الممثّلة ريتّا حايك: «أنا مصّاصة دماءٍ وحبّ»

عادت الممثّلة الشّابّة ريتّا حايك إلى «صدم» جمهورٍ يُدمن العُنف التّلفزيونيّ اليوميّ والحربيّ وحتّى البورنوغرافيّ، لكنّ صورتها بالفرو الذي يُبرز بعض جمالها على بوستر مسرحيّة David Ives الشّهيرة «Venus»، حرَّكت «نخوة» بعض النّاس. فهل تقودهم حايك ورفيقها في العمل الممثّل بديع أبو شقرا والمخرج جاك مارون إلى صالة مسرح مونو (طوال شهر آذار/مارس)؟

لا أعترض أو أحكم على مُتعة الألم في الجنس

إذاً فهمت من دردشتنا أمس أنّك تخشين صورة النّجمة الفضائحيّة؟

لأنّي أخشى أن أوضع في علبةٍ أو خانة. فإذا كنت فينوس إلهة الحبّ في المسرحيّة إلاّ أنّني أيضاً المرأة المُعنّفة في مسلسل «كفى».

أكلت فيه «كمّيّة خبيط» مجانيّةً قيل لي؟

نعم وعُنفاً نفسيّاً حتّى.

والمجانيّة؟

ربّما بولغ بعض الشّيء. ولكن «كان عابالنا» نعمل صدمة للنّاس. فحين يشاهدون القصص بهذه الضخامة، لن ينسوا ما شاهدوا.

ألا تظّنين أنّ تلك المبالغة هي إحدى مشكلات الدّراما اللّبنانيّة؟

في مطارح نعم. وفي مطارح هي من نوع الــ soap opera أي حيث المبالغة أحد عناصر النّجاح التّلفزيونيّ. لكن لا تنسَ أنّ الدّراما التّلفزيونيّة هي الصّناعة الأكبر عندنا وقد فتحت الأبواب لكتّابٍ شبابٍ أكثر ومخرجين.

«غنّوجة بيّا»

كيف تركّبين الشّخصيّة؟

هناك مدرستان، واحدةٌ تدعو الممثّل إلى خلق حياةٍ خاصّةٍ بالشّخصيّة. وهي مدرسةٌ تحتمل بعض المبالغة. والمدرسة الأخرى التي تقول بدخول الممثّل في أعماقه والعودة إلى ماضيه وذكرياته فيغرف منها ويصنع الشّخصيّة الدّراميّة.

وتُضيف دفاعاً عن الدّراما المحلّيّة: «حين يكون فيلم «غنوجة بيّا» أكثر فيلمٍ شوهد في لبنان أفلا يعني هذا أنّ الجمهور قد أحبّه؟».

وهل هو فيلم جيّد برأيك؟

ليس لديّ تعليقٌ فأنا لم أشاهده، لكنّها الإحصاءات. ثمّ خذ مسرحيّتنا السّابقة «كعب عالي» التي شاهدها حوالي 15 ألف مشاهدٍ في ستّين عرضاً. فعلى الرّغم من أنّه رقمٌ قليلٌ قياساً إلى جمهور التّلفزيون، لكنّنا أتينا بأشخاصٍ لم يزوروا مسرحاً في حياتهم. إنّه الفارق الذي صنعناه.

أنتِ ريتّا ماذا تريدين من المسرح؟

بالإضافة إلى أن أكون سعيدة، أن أترك بصمة. أصنع ما أصنع في التّمثيل أو تقديم البرامج أو سواهما على طريقتي.

روحانيّة الجسد

وطريقتك ما هي، غير حياتك، مراجعها الثّقافيّة أو الفنّيّة؟

تخرّجت من معهد الفنون في الجامعة اللّبنانيّة ودرست عاماً في معهد التّمثيل «ستيللا آدلر» في أميركا. بالإضافة إلى متابعتي السّينما بكثافةٍ وقراءاتي وسفري. إلاّ أنّه الشّغف أوّلاً وآخراً. وتلك الطّاقة في داخلي للحياة: النّاس والعلاقات والرّوحانيّات. وأختصر شغفي حاليّاً بالمسرح وعلى هذه الخشبة حيث نجلس (قبل تمارين العروض الأخيرة).

أيّ روحانيّةٍ تقصدين؟

الرّوحانيّة إنّما قصدتُ بها الحياة. بالنّسبة إلى الإيمان بالله أنا مؤمنة. لكن هناك روحانيّةٌ في علاقتنا مع الآخر، مع الطّبيعة ومع أجسادنا. ومدى تحرّرنا من «بلوكات» تصنعها فينا المدرسة والمجتمع والعائلة. وأرى أنّ دوري كإنسانةٍ وممثّلةٍ تكسير هذه الحواجز والمحرّمات للوصول إلى أعماقي واكتشاف ذراها وأقصاها. (هنا تقول ريتّا مازحةً: أشعر أنّي أتحدّث مع محلّلٍ نفسيّ).

لست نجمةً فضائحيّة وكنتُ المُعنَّفة في مسلسل «كفى»

وقحةٌ غيّرت حياة الرّجل

كونك ممثّلةً هذا يدفعك إلى الأبعد إذا قبلتِ أنتِ. لكن ما دور الشّخصيّات التي تؤدّينها في ذلك؟ وهل أنت مَن يختارها أو المنتجون؟

هؤلاء مع المخرجين كانوا يعرضون عليّ أدواراً قبلتُ معظمها منذ عامي الأوّل طالبةً في معهد الفنون. مع الوقت لم أعد مضطرّةً إلى قبول كلّ شيءٍ مع أنّ هذا «الكلّ» علّمني وكبّرني.

أسأل إذاً عن هذه المرحلة الثّانية من خياراتك؟

بعد نجاح «كعب عالي» مع المخرج جاك مارون وبفضله، هذا النّجاح الصّدمة، بدأت مرحلةٌ حسّاسة.

«فينوس» لعبة سيطرة وخضوع نعيشها  في حياتنا

كنتُ جسمَ العمل بين ممثّلين أعرق منّي. ثمّ رحت أتساءل عن الدّور الذي سيكون جديداً ولا يكرّرني. لا بدّ أنّك تعرف الصّحافيّ مكرم حنّوش، إنّه مَن نصحني بأن أشاهد فيلم بولانسكي «فينوس بالفرو»، اتّصلت بجاك (مارون) لأفاجأ أنّه سبق أن شاهدها مسرحيّةً في برودواي ويبحث عن الحقوق لتقديمها في لبنان.

كيف تعطين قارئات «الحسناء» وقرّاءها نبذةً عن دورك؟

أنا في شخصيّة: فاندا الهوا (الاسم المُلبنن) التي تدخل لإجراء كاستينغ لدى الكاتب بديع أبو شقرا (سمّينا الشّخصية على اسمه). ستقلب فاندا عالمه رأساً على عقب («على كعب» أقول فتضحك ريتا) بعد لقائه 35 ممثّلةً وتمنحه درس حياته.

وتضيف: «المسرحيّة هي «لعبة سيطرة» («باور بلاي») بين الكاتب وممثّلته خلال الكاستينغ، وبينهما في الحياة أيضاً. فكيف يُشبه الكاتب شخصيّة الكاتب في مسرحيّته؟ هذا أحد الأسئلة فقط».

ريتّا وبديع والألم

بدأت ريتّا حايك قبل مدّةٍ دروساً في اليوغا وأخرى في الأداء الصّوتيّ للتّحكّم به خلال أداء دورها. وقد  شاركت أيضاً مع بديع أبو شقرا في دروسٍ الحركة التّعبيريّة مع عمر راجع «لاكتشاف رحابة جسد كلٍّ منّا، ولإزالة الجليد معه (بديع) إذ لم أكن أعرفه قبل عملنا في المسرحيّة» كما تقول حايك. وتضيف أنّ العمل اقتباس غبريال يمّين ولينا خوري للكوميديا الواقعيّة النّفسيّة «فينوس بالفرو» للأميركيّ دايفيد آيفز الذي اقتبسها بدوره من كتاب الألمانيّ ليوبولد فون ساشير - مازوخ. كلمة مازوخيّة اشتُقّت، لاحقاً، من اسم هذا المؤلّف الذي دَرَج في حياته، كما في شخصيّة كتابه، على الطّلب من حبيبته تعنيفه بعد ارتدائها الفرو. (كما كانت تفعل عمّته وهو صغير)، بحيث يكون عبدها خلال طقس الجنس ويخضع للإذلال متلذّذاً بالألم.

التّشابه مع Fifty Shades of Grey

إلى أيّ حدّ يُشبه مناخ عملكم الفيلم السّينمائيّ الذي أثار ضجّةً حيث عُرض منذ مدّةٍ وجيزة Fifty Shades of Grey

(تعترض وتقول): هذا الفيلم هو ديزني السّادومازوشيّة. في «فينوس»، الكاتب الذي يسعى وراء العذاب إنّما يجد فيه أسمى أنواع الحبّ. فعلى الرّغم من وجود العبد والسّيّد، وعلى الرّغم من السّادومازوشيّة في العلاقة، إلاّ أنّ البحث الحقيقيّ هو عن الحبّ. «ما من مُتعةٍ ألذّ من الألم» لسان حاله. لكنْ ما إن تصل الممثّلة الوقحة والشّوارعيّة، حتّى تتمكّن من السّيطرة والتّمرّد عليه لتعكس اللّعبة. وهنا سوف تمنحه درس حياته إذ تنبّهه: «حاذر ممّا تتمنّاه».

الحبّ والتّسلّط

كيف تفهمين لعبة العبد والسّيّد خارج المسرحيّة؟ 

قرأت كُتُباً عدّةً عن السّادومازوشيّة. إنّها نزعةٌ جنسيّةٌ من جهة، ومن جهةٍ أخرى تسِمُ علاقات السّيطرة النّفسيّة والاجتماعيّة بين النّاس. وأذهب أبعد إلى القول إنّ ثنائيّة العبد والسّيّد موجودةٌ في كلّ حياتنا: في العائلة والعمل والعلاقات العاطفيّة، وكلٌّ منّا يبحث عن موقعه داخل تلك العلاقات.

لا أحكم على اللّذّة

أنت تعترضين على هذه النّزعة الجنسيّة في السّرير؟

أبداً. أنا لا أحكم على مُتعة أيٍّ كان أو لذّته.

التّوازن بين العبد والسّيّد سرُّ نجاح الحبّ

أسلفتِ الملاحظة أنّ علاقات الحبّ نفسها تتضمّن غالباً السّيطرة؟

بالضّبط. لا نستطيع نكران ذلك. لكنّ السّرّ أو مفتاح «العلاقات الصّحّيّة» (على الرّغم من أنّي لا أؤمن بوجودها) إيجاد التّوازن بين أن تكون العبد والسّيّد.

وهل نكونهما معاً أحياناً في اللّحظة نفسها؟

بالضّبط. (وهنا تسألني ريتّا ممازحةً: وأنت ماذا ترجّح أنّه يطغى في شخصيّتي؟)

بل ماذا تحبّين أنتِ أن تكوني في علاقة الحبّ؟

«ما خصّك» (تضحك). طبعاً الجميع سيسألني هذا السّؤال كانعكاسٍ للدّور على حياتي كممثّلةٍ وإنسانة. ولكن لأكون حقيقيّةً في التّمثيل لا بدّ أنّني عدت طبعاً إلى حياتي وأحاسيسي. لكنّ الشّخصيّة المسرحيّة ليست هي أنا.

ولكنّك كنت أحياناً مُسيطرةً في علاقاتك وأحياناً مسيطراً عليك أليس كذلك؟

بالتّأكيد.

سعادتي مع الرّجل المُسيطر

وأنتِ في أيّ النّوعَين تكونين أكثر سعادة؟

(تضحك) في عملي وحياتي بعامّةٍ أشعر بي مسيطرة على ما أفعل. لكنّي في آنٍ أشعر بالأمان برفقة رجلٍ يعرف ماذا يريد ويمتلك الذّكورة ومرتاحٍ مع نفسه. هو ذا الرّجل الذي أسلّمه نفسي وطاقتي شرط أن يظلّ هناك نوعٌ من التّوازن (تضحك).

إذاً فهناك علاقاتٌ خاصّةٌ محدّدةٌ في حياتك انطلقتِ منها لتأسيس الشّخصيّة؟

نعم. ودوري هو رأس جبل الجليد الذي أستخرج منه المشاعر والأحاسيس. لكن مع الخبرة غدوت قادرةً على استثمار تلك المشاعر بدون أن أخشى تحريك الرّاكد واللاّواعي في قاع الذّات.

الدّور نفسه ألمٌ يبدّلك قليلاً؟

بلى. بعد شهرٍ ونصف الشّهر وأكثر من التّمارين والقراءة حول الموضوع والشّخصيّة السّادو مازوشيّة أحسّ وكأنّي صرتُها (تضحك) أو بالأحرى أنّها أثّرت بعض الشّيء في علاقاتي. وأنا لا أرفض هذا باعتباره طبيعيّاً في علاقة الممثّلين مع الشّخصيّات التي يؤدّونها.

عائلة نعمة

هل تذهبين إلى مزيدٍ من الشّخصيّات المتحدّية للسّائد والمجتمع؟

نعم أذهب. (تبتسم) «عابالي روح إلى الجهة القصوى الأخرى». شخصيّة راهبةٍ مثلاً. أنا إنسانةٌ مجنونةٌ وشغوفة، وحين أشعر بشيء، كرغبة القفز في هاوية، أقفز. وأشعر أنّي مع كلّ دورٍ ازدادُ عطشاً إلى المزيد.

عائلتك كيف تتقبّل أدوارك؟

أمّي وأبي هما أوّل مَن شاهد «كعب عالي». كأنّهما يمسكانني بيدي ولكنّهما يعرفان متى يتركانني. أمّي طبيبةٌ نفسيّةٌ ولربما ساعدت تربيتها، مع الوالد، على كسر القيود الدّاخليّة أو التّخفيف من نشوئها وهما يعرفان كلّ شيءٍ عنّي. إنّهما نعمةٌ في حياتي.

هل في حياتك اليوم حبّ؟

لا أطيق العيش بلا حبّ. (وبضحك) أنا مصّاصة دماءٍ وطاقةٍ ومعرفة. لا بدّ ممّن نتغذّى منه في حياتنا على الدّوام وعلى مختلف الصّعد.

مقالات قد تثير اهتمامك