أسئلة أولادنا الجنسية ليست البتة "بعبعاً"

أسئلة أولادنا الجنسية ليست البتة "بعبعاً"

منذ نعومة أظفارهم يعيش الأطفال في كنف ذويهم ويهتدون على خطاهم بصفتهم المربّين الأوائل، فيتشرّبون ثقافتهم التي لا بدّ أن تنعكس على تصرّفاتهم وما يدور في ذهنهم. 
يبدأ تصرّفهم المُكتسب بالنموّ ضمنيّاً عن طريق المُلاحظة والتقليد مثل فهم أدوار الجنسيْن وتحديد هويّتهم وعلاقاتهم مع الآخرين. 
فمع بدء اكتسابهم اللّغة، يبدأ الأطفال شفويّاً أو من خلال سلوكيّاتهم التساؤل عن القضايا الجنسيّة، فيجد كثير من الآباء أنفسهم عاجزين أمام هذه التساؤلات التي يتعيّن عليهم الإجابة عنها. 
ماذا نقول لهم؟ 
يعتمد ذلك على سنّ الأطفال وجنسهم، والحالة العاطفيّة لكلّ واحدٍ منهم، والقضايا التي تدور في بالهم، والشخص الذي توجهوا إليه بالسؤال. والاعتراض الأوّل المتوقّع من بعض الآباء والأمّهات هو: «نحن لا نتحدّث عن هذا الموضوع على الإطلاق لأنّ أطفالنا لا يسألوننا أبداً عنه». يُمكننا بسهولة الردّ بأنّ الطفل يسأل دائماً عن كلّ شيء من خلال حركاته ونظراته وكلماته، والأهمّ من ذلك أنّه لا يجرؤ على السؤال إذا كان يعلم أو يشعر بأنّ «هذا الموضوع بالذات» لا يجب تناوله البتة. من الواضح أنّ العديد من الآباء الذين لا ينعمون بعلاقةٍ جنسيّةٍ سليمة، يقومون عن غير قصد أو من دون وعي بإغلاق الباب على هذه المواضيع من دون أن يدركوا ذلك. فيسعى الطفل عندئذ إلى إيجاد الإجابة في مكانٍ آخر، أحياناً مع أصدقائه، وفي الحالات الأخطر يبحث عن الإجابة في مخيلته التي تولّد أوهاماً بعيدةً عن الواقع لاسيّما إذا كان يعاني من الكبت في المنزل. الأمر يُصبح أسهل إذا أجاب الأب أو الأمّ أو الاثنان معاً بحريّة وعفويّة عن تساؤلات طفلهم وحتّى منذ مراحل الطفولة المبكّرة، وذلك باستخدام الإيماءات والنظرات بخاصّة وإنْ كانت قدرة استيعاب طفلهما ستكون محدودة في هذا العمر المبكر.  
معرفة الشخص حدوده
 تسأل مايا (23عاماً): «تزوّجت في سنٍّ مبكّرة جدّاً وحملتُ في وقتٍ قصير. عشنا فترة زواج دامت 7 سنوات نتج عنها 3 أطفال. توفي زوجي منذ مدّةٍ وجيزة، ووجدت نفسي وحيدة، عاجزة بسبب صغر سنّي أو جهلي بالأمور الجنسية، عن مناقشة هذه الأمور مع أطفالي الذين يطرحون الأسئلة بعفويّة وباستمرار. لذلك أردّ عليهم ضاحكةً: «هذا موضوع مهمّ، ولكن أعطوني فرصة لأفكّر فيه مليّاً قبل أن أجيب عن أسئلتكم». أشعر أنّني فشلت في دوري كأمّ، ولكنْ في الوقت نفسه كيف لي أن أتحدّث عمّا لا أعرف عنه شيئاً تقريباً؟”.
في حالاتٍ مماثلة، قد يخالجنا الشعور نفسه الذي أحسّته مايا كالارتباك والإحراج من أسئلة أطفالها الملحّة. هنا يجب ألا نتردّد في الاعتراف بحدود معرفتنا أمام الأطفال والحالة العاطفيّة التي نمرّ بها  بدل أن نبحث عن إجابات معلّبة لننهي بها سيل النقاش. وعند الحاجة، يُمكننا الاعتماد على كُتُب التربية الجنسيّة للأطفال، التي تتميّز بعامّة بطريقةٍ سلسة في وضع المعلومات في متناول الأطفال والإجابة عن كلّ تساؤلاتهم بشكلٍ كامل وسليم. 
مرافقة الأطفال 
قلّة من الآباء يدركون حقّاً أهمية البدء بتزويد أطفالهم بالمعلومات حول الحياة والحبّ في سنٍّ مُبكّرة، أيْ منذ سنّ 4 سنوات، إذ لا يوجد سنّ معيّنة لإجابة الأطفال عن أسئلتهم. لكن علينا الأخذ بعين الاعتبار أنّ الأطفال في هذه السنّ يفهمون الكثير من الكلمات التي يستخدمها البالغون، لذلك يجب توخّي الحذر وتقديم إجابات صحيحة وكاملة تتطرّق فقط إلى الجانب الذي يهمّ الطفل بعمر 4 سنوات.  فمثالاً، يجب ألا نُخفي عنه كيفيّة الحمل والولادة وتسمية الأعضاء الجنسيّة أو حتّى توصيف اللّقاء الرومانسيّ بكلماتٍ يفهمها. لكن في المقابل، ليس هناك من سبب للحديث عن العلاقات الحميمة مثلاً أو عمليّة الولوج أو حتّى ممارسة العادة السريّة التي هي حقائق هامّة يجب أن يتعرّف إليها لكنْ في سنٍّ أكبر. 
اهتماماتهم الرئيسيّة
بفضل تشجيع الوالديْن، سيتمكّن الطفل من الإجابة عن الأسئلة الأساسيّة التي تراوده: «من أين أتيت؟» (من والدي)، «من أكون؟» (فتى أو فتاة)، «إلى أين أنا ذاهب؟» (إلى سنّ الرشد)... نذكر، هنا أنّ أهمّ مصادر الخوف والجهل التي تتطلّب كلّ الاهتمام من الآباء والأمّهات هي الأسئلة التي تراود الأولاد في مرحلة الطفولة حول مسألة الأصل ويحاولون دائما العثور على إجابات مطمئنة: «كيف يتكوّن الأطفال؟» (أيْ كيف ولدت؟)، ثمّ قبل سنّ البلوغ، يتساءل الولد عن تحوّلاته الجسديّة وسلوكه الجديد: «ما هي العادة الشهريّة؟» و«لماذا أشعر بأنّ بي حاجة للاستمناء؟».
من المهمّ أن يتّفق الأبوان على طريقة تربية الأطفال لاسيّما لناحية الأخلاقيّات الشخصيّة والمعتقدات وتفاهمهما حول طريقة معالجة هذا الموضوع الحسّاس. فالاختلاف في الآراء قد يؤثّر على نفسيّة الطفل فيشعر أنّه مقسوم إلى نصفيْن متناقضيْن غير متناغميْن وفي حال عداءٍ دائم. وبالإضافة إلى ذلك، من الضروريّ أن يمنح الأهل طفلهم تربيةً تتكيّف مع الحقبة والمكان اللّذيْن ولد فيهما الطفل وليس بحسب الصورة النمطية الموروثة عن أهلهم. 
كيف نقول لهم؟
بأكثر طريقة مُبسّطة وطبيعيّة مُمكنة. 
وضع حدّ للأكاذيب
تتساءل (رنا 35 عاماً): «بلغ ابننا سنواته السّبع. هو خجول لكنّه غايةً في الذكاء. لحُسُن الحظ أنّه لم يوجّه إلينا هذا النوع من الأسئلة المُقلقة حتّى الآن حول الحياة الجنسيّة وما إلى ذلك من الأسئلة الفضوليّة التي يطرحها الأطفال من عمره. لكن، في الأسبوع الماضي، وجدته يراقبنا أنا ووالده خلال علاقتنا الحميمة من خلال شقّ الباب، فشعرت بذهولٍ شديدٍ، وعندما سألته عمّا رآه ابتسم ولم يتفوّه بكلمة. وفي لحظة ارتباك، قلتُ له إنّني ووالده كنّا نلعب المصارعة في السّرير. لكنّ والده يعتقد أنّه كان ينبغي ألا أقول شيئاً وأتجاهل الحادث. فهل سيُصاب ابني بصدمةٍ لما رآه؟ هل يُمكنه فهم الحياة الجنسيّة في سنّه هذه؟».
شهادة رنا تُظهر كيف يُمكن لطفل محروم من المعلومات حول الحياة الجنسيّة البحث عن إجابات لأسئلته من خلال التجسّس البصريّ الذي سيعوّض له نقص الكلمات التي تبادلها مع والديه حول هذا الموضوع. لكن هذا الوضع يُشكّل عائقاً أمام نموّه. أوّلاً، لأنّ رؤية الأشياء لا تعني بالضرورة فهمها بخاصّةٍ أنّ مُمارسة عادة «النظر» لمحاولة «اكتشاف المعرفة» قد تنمّي فيه عادة «التجسّس» السيّئة التي يصعب التخلّص منها في ما بعد.
بالإضافة إلى ذلك، إنّ الحلول المقترحة من رنا وزوجها أيْ التزام الصمت أو إدّعاء لعبة القتال، غير نافعة، فالكذب يُسبّب ضرراً تماماً كالتزام الصمت. فهذا الطفل يحتاج إلى معرفة الحقيقة بطريقةٍ تتكيّف مع عصره، إذْ يتعيّن على الوالديْن توضيح الفرق بين الجنسيْن والنشاط الجنسيّ للبالغين (إذا لزم الأمر يُمكن الاستعانة بكتابٍ مُتخصّص) وتعليمه أنّ العلاقات الجنسيّة محظورة بين أفراد العائلة وبين البالغين والأطفال، هذا بالإضافة إلى التطرّق لمشكلة الاعتداء الجنسيّ والشرح للطفل أنّ جسده ملكٌ له وحده. كذلك، يجب التفسير له أنّ حياة والديه الجنسيّة يجب أن تحظى بخصوصيّةٍ لا يجب التدخّل فيها أو التجسّس عليها ولو بنظرةٍ واحدة. وعلى الأهل إظهار احترامهما المتبادل لخصوصيّة كلّ أفراد العائلة من خلال إغلاق باب غرفة نومهما وباب غرفة الأطفال أيضاً. ففي هذه الحالة، إذا اكتشف الأطفال بالصدفة وبشكلٍ لا إراديّ أنّ الوالديْن يُمارسان علاقة حميمة، ستكون ردّة فعلهم مَرِحة وعفويّة لا تحسّسهم بالذنب أو بالعار لاكتشاف أمرٍ مريب. ويتعيّن على الوالديْن توخّي الحذر في مداعباتهم العلنيّة أمام الأطفال التي قد يكون لها تأثير سلبيّ على مخيلتهم. 
خطر عدم إظهار الانسجام
في المقابل، إنّ الوالديْن اللّذيْن لا يُمارسان علاقةً حميمةً بشكلٍ مريح ولا يظهران أيّ انسجام بينهما في العلن، قد يدفعان الأولاد للاعتقاد بأنّهما لا يمارسان الجنس أبداً. وكثيراً ما يختار الأهل الامتناع عن التحدّث عن الجنس والالتزام بالتحدّث عن الخصوبة فقط كقرب ولادة طفل جديد في العائلة على سبيل المثال. في هذه الحالة هناك خطران، الأوّل هو السماح للطفل بإطلاق العنان لمخيّلته لتصوّر كيفيّة حصول هذه المعجزة، والثاني هو تخيّل طريقة مُحرّمة لتكوين هذا الطفل الجديد. 
وكما هي حال الحياة الجنسيّة للأهل التي يجب أن تتمتّع بخصوصيّة كاملة، فإنّ قرار حمل طفل جديد هو أيضاً مُرتبط بالوالديْن فقط ولا يجب مناقشته مع الأطفال، فليس للصبيّ الصغير مثلاً أن يُقرّر أن تكون له أخت جديدة وإلاّ ما من أمرٍ يمنعه من تخيّل نفسه مع والدته في سبيل تحقيق هذا الهدف!
(غدا الحوار الجنسي مع أطفالنا بحسب المراحل العمرية)
 

مقالات قد تثير اهتمامك