبكائه، من أجل أنْ تُصبح محطّ ثقةٍ ومصدر أمانٍ بالنّسبة إليه، فالطّفل يعيش خبراته الأولى برفقة أمّه، أيْ عندما يثق بها يتعلّم أن يثق بالآخرين.

ضرورة فهم لغة طفلكِ

إن كيفيّة العناية بالطّفل، أيْ حمله، وإطعامه ومساعدته على النّوم، تؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على تفاعله مع أمّه. لكنّ الأهمّ هو أن تستجيب الأمّ لحالات الانزعاج والبكاء التي يمرّ بها صغيرها، فهو في هذه الأوقات بالذّات، يُعبّر عن حاجته لتواجدها قربه.

بهدف مساعدة الأمّ على فهم لغة طفلها عندما يبكي، نقدّم لمحةً عن أنواع البكاء لدى الأطفال، واختلافها بحسب حاجات الطّفل:

بكاء الجوع:

يبدأ بصوتٍ منخفض، وكأنّ الطّفل ينادينا من أجل الاعتناء به وتقديم الطّعام له. هذا البكاء تتخلّله فتراتٌ من الهدوء تدوم في البداية بين الدّقيقتَيْن والثّلاث دقائق، حتّى نصل إلى ثوانٍ قليلة.

كما تُرافقه حركاتٌ هي بمثابة مؤشرّاتٍ لحالة الجوع، مثل وضع الأصبع أو اليد بأكملها في الفم، عضّ الشّفتيْن إلخ...، بالإضافة إلى البكاء في أوقاتٍ لا يشعر خلالها الطّفل بالنّعاس وفي ظروفٍ مريحةٍ له.

بكاء النّعاس:

هو يظهر في التّوقيت نفسه تقريباً في كلّ يومٍ وفي الأوقات المخصّصة للنّوم. نلاحظ أنّ حدّة البكاء ترتفع في غضون دقائقَ قليلة، مع ازدياد الاستياء والصّراخ عندما نحاول إلهاء الطّفل بنشاطٍ معيّنٍ أو بلعبه.

بكاء الألم:

يبكي الطّفل فجأةً بصوتٍ مرتفعٍ في الأوقات غير المخصّصة لإطعامه أو لخلوده إلى النّوم. بإمكانه حتّى أن يستيقظ من نومه ويشرع بالبكاء الذي قد يكون شبيهاً بحالة الهلع. ولا يتوقّف البكاء إلاّ مع زوال الإحساس بالألم، وقد يصل إلى عشرين دقيقةً أو نصف ساعة، يهدأ خلالها الطّفل لثوانٍ قليلةٍ ليعود ويتابع بكاءه بالقوّة نفسها.

التّواصل الشّفهيّ والحَركيّ

التّواصل السّليم مع الطّفل هو أمرٌ فائق الأهميّة ولا يتطلّب مجهوداً من الأمّ.

يكفي أن تنظر إلى طفلها مع ابتسامةٍ وأن توجّه له الكلام بصوتٍ هادئٍ لكي يهدأ، أو بأسلوبٍ حماسيٍّ لكي يتفاعل معها. وكلّما نجحت في نقل الإحساس بالأمان لطفلها، كلّما خفّفت من ردّات فعله السّلبيّة وزادت من ثقته بها.

أمّا التّواصل الشّفهيّ مع الطّفل، فهو يوازي أهميّة التّواصل من خلال الحركات وتعابير الوجه. إنّ الأهل الذين يُحدّثون أطفالهم منذ الشّهر الأوّل من عمرهم، يعطونهم حافزاً للتّواصل اللّغويّ مع محيطهم. فالطّفل يكتسب القدرة على الكلام من خلال جُمَلٍ يستمع إليها من محيطه. لذلك، عندما يبدأ بالمناغاة في شهره الثّاني، علينا الاستجابة له من خلال إصدار أصواتٍ طفوليّةٍ تُشبه الأصوات التي يُصدرها هو.

في شهره السّادس أو السّابع، عندما يبدأ نطق كلماته الأولى التي تتألّف من حرفين، مثل "ماما"، و"بابا" و"تاتا"، ننصح الأهل بتكرار هذه الكلمات التي لا يفهم طفلهم معناها في المرحلة الأولى، وذلك بهدف تشجيعه على تكرارها بدوره والزّيادة من تواصله معهم من خلال اللّغة المحكيّة.

وفي أواخر العام الأوّل، يُصبح في إمكان الأهل أن يتفاعلوا مع أطفالهم من خلال الألعاب التّثقيفيّة المُمْتعَة التي تساهم أكثر فأكثر في تحسين التّطوّر الحسّي لديهم، وتزيد من معلوماتهم، وتكون بمثابة تمارينَ تُساعد بشكلٍ مباشرٍ على تطوير قدرتهم على الانتباه.

التّفاعل الحسّيّ والعاطفيّ والكلاميّ

إنّ الأطفال الذين يعيشون في جوٍّ من التّفاعل الحسّي، والعاطفيّ والكلاميّ مع ذويهم تكون لديهم فُرَصٌ أكثر من غيرهم لاكتساب اللّغة المحكيّة في عمرٍ مبكّر. كما أنّهم يكونون قادرين على تهدئة أنفسهم كونهم يشعرون بالأمان، ما يخفّف من توتّرهم من دون أن يلغيه كليّاً. كذلك تكون لديهم الفرص لتطوير قدراتهم الفكريّة، والقدرة أكثر من غيرهم على فهم الرّسائل التي يوجّهها الأهل إليهم من خلال حديثهم وتعابير وجههم. ولذلك نراهم في معظم الأحيان قادرين على التّجاوب مع محيطهم في عمرٍ مبكر.

وأخيراً هم يكونون أقلّ عُرضةً للاكتئاب من أطفالٍ آخرين.

مقالات قد تثير اهتمامك