نضال الأشقر: وحده المسرح يبقي الفنان على قيد الحياة

سيدة المسرح اللبناني، نضال الأشقر وفي الذكرى العشرين لمسرح المدينة تحكي للـ"الحسناء" قصتها مع المدينة والخشبة والفنانين، شغفها بالفن نضر، ينبض حيوية وزخماً، تفرح عندما تتحدث عن احتفالية السنة العشرين وفرحها مُعدٍ.

بعد مرور 20 سنة على مسرح المدينة، إلى أي مدى كان محطة مهمة في حياتك الفنية؟

أولا من النادر أن يؤسس شخص ما مسرحا له. في العالم العربي وفي أوروبا صناعة المسرح صعبة جداً. كرست حياتي كلها لعملي الفني والإبداعي الذي يرتكز على التعبير الحر وعلى الشباب الفنانين. إحياء مسرح المدينة بعد مرور 20 سنة، نعيد فيه إحياء الفنانين الذين كانوا ما قبل الحرب فالناس ذاكرتها لا تموت. هذا المسرح كان بمثابة منصة حرة منفتحة على كل شيء والناس رحبوا فيها وأنا كنت سعيدة كل هذا الوقت برغم كل الصعوبات التي كانت تلاحقنا.

إلى أي مدى أضاف المسرح إلى تجربتك وأنت أضفت إليه؟

اسمي ساعد المسرح. والمسرح ساعدني كثيرا خصوصا أنني لست امرأة إدارية.  أدرنا المسرح، وعملنا على برمجته كما اتصلنا بكل الناس بالعالم العربي والغربي ودعوناهم للمجيء، المسرح أعطاني وبالتالي أنا أعطيته وكل الشباب أعطونا مما ساعد على ظهور هذه التجربة المتكاملة.

بمن تحتفلون اليوم؟

اليوم نحتفل بأول 20 سنة، ولكنني كنت أحتفل بهؤلاء الفنانين المبدعين والموهوبين كلهم على مدى السنين الذين مروا على مسرح المدينة وتركوا بصمتهم الخاصة في أرجاء المكان. هؤلاء الأشخاص عصاميون كونهم ناس يتكلون على أنفسهم، إنهم الوحيدون الذين يبثون الحياة والأمل والثقة بهذا البلد. فإذا نريد أن نتكل على السياسيين أعتقد أنه كنا متنا وماتت روحنا. سبعون سنة منذ الاستقلال حتى يومنا هذا ولم تتحسن الأوضاع المعيشية في لبنان. نعم لدينا المطاعم، والمباني الشاهقة وناطحات السحاب ولكنه كل ذلك باطل.

ماذا يبقى اليوم من ذكريات؟

في البداية تعذبنا كثيرا في اختيار أفضل الفنانين لدينا، وقد أتينا بهم. من حسن الحفار وسيمون شاهين وسواهما من أميركا واليابان وأوروبا.. لا زلت أذكر كل شيء حدث في "مسرح المدينة". لا زلت أذكر "الهيصة" التي افتتحناه بها في الشارع وسنقول للناس أنه في 14 الشهر( أي 14 تشرين الأول /أكتوبر) "رح نسكر الطرقات ونعمل هيصة". سيفتتح هذه الاحتفالية سوق الطيب وسيأتي الباعة، ليشتروا الناس ويتلذذوا قبل بدء العرض، وبذلك نعمل على إحياء شوارعنا القديمة بمدينتنا الحية التي لا تعرف الموت ولا الاستسلام.

من مر على هذا المسرح؟

عدة أشخاص وفرق من تونس والجزائر ومصر والخليج. وكان يأتي في شهر رمضان من سوريا أكبر مؤدين ومقدمين. من العراق لا أستطيع أن أعدهم لأنهم ليسوا بالمئات بل بالآلاف. ليس هنالك بلد عربي إلا وقام بزيارة مسرح المدينة.

من منهم لا يزال حاضرا اليوم؟

التقنيون هم أكثر الناس الحاضرين، كبرنا معهم. من النوادر أن نرى تقنيون أوفياء للمسرح بحيث لا يزالون معنا منذ أكثر من 20 سنة. أنا أحييهم لأنهم وقفوا إلى جانبي بالسراء والضراء وأكيد سيدة مثل ريما خشيش، جاهدة وهبي، سمية البعلبكي، ناجي صوراتي، عبد الكريم الشعار، سيمون شاهين فعندما نطلبه من أميركا يلبي الدعوة فورا وأكيد أحيي كل الأشخاص الذين عملوا معنا بدءاً من فؤاد نعيم الذي هو اليوم يعمل على تجديد وجوده في المسرح، وجاك مارون، وعصام بو خالد، لينا خوري، ولينا أبيض، وندى كانو، وفرقة الصم والبكم، وزقاق، وكهربا، وبيار جعجع... كلهم أحييهم فرداً فردا لأنهم قدموا أعمالهم بشغف كبير.

كيف تعلقين على موت الكثير من المسارح؟

أريد أن أنوه بوزير الثقافة الأستاذ ريمون عريجي ولكن الحكومات لا تقدر أهمية المسارح. فلو كانت هذه الدولة تقدر القيمة الثقافية للمسارح في المدينة، لكانت خصصت ميزانية أكبر للوزير لدعم المسارح ومنعها من الإغلاق. ولكن مسرح بيروت الذي أغلق هو ملك خاص مثل مسرح كليمنصو وإلا لبقي مسرح كليمنصو وبابل وأعيد ألق شارع البيكاديللي. كل هذه المسارح التي أغلقت هي ليست سوى زيادة فشل متعاقب.

إلى من توجهين اللوم؟

السياسيون انتهكوا كل شيء من المناظر الطبيعية كتدمير الجبال وانقطاع الكهرباء والنفايات المتكاثرة على الطرق وسواها... نعم للمراكز التجارية والمطاعم دون أن نلغي وجود السينما والمسارح. على كل المسارح الموجودة في شارع الحمرا أن يعاد افتتاحها ويجب أن تتضافر الجهود في العمل على إعطاء حياة ثقافية لبيروت. وبسبب إغلاق الكثير من المسارح نريد أن نعطي دفعاً جديداً للمدينة ولفنانينا ونحتفل بالتعبير الحر وبالمسرح وقد خصصنا هذه الاحتفالية لذلك.

ماذا عن أزمة مسرح كليمنصو؟

لم نتعرض لأزمة مالية كما كان يشاع في بعض الصحف. ولكننا وقعنا تعهدا لمدة عشر سنوات وانتهى ولم يستطع صاحب الملك أن يجدد لنا. ولكنني لم أفكر ولم أقرر أن أغلق المسرح. أسسته ليبقى وليستمر وهو كذلك، المسرح هنا السارولا، عتبته جميلة جداً ومباركة وموقعه مهم جدا لأنه يتوسط شارع الحمرا، من أعرق الشوارع في بيروت وأكثرها حياة. وبالمقابل عمل "مسرح المدينة" على بث الحياة في قلب هذه المنطقة.

ما الفرق بين اليوم وأمس؟

كان هنالك مدينة تدعى بيروت. اليوم ليست مدينة بل "جمهرة" من الأبنية التي لا تمت لبيروت بصلة. أين بيروت القديمة؟ الشوارع التي تعج بالسكان؟ سوق السمك والحلي...؟ المنادون؟ والزحمة على أبواب السينما والمسارح لقطع التذاكر؟ بائعو العصير والساندويشات...؟ لا زلت أذكر مسرح شوشو والـGrand Theatre ومسرح فاروق الذي احترق قبل الحرب والذي دعوت الكثير من ضيوف لبنان إليه. كانت بلد تنبض بالحياة تشبه الإنسان اللبناني.

ما هو موقع المدينة الثقافي ؟

الثقافة ليست مسرحا أو مسرحين. هي دورة حضارية كبيرة تموج في المدينة. المسرح هو الفن الوحيد الذي يبقي الفنان على قيد الحياة، فيقدم هذا الأخير للمسرح حياته وروحه ويلمس الجمهور ذلك فيتعاطف معه وينتقده ويصفق له. ولكن القصة لا تنتهي هنا لأن المسرح لن يتوقف عن التصفيق له حتى بعد وفاته. هنالك سحر في التفاعل والحوار بين الممثل وبين الجمهور. وأتمنى انتشار المسارح في القرى ومختلف المدن كزحلة والشمال والجنوب لتثقيف الناس وضمان استمرارية هذا الإرث الذي لا نريده أن يموت. كما نعمل بكامل قوتنا لكي نكسب الناس وندعوهم على الإبداع والفنون لبث الأمل فيهم ورؤية الحياة من وجهة مختلفة إيجابية.

هل نطمئن لمستقبل المسرح؟

خوفي على لبنان وعلى السياسيين الموجودين فيه ومن هذا الفشل الذي شهده البلد والابتذال السياسي الذي أحدث انقسامات طائفية، وعشائرية وغيرها.. وخوفنا على الشباب الموجودين فيه. أترجاهم ألا ييأسوا وأن يظلوا مستمرين في النضال وأن يكافحوا من أجل الفنون والمسارح وسواها لأنها الأمل والمستقبل في الانفتاح على الآخر.

بعد 20 سنة أخرى، أين سيكون مسرح المدينة؟

في المكان نفسه، وإن شاء الله أن أكون موجودة معه. وإذا لم أكن معه، سيكون هنا في مكان في الحمرا أو في مكان آخر ولكنه مستمر واسمه "مسرح المدينة".

مقالات قد تثير اهتمامك