رحيل النحّاتة الإستثنائية سلوى روضة شقير عن مئة عام

سلوى روضة شقير رائدة التجريد في النحت في لبنان والعالم العربي، رحلت بالأمس في 27 كانون الثاني/يناير، عن مئة عام وأشهر، عاشت وشهدت بعد مرحلة من عدم استعياب لثقافتها في محاكاة الحجر والريشة إلا من نخبة، شهدت الاعتراف بإبداعها الفذّ عالمياً، فأعمالها تعرض اليوم في أهم متاحف العالم وغاليرياته جنباً إلى جنب مع رواد الحداثة في الغرب.

تجاربها الأولى نابعة من تجارب فنانين لبنانيين بارزين من الرعيل الأوّل. تتلمذت على يد مصطفى فروخ وعمر الأنسي، العام 1943 عاشت أشهراً في القاهرة فتشبّعت بجمالية فنون العمارة الإسلامية، وأعجبت بفلسفتها، فأضحت فيما بعد أول من لفت الانتباه إلى أهمية المنطلقات الفلسفية السائدة في الفنون التجريدية الإسلامية، ولمّا قصدت العاصمة الفرنسية بعد خمسة أعوام لتدرس الفن، تعرّفت إلى حركات الفن التشكيلي الحديث والمعاصر، قاربت التجريد الهندسي بشكل ملموس العام 1950 عندما عملت في محترف Dewasne Jean وPillet Edgard كمساعدة إدارية مسؤولة عن إعداد مقابلات مع فنانين وتحضير المحاضرات واللقاءات الثقافية. هكذا اكتسبت ركائز نظريات التجريد الهندسي الفرنسي، فاستخدمتها في مرحلة أولى في الرسم.

أقامت سلوى معرضها التجريدي الأول في باريس في "غاليري Colette Allendy " (العام 1951) ومن ثم في صالون الحقائق الجديدة، وهناك تعرفت على أبرز فناني التجريد الهندسي في المدرسة الباريسية

إذاً حظيت شقير بتجربة رائدة استطاعت من خلالها تثبيت قدميها على صعيد الفن التشكيلي العربي. كما جعل لها فكرها الوقّاد والثقافة التي خزّنتها فلسفة خاصة بها في الشكل وفي تحريض المادة وفي تحويلها لتستقي منها الفن والشعر والخط العربي.

ابنة بيروت التي ولدت العام 1916 ، حدّدت التأثيرات المباشرة على تشكيلها، هي التي قالت في إحدى المقابلات المصورة «كل القواعد التي أخذتها أنا، كلها ناابعة من الدين الاسلامي، ومن النسب (الهندسية) الاسلامية. جلتُ في شوارع القاهرة، والجوامع كلها، ووجدت نظرتي التي أريد، في تلك الأيام. لكن لم يكن وارداً لدى أحد أن أعود لأستعمل الهندسيات، ولم يكن وارداً عندي، لكنني كنت سعيدة جداً!"

لغة سلوى روضة شقير بصرية رياضية هندسية صوفية،عُرفت بمواقفها المبنية على قناعة مطلقة بالأسس الحسابية للفن الإسلامي، ورفضت منذ البداية نقل الواقع، مُستغنية عن كل مرجعية أيقونية أو رمزية. كما اشتهرت بمنحوتاتها المركبة من قطع عدة تتفكك أو تتراكم حتى اللانهاية، مثلما تتفكك أو تتراكم أبيات القصيدة العربية.

سلوى روضة شقير، ترحل اليوم دون أن تغيب، حاضرة أبداً في المتاحف والساحات وصالات الغاليريات حول العالم  في الحجر والخشب، في المعدن والبرونز وفي كل مادة جرّدتها بمخزون فكري استثنائي.

مقالات قد تثير اهتمامك