هلاّ أصغيتِ لولدكِ المراهق...!

هلاّ أصغيتِ لولدكِ المراهق...!

الحديث عن الحياة الجنسيّة مع المُراهقين مُهمّة، لكنّه أحياناً يكون مطبّاً يُفرض تقليديّاً على الأهل. منذ فترةٍ قصيرة، كانت القِيم الدينيّة والأخلاقيّة المُلتصقةِ مواضيعها بالحياة الجنسيّة، تُعاضد «بوعظها» الأهل. أمّا اليوم، فإنّ الجنس يغزو شاشات التلفزة، والإعلانات والإذاعات، ويتمّ الحديث عنه أيّنما كان. في هذه الظروف، يبدو إيجاد الكلمات لنقل الرسالة المُناسبة من دون تضييق ومن دون تَساهل، مأزقاً حقيقيّاً للأهل. 

«ابنتي تسخر منّي عندما أتحدّث معها في الجنس» راغدة (48 عاماً) تُدلي بشهادتها لـ «الحسناء» قائلةً: «منذُ بلوغ ابنتي مرحلة الطمث، لا أستطيعُ حتّى مرافقتها لشراء حمّالة صدر. أقلّ نقاش بيننا ينحرف إلى مأساة». وتُضيف هي ترفضني وتُبعدني عنها في كلّ مرّةٍ أطرح فيها عليها سؤالاً. لا أعرف كيف أتصرّف! الجنس ناتىء أيّنما كان! هل شاهدت الإعلان عن الثياب الداخليّة للنساء! المرأة أصبحت سلعة جنسيّة ولا شيء غير ذلك! يكفي أن تُديري الراديو على إذاعةٍ ما حتّى تسمعي كلّ أنواع التفاهات. أريدُ من كلّ قلبي أن أقدّم لابنتي صورة إيجابيّة عن الحياة الجنسيّة، لكن يبدو أنّ مجرّد التواصل معها غير مُمكن. عندما أحاولُ طرح الموضوع معها، تسخرُ منّي وتدّعي أنّها تعلّمت كلّ شيء في المدرسة، لا بل جرحتني في إحدى المرّات عندما أجابتني بوقاحة أنّني أصبحتُ عجوزاً للتحدّث عن هذه الأمور. أليس دور الأهل يكمُن في إعطاء التربية الجنسيّة لأولادهم؟ وهل التعلّم في المدرسة كافٍ؟ أيستطيعُ أولادنا بناء مفهوم حقيقيّ عن الحياة الجنسيّة من دون مُساعدتنا ودعمنا؟».

د. ساندرين تُجيب:

«في مرحلة المراهقة، التواصل صعب ومعقّد»
عزيزتي راغدة،

لكِ كلّ الحق بأن تتساءلي عن هذا الموضوع. في الواقع، ليست المدارس إطلاقاً هي التي تتوصّل إلى تصحيح الصورة المشوّهة عن الحياة الجنسيّة التي تبثُّها وسائل الإعلام. فالحصص المدرسيّة عن التربية الجنسيّة، إن وُجدت، تنحصرُ غالباً في دراسة الإنجاب الحيوانيّ ثمّ الإنسانيّ. محتوى هذه المُقاربة بالأساس بيولوجيّ واستعلاميّ، وأغلب الطلاّب الذين يحضرون هذه الحصص، يتساءلون عن الشعور الذي يحملهُ هذا الموضوع، أحياناً باستخفاف، من دون إثارة السؤال الحقيقيّ الذي يحيطُ بهذه المُداخلات، مُتجنّبين أيّ شكل من أشكال الالتزام العاطفي. تختزلُ الحياة الجنسيّة التي تُعرض في المدارس بمظاهرها البيولوجيّة، بحيث يطغى العرض الموضوعيّ على ما عداه من نقاش ذي مقلبٍ عاطفيّ. ومع ذلك، نرى في هذا الجوّ رهاناً أساسيّاً على النضوج النفسيّ - الجنسيّ عند المُراهق، بدل إقامة رابط بين الجنس والشخص. هكذا، يعود إليكِ مهمّة مساعدة ابنتكِ على إدراك الحياة الجنسيّة ببُعدها الإنسانيّ. 

مع ذلك، الكلّ موافق على أنّه في مرحلة المراهقة، يبدو التواصل صعباً ومُعقّداً. هذا الأمر يعود إلى أنّ البلوغ هو انقلاب مهمّ جدّاً يؤدّي إلى ترنّح كلّ المعايير التي بناها الطفل لنفسه. الرهان الأساسيّ لهذه المرحلة أن يتناغم المراهق مع دوافعه الجسديّة وينجحُ بدمجها مع شخصيّته. الدخول في الحياة الجنسيّة يُنشّط في قلب العائلة مشكلة «أوديب». على المراهق تبديل اتّجاهه عن أهله واقتراح أشياء أخرى لرغبته. الحياة الجنسيّة هي المجال المُتميّز لإثبات المُراهق وجوده كناضج تجاه أسرته بشكلٍ خاص.

دوركِ كأم

 إنّ الدور الأساسيّ للأهل، أثناء مسيرة المراهقة، هو دور المرافقة الذي يفترض الإبقاء الثابت على حوارٍ يضمن الرابط التربوي! المراهقة تبدأ مع نشوء حاجات جديدة تدخل غالباً في نزاعٍ مع ضغط الأهل أو مع الموانع التي يضعونها، وتُترجم حينئذٍ بثورةٍ ضدّ السّلطة. في الواقع، يُجبر المراهق غالباً على تغيير وجهة دوافعه الجديدة إلى العدائيّة، ممّا يُحتّم على أهله مساعدته لحسم هذا الانتقال الصعب بواسطة الحوار المُتجدّد بلا إنقطاع ولا يُرسله أبداً إلى أجوبة جاهزة. ردّات فعل ابنتكِ هي في الحقيقة عنيفة لكنَّها تعكسُ حاجتها للإنطلاق وبناء ذاتها. رافقيها طيلة فترة النضوج هذه التي تبدو صعبة عليك وعليها، مستبقيةً التواصل على الرغم من رفضها الظاهر له.

مقالات قد تثير اهتمامك