وسائل التواصل الاجتماعي...

أصبحت وسائل التّواصل الاجتماعيّ من المكوّنات المهمّة للهويّة الإنسانيّة، فالمساحة الافتراضيّة دخلت في جميع أوجه الحياة المهنيّة والاجتماعيّة والعاطفيّة، وصار لها أيضاً وقعٌ لا يُستهان به على ديناميكيّة الشّريكَين، والدّليل ما نسمعه أكثر فأكثر في المعاينات العياديّة وما تظهره الدّراسات الاجتماعيّة. فما هو تأثير هذه الوسائل في حياة الشّريكَين وكيف يُمكن التّعامل معها؟

دراساتٌ عدّة، منها أميركيّة، تُبيّن أنّ  «الفيس بوك» هو أحد أسباب ما يقارب ثلث دعاوى الطّلاق. وهناك دراسةٌ أخرى كنديّةٌ تُظهر أنّ ما يُقارب ثلث مستخدمي وسائل التّواصل الاجتماعيّ أقاموا علاقةً عاطفيّةً افتراضيّةً مع غير الشّريك. وهنالك أيضاً دراساتٌ تُشير إلى أنّ الرّغبة والأداء الجنسيّ يتأثّران سلباً عند بعض الشّركاء بسبب إدخال الهواتف الذّكيّة إلى الغرفة الزّوجيّة وتحديداً إلى الفراش، ممّا يجعل بعض الشّركاء حاضرين جسديّاً بجانب بعضهم ولكن كلّ واحدٍ منهم يسرح في عالمه الافتراضيّ. أخيراً تقول دراسةٌ أميركيّةٌ إنّ أكثر من 50% من الشّركاء يعمدون إلى إنهاء العلاقة بوساطة رسالةٍ هاتفيّةٍ أو رسالةٍ عن طريق البريد الالكترونيّ أو إحدى وسائل التّواصل الاجتماعيّ بدل المواجهة وجهاً لوجه.

الفتور العاطفيّ قد يدفع الشريك إلى هذا العالم

أهمّ أسباب النّزاع العاطفي

هذه الأرقام والمُعطيات تُبيّن مدى جدّيّة تأثير هذه الوسائل في العلاقة بين الشّريكَين. في نظرةٍ سريعةٍ سنستعرض أهمّ الأسباب التي تؤدّي إلى نزاعٍ بين الشّريكَين في ما يخصّ هذه الوسائل:

  1. تمضية وقتٍ طويلٍ خلف الشّاشة الافتراضيّة: غالباً ما يُشتكى من تمضية أحد الشّركَين وقتاً طويلاً في الحياة الافتراضيّة داخل المنزل أو حتّى في المناسبات الاجتماعيّة، الأمر الذي يُشعر الشّريك بأنّه مهمل، وقد يترافق ذلك في بعض الحالات مع شعورٍ بالغيرة وعدم الأمان نتيجة هذا التّصرّف.
    هنا لا بدّ من معرفة الأسباب الدّفينة وراء هذا التّصرّف: هل يوجد فتورٌ عاطفيٌّ أو مشاكلُ مستترةٌ أو ظاهرةٌ تدفع الشّريك إلى الهروب إلى العالم الافتراضيّ بدل مواجهة الخلل ومحاولة إصلاحه؟ أو هل لدى بعض الأشخاص ميول إدمانٍ إلى العالم الافتراضيّ ما يدعو إلى التّنبيه منه/ عليه ومعالجته؟
    لا شكّ في أنّ كلّ شخصٍ له الحقّ في مساحةٍ شخصيّةٍ واقعيّةٍ أو افتراضيّة، لكنْ على هذه المساحة الشّخصيّة أن تتناغم في الوقت نفسه مع المساحة المشتركة فلا تكون على حسابها. لذا يلجأ بعض الشّركاء إلى وضع قواعدَ، منها الاتّفاق على تخصيص يومَين كاملَين في الأسبوع للعائلة أو الشّريك من دون اللّجوء إلى العالم الافتراضيّ إلاّ عند الضّرورة. لكنْ مهما كانت القواعد المُتّفق عليها، يجب إمضاء وقتٍ مع الشّريك كي لا يصل الشّريكان إلى غربةٍ نفسيّةٍ تحت سقف بيت واحد.

  2. عدم الاتّفاق على ما هو مسموحٌ أو ممنوعٌ في الحياة الافتراضيّة: كثيرٌ من المشاكل تحصل أيضاً نتيجة عدم تقبّل تصرفات الآخر على «الفيس بوك». منها مثلاً تعليقاتٌ معيّنةٌ يقولها الشّريك أو يتلقّاها كإطراءٍ معيّنٍ يُثير حفيظة الشّريك، أو نشر صورٍ معيّنةٍ قد لا يتقبّلها الآخر، أو قبول صداقة أشخاصٍ كحبيبٍ سابقٍ مثلاً أو شخصٍ قد يكون مصدر إزعاجٍ للشّريك. منها أيضاً تجاوز الحدود في ما نُفصح عنه عن الحياة الشّخصيّة والعائليّة التي قد تتضارب الآراء حولها.
    الحلول في هذه الحالة تكون في عدم فرض الآخر لرأيه من دون نقاش، فمن المهمّ التّوصّل إلى اتّفاقٍ حول الأمور الشّخصيّة التي يُمكن مشاركتها مع ترك هامش اختلافٍ لا يُهدّد العلاقة من ناحية احترام أسلوب كلّ شخصٍ في التّعبير عن ذاته. هنا أيضاً، لا بدّ من التّمييز بين الغيرة البسيطة التي تُعبّر عن ذاتها بملاحظاتٍ عقلانيّة، والغيرة التّملّكيّة التي تُمارس نوعاً من السّيطرة على الآخر والتي تهدف إلى مراقبته باستمرارٍ والتّحكّم به في الحياة الواقعيّة والافتراضيّة. في بعض الحالات قد تكون الحلول لبعض الشّركاء بأن يختاروا ألاّ يكونوا أصدقاءَ على «الفيس بوك» لتجنّب كلّ هذه المشاكل، وهناك من يُفضّل إعطاء كلمة المرور للآخر لإشعاره بالأمان.

  3. استعمال المساحة الافتراضيّة لتصفية الحسابات مع الشّريك: بعض الشّركاء يلجأون إلى انتقاد الشّريك بوساطة «الفيس بوك» أو أيّ وسيلةٍ أخرى كالـ «تويتر» بطريقةٍ مباشرةٍ أو مُبطّنةٍ وذلك بكتابة خواطرَ معيّنةٍ يكون الهدف منها إيصال رسالةٍ معيّنة. في بعض الأحيان قد يتمّ إذلال الشّريك بطريقةٍ مباشرةٍ بكلماتٍ جارحةٍ تطال شخصه أو تصرّفاته، أو تهميشه بإعطاء الأهمّيّة للآخرين بطريقةٍ مستمرّةٍ وعدم الالتفات إليه بطريقةٍ مقصودة.
    كلّ هذه الأساليب تُعمّق الشّرخ بين الشّريكَين وتزيد الأمور سوءاً لأنّها تُشرك الآخرين في مشاكلَ لا علاقة لهم بها، ما يُسبّب إحراجاً وشعوراً كبيراً بالغُبن. وفي بعض الحالات يتمّ اللّجوء إلى توثيق هذه الأفعال لاستعمالها لاحقاً في دعاوى طلاقٍ أو حتّى بعد الطّلاق من أجل تغيير شروط الاتّفاق إذا تبيّن أنّ الشّخص يُسيء الى سمعة الشّريك السّابق. لذا من الضّروريّ عدم اللّجوء بتاتاً إلى هذه الأساليب إنْ كان في لحظة انفعالٍ غير مقصودٍ أو بعد التّخطيط لذلك.
«الواتس آب» لحل الخلافات!

من الملاحظ أيضاً أنّ بعض الشّركاء يلجأون إلى «الواتس آب» باستمرارٍ من أجل حلّ الخلافات أو التّعبير عن شعورٍ سلبيٍّ أو التّحاور حول موضوعٍ حسّاس. إنّ المشكلة في هذه الحالة أنّ اللّغة المكتوبة قد تُفسّر وتُفهم بطريقةٍ مختلفةٍ ممّا يُعقّد الأمور بدل حلّها. فإنّ اللّجوء إلى هذه الوسيلة يجب أن يكون مدروساً، وإذا كانت نتائجها سلبيّةً يجب عدم استعمالها في مثل هذه الحالات.

النّزاع العاطفيّ

إنّ وسائل التّواصل الاجتماعيّ هي وسيلةٌ سهلةٌ وسريعةٌ للهروب من واقعٍ ما بدل المواجهة النّاضجة بين الشّريكَين، إلاّ أنّ خطورتها تكمن في قيام بعض الشّركاء ببعض الخيارات المؤذية للعلاقة كالتّعرّف إلى شخصٍ باستخدام هذه المساحة والدّخول معه بحميميّةٍ قد تكون نتائجها وخيمةً على العلاقة. ولكن في كلّ الحالات إنّ تحميل وسائل التّواصل الاجتماعيّ مسؤوليّة الخلافات الزّوجيّة، هو نوعٌ من الهروب من المسؤوليّة الشّخصيّة والبحث عميقاً عن الأسباب التي أدّت إلى هذه المشاكل، لأنّ هذه العوارض الافتراضيّة تُعبّر غالباً عن هشاشةٍ بدأت تُصيب العلاقة في الواقع.
إنّ العالم الافتراضيّ يتطوّر بسرعةٍ ولا توجد إجاباتٌ معلّبةٌ لكلّ التّحدّيات، لذا لا بدّ للشّركاء المنخرطين فيه التّيقّظ حول كيفيّة الاستفادة منه لإثراء العلاقة، لأنّ حسناته ليست قليلةً إذا تمّ استعمالها كما يجب بتناغمٍ وتوافقٍ واحترامٍ مُتبادل.

استشارة القـــرّاء

أنا متزوّجةٌ منذ سنواتٍ عدّةٍ ولديّ طفلان. أغلب مشاكلي مع زوجي سببها تدخّل أمّي الدّائم في حياتنا الزّوجيّة وممارستها السّلطة علينا. زوجي يقول إنّي لا أردعها كفاية... ما العمل؟

إنّ تدخّل الأمّ في حياة أولادها بعد أن يبلغوا سنّ الرّشد ليس تصرّفاً أحاديّاً. لا بدّ من تسهيلٍ وقبولٍ واعٍ أو غير واعٍ لممارسة هذا الدّور. فأنت لا تزالين تعدّين نفسك ابنتها بالدّرجة الأولى. أمّا باقي الأدوار كامرأة، وزوجة، وأمٍّ فلا تزال هامشيّةً أمام الدّور الأوّل. ما يعني أنّك لا تزالين تحت سيطرة عقدة الذّنب، تتصرّفين أمامها كالفتاة الصّغيرة المطيعة غير القادرة على رفض طلباتها لأنّك تخشين فقدان حبّها ورعايتها. إن لم تتحكّمي بشعور الذّنب الذي لديك تجاهها لن تتوصّلي إلى رسم حدودٍ نفسيّةٍ واضحةٍ معها تحفظ زواجك من التّدهور وتؤسّس لبناء قواعدَ جديدةٍ للعلاقة معها. إنّ استشارة معالجٍ نفسيٍّ قد تكون أحياناً ضروريّة.

مقالات قد تثير اهتمامك