التكنولوجيا الحديثة: معـبرٌ نحـو الاستقلاليّـة

هل تكون التّكنولوجيا الحديثة مَعبراً للمرأة العربيّة في اتّجاه إلغاء عقليّة التّمييز الجنسيّ المستشرية في قوانين الدّول العربيّة وممارساتها؟

نقاشات الجلسة الثّالثة من منتدى المرأة العربيّة NAWF دارت حول هذه النّقطة تحديداً التي استقطبت نقاشاً بين محورَين: الأوّل يعتقد أنّ المبادرة الفرديّة هي العنصر الأهمّ للعبور، أمّا الثّاني فيرى أنّ النّساء بحاجةٍ إلى تغطيةٍ من المؤسّسات لتمكينها من التّحرّك بمرونةٍ وفاعليّةٍ أكبر. كلا المحورَين استعملا التّكنولوجيا لتأكيد وجهة نظرهما، لكنّ المشاركين في المنتدى لم يتوقّفوا عن تكرار أمثلةٍ تقليديّةٍ عن التّمييز في ظلّ القوانين السّائدة في الدّول العربيّة وممارسات الذّكور المهيمنة.

المؤسّسة بحاجةٍ إلى المزيد من النّساء الذّكيّات

تجاوز قلّة الثّقة بالنّفس

«الابتكار هي الحلول للمشاكل. يُمكن أن تمثّل المبادرة الفرديّة تغطيةً مناسبةً لتلبية حاجات السّوق». بهذه العبارة أطلقت نادين أسمر التي تعمل في مجال الإدارة والعلوم الاجتماعيّة النّقاش الذي قادته بالإشارة إلى برنامجٍ أطلقته في العراق في إطار برامجَ يُنفذّها المجتمع المدنيّ لتمكين النّساء من إطلاق مشاريع.

خضعت النّساء المشاركات في البرنامج إلى دورةٍ تدريبيّةٍ انتهت بافتتاح أعمالٍ خاصّةٍ بهنّ. أمرٌ من هذا النّوع ليس بهذه السّهولة لأنّه يتطلّب العمل على تكريس ثلاثة عواملَ أساسيّةٍ لدى النّساء الرّاغبات في الانتقال من حالة الرّكود الاقتصاديّ إلى حالة النّشاط. هذه العوامل تكمن في «تجاوز قلّة الثّقة بالنّفس، ووجود التّمويل المناسب، وتخطّي ما يمكن تسميته بموانعَ عائليّة».

مبادرة فرديّة مُشبّعة بالتّكنولوجيا

عند هذه النّقاط الثّلاث تكمن أهمّيّة المبادرة الفرديّة كمحفّزٍ للابتكار. يتطلّب الأمر التّفلّت من مجموعة قواعدَ سائدةٍ في المجتمع وتركيز العمل على «الرّأسمال البشريّ بدلاً من التّركيز على الرّأسمال التّمويليّ» تقول أسمر. وتضيف أنّه «يجب التّدقيق في عمليّات التّمويل وتوجيهها لتكون للنّساء الجديرات بها بناءً على قدراتهم على الابتكار».

وتظهر قوّة المبادرة الفرديّة أكثر عندما تكون مشبّعةً بالتّكنولوجيا الحديثة «فليس كلّ ما يُمكن اختراعه يُمكن تسويقه» تقول أستاذة العلوم الإداريّة في الجامعة الأميركيّة بيتينا باستيان. الفرق بين الاختراع والابتكار أن الأوّل يبقى في حالة اختفاءٍ كاملةٍ بالرّغم من أنّه أصبح موجوداً لكنّ القدرة الفرديّة يجب أن تتمكّن من تحويله إلى ابتكار، أيْ أن يجري إيصاله إلى السّوق. يُمكن أن يكون الابتكار في أحضان المؤسّسة التي يعمل فيها الفرد، لكنّه يصبح في مستوًى أعلى عندما يكون خدماتٍ تقدّم للعموم مباشرةً، ويرتفع المستوى عندما تكون الابتكارات مرتبطةً عضويّاً بالتّكنولوجيا.

تدمير الأعراف الاجتماعيّة

إذاً، التّكنولوجيا ستكون الميدان الأساسيّ لانتقال النّساء إلى حالة النّشاط الاقتصاديّ من الباب الواسع. فالتّكنولوجيّات الحديثة قادرةٌ على «خلق الوظائف وردم الهوّة التي تشعر بها النّساء في سوق العمل. حاليّاً هناك نسبةٌ مرتفعةٌ من الباحثات في العلوم والتّكنولوجيا في العالم العربيّ ونسبتها تبلغ 35%، أيْ أعلى من المعدّل العالميّ البالغ 10%» وفق د. باستيان. وما يعزّز هذه النّتيجة أن مشاركة النّساء في الابتكار زادت بين عام 1991 وعام 2013 بنسبة 23%.

لا شكّ في أن هذا الأمر يتطلّب إرشاداً كافياً ومنح المرأة حقّ الولوج إلى المعلومات والمساحة الكافية لتطوير سلوكها في هذا الاتّجاه.

تقصد د. باستيان أنّ التّشريعات القانونيّة يجب أن تنسجم مع هذا التّوجّه وأن يجري تدمير الأعراف الاجتماعيّة المبنيّة على التّمييز والعنصريّة تجاه المرأة بالتّوازي مع عمليّة تزويدها بالمعلومات اللاّزمة التي تمكّنها من التّحوّل إلى باحثةٍ في علوم التّكنولوجيا.

في السّياق نفسه، قدّمت نائب رئيس جمعيّة تراخيص الامتياز مديحة رسلان مقاربةً مبنيّةً على المبادرة الفرديّة. رسلان أشارت إلى أنّه بات متاحاً للمرأة أن تُطلق ابتكاراتها في إطار المبادرة الفرديّة إذا استندت إلى أحد الحلول المعروفة في السّوق. من هذه الحلول هناك الفرانشيز «التي تمثّل أحد الحلول المُبتكرة لبدء الأعمال». وتقول إنّه يُمكن «إصدار منتجٍ جديدٍ تحت اسم علامةٍ تجاريّةٍ معروفة، وليس بالضّرورة أن يكون العمل المُبتكر مرتبطاً بوجود مؤسّسةٍ حاضنة».

التّكنولوجيّات الحديثة قادرةٌ على ردم الهوّة التي تشعر بها النّساء في سوق العمل

مرونةٌ كافيةٌ للتّحرّك

في المقابل، قادت مديرة الصّيرفة الإلكترونيّة في «بنك عوده» رندة بدير، محور المؤسّسة الحاضنة كمحفّزٍ أساسيٍّ للمبتكرات. لم تتحدّث بدير عن المؤسّسة كبديلٍ عن المبادرة الفرديّة، لكنّها تعتقد أنّ رعاية المؤسّسات للابتكار يمنح المرأة مرونةً كافيةً للتّحرّك في ظلّ كلّ المعوّقات السّائدة في المجتمع. وتقدّم بدير تجربة «بنك عوده» في إطار هذه الرّعاية الممنوحة للمرأة، إذ كانت بدير أوّل من عمل على إصدار بطاقات ائتمانٍ في السّوق المحلّيّة. وتلفت إلى أن «البنك يدعم النّساء كثيراً لبدء حياتهم المهنيّة. لدينا الكثير من المنتجات المتخصّصة والخدمات ذات الصّلة بمساعدة المرأة على البدء في عملٍ جديدٍ بواسطة التّسويق والتّمويل. لدينا برنامجٌ ثانٍ مبنيٌّ على أساس توعية النّساء على الابتكار» . وهناك علاقةٌ تبادليّةٌ بين المؤسّسة والنّساء، «فالمؤسّسة بحاجةٍ إلى المزيد من النّساء الذّكيّات، عِلماً أنّ إبداع المرأة في الدّول العربيّة يأخذ وقتاً أطول لو كانت تعمل بمفردها، لكنّ التّحرّك في إطار المؤسّسة يعطيها تغطيةً أوسع ويفتح أمامها مجال الابتكار. حاليّاً ليس لدينا مرشدون ولا يتوافر لدينا سوى سياسيّين» .

مقالات قد تثير اهتمامك