التعايش مع فرط النّشاط ونقص الانتباه

 إنّ الانتباه وظيفةٌ إدراكيّةٌ أساسيّةٌ تقود بدورها إلى وظائفُ ذهنيّةٌ ضروريّةٌ من أجل فهم الأمور واستيعابها.

وتنظيم الأمور التي نتلقّاها بواسطة حواسنا أمرٌ يتطلّب درجةً كافيةً من الانتباه. وما دام تنظيم المعلومات التي تُنقَل إلى التّلميذ على الصّعيدَين البصريّ والسّمعيّ هو شرطٌ أساسيٌّ من أجل تصنيفها ذهنيّاً واستعمالها عند الحاجة، يُصبح الانتباه بدوره شرطاً للنّجاح في المهمّات الأكاديميّة والثّقافيّة.

المثل الآتي يوضح ما تحدّثنا عنه آنفاً: يستمع الولد وهو في الخامسة من عمره إلى قصّة "بياض الثّلج" فيتعرّف إلى شخصيّاتها ويُعطي لكلٍّ منهم الدّور المناسب بحسب القصّة.

هكذا يفهم القصّة ويُعيد تفاصيلها التي تمرّ على شكل صورٍ وحوارٍ يتمّ على الصّعيد الذّهنيّ، فيُعبّر عن خوفه من السّاحرة لأنّها شريرة، وعن تفضيله لـ بياض الثّلج والأقزام كونها شخصيّاتٍ صالحة. بهذه الطّريقة يشعر الولد بالاكتفاء كونه قد عبّر عن أفكاره ومشاعره، وكونه قد تواصل مع الآخر حول القصّة التي تلقّاها

دور الأهل في تطوير الانتباه

يُساعد الأهل أطفالهم على تطوير الانتباه لديهم منذ شهرهم الثّاني، وذلك بالتّواصل معهم إنْ كان بواسطة النّظرات والابتسامة أو التّحدّث إليهم. إنّ تفاعل الطّفل مع ذويه أوّلاً، وتلقّيه المثيرات الحسيّة التي تقدّمها له الألعاب والأغراض المحيطة به ثانياً، أمران أساسيّان يلعبان الدّور الأكبر في تطوير الانتباه لديه.

وكلّما تقدّم الطّفل في السّنّ، تعدّدت وتنوّعت مصادر الإثارة المحيطة به، وصولاً إلى العامَين الرّابع والخامس حيث يعشق التّعبير عن أفكاره ومشاعره بالكلام، ويُحبّ الاستماع إلى القصص، ويتحمّس لتأدية نشاطاتٍ أكاديميّةٍ لم يكن قد تعرّف إليها في المرحلة السّابقة. إذاً، يكون الأطفال في هذه الأعمار قادرين على التّركيز على أي نشاطٍ أكاديميٍّ كالرسم، واختيار أشكالٍ مناسبةٍ بحسب السّؤال الذي يوجّه إليهم، وتعرّف الأحرف والبدء بكتابتها إلخ...

اضطرابٌ سلوكيٌّ أكثر شيوعاً

مع دخول الطّفل إلى المدرسة، قد تُلاحَظ بوضوحٍ بعض الاضطرابات السّلوكيّة التي كانت قد ظهرت بوادرها في مراحل الطّفولة المُبكِّرة. ويُعدّ فرط النّشاط ونقص الانتباه الاضطراب السّلوكيّ الأكثر شيوعاً الذي يظهر قبل السّنوات السّبع. ويتمحور تشخيصه حول ثلاث نقاطٍ أساسيّة:

  • زيادة الحركة بطريقةٍ مبالغةٍ تُؤثّر سلباً في حياة الطّفل اليوميّة، وفي تواصله مع أفراد العائلة والأصدقاء.
  • الاندفاع وعدم التّفكير قبل ارتكاب الأفعال.
  • مشاكلُ في الانتباه أثناء النّشاطات الأكاديميّة والمنزليّة.

ويستند التّشخيص إلى ظهور الأعراض ظهوراً مُزمناً فترةً أقلّها ستّة أشهر، مع تأثيراتٍ مباشرةٍ على حياة الطّفل المنزليّة، والمدرسيّة، والاجتماعيّة

تشخيص فرط النّشاط

تُشخَّص حالة فرط النّشاط بوجود المؤشّرات السّتّة الآتية:

1. تعرّض الطّفل للمخاطر نتيجة المغامرة في تصرّفاته: يركض بعشوائيّة، ويتسلّق، إلخ...

2. عدم التّقيّد بالتّعليمات أثناء ممارسة نشاطاتٍ أو ألعابٍ معيّنة إذ لا يكفّ عن الحركة المبالغ فيها والمزعجة.

3.الاندفاع في الحديث وفي السّلوك: يُقاطع الولد الآخرين باستمرارٍ بهدف فرض نفسه.

4.الصّعوبة في الانتظار أو تأجيل أمرٍ معيّن.

5.التّسرّع في إبداء ردّات الفعل في ظروفٍ تتطلّب التّروّي.

6.الحركة العشوائيّة وشبه الدّائمة.

شخيص نقص الانتباه

أمّا نقص الانتباه فيُشخّص في حال وجود على الأقلّ ستّةٍ من المؤشّرات الآتية:

1.عدم القدرة على مواصلة التّركيز أثناء القيام بنشاطاتٍ أكاديميّةٍ أو ترفيهيّة.

2.عدم التّمكّن من الانتباه إلى التّفاصيل، الأمر الذي غالباً ما يؤدّي إلى أخطاءٍ ناتجةٍ عن "الطّيش".

3.عدم التّمكّن من تنظيم الوقت بين الواجبات المدرسيّة ونشاطات التّرفيه.

4.تجنّب الأعمال التي تتطلّب مجهوداً ذهنيّاً كالواجبات المدرسيّة، والألعاب التّثقيفيّة.

5.عدم القدرة على إنهاء النّشاطات الفكريّة التي يبدأُها بسبب البطء والتّعب.

6.شرود الذّهن لدرجة أنّ الطّفل يعطينا انطباعاً أنّه لا يسمعنا عندما نوجّه إليه الحديث.

7.عدم اتّباع التّعليمات سواءٌ في الواجبات المنزليّة أو الأكاديميّة.

8.سهولةٌ ملحوظةٌ في فقدان التّركيز عند التّعرّض لمثيراتٍ حسّيّة.

9.عدم الحفاظ على الأغراض الضّروريّة المُستخدمَة سواءٌ في المدرسة أو في البيت.

العلاج الإدراكي والسّلوكيّ
ضرورةٌ قصوى

العلاج السّلوكيّ هو الأكثر فعاليّةً في حالات فرط النّشاط ونقص الانتباه، ويهدف إلى التّخفيف من السّلوكيّات غير المرغوب فيها التي تؤدّي إلى مشاكلَ متكرّرةٍ في العائلة وضمن المدرسة.

فيتابع معالجٌ نفسيٌّ الولد ويُعلّمه كيفيّة تقييم أفعاله قبل العبور إليها، وكيفيّة الحدّ من اندفاعه بحسبان العواقب التي تنتج عن فعلٍ معيّن، وكيفيّة استبدال ردّات فعله غير المرغوب فيها بردّات فعلٍ أخرى أو تصرّفاتٍ يُعبّر بها عن مشاعره من دون تهوّرٍ أو التّسبّب بالأذى للآخرين.

هذا ونشير إلى أنّ العلاج الإدراكيّ والسّلوكيّ هو ضرورةٌ قُصوى لا يلغيها أبداً العلاج بواسطة الدّواء.

في الختام، نُشدّد على الأمور الأساسيّة في البرنامج السّلوكيّ المُتّبع:

  • تضخيم نقاط القوّة لدى الطّفل ولفت النّظر إليها.
  • اتّباع روتين في ما يخصّ النّشاطات اليوميّة مثل الاستحمام، وتناول العشاء، وارتداء الملابس، إلخ...
  • اتّباع تعليماتٍ بسيطة، واضحةٍ ومحدودة، في كلّ مرّةٍ نطلب فيها من الطّفل القيام بأمرٍ ما.
  • اعتماد أسلوب المكافأة والعقاب، على ألاّ يُعاقَب الولد بسبب كثرة حركته، وإنّما بسبب خرقه للقوانين المُعرّف عنها سابقاً.
  • تحديد وقت الواجبات المدرسيّة باستعمال ساعة المنبّه التي تُحَدَّد بواسطتها أوقات الرّاحة. مع التّشديد على عدم ممارسة الضّغوطات على الطّفل.
  • إيجاد وسائلَ ملموسةٍ من أجل توحيد المعلومات للطّفل مثل استخدام عددٍ من الملاعق أو مجموعةٍ من الفاكهة لشرح درس الرّياضيّات.
  • الحرص على أنْ يفهم الطّفل ما هو بالتّحديد المطلوب منه قبل أن يبدأ تمريناً معيّناً.

ما قدّمناه ليس إلاّ لمحةً عن حالة فرط النّشاط ونقص الانتباه، مع حرصنا الشّديد على توضيح مختلف جوانب هذا الاضطراب السّلوكيّ الذي أصبح التّعايش معه اليوم ممكناً شرط أن يُتابَع الولد جدّيّاً وذلك بهدف السّعي إلى معالجة الأعراض السّلوكيّة والأكاديميّة، لتطوير الحالة إيجابيّاً.

 

 

 
 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات قد تثير اهتمامك