القُبْلة ليسـت مجــرّد «بَـوْســة»
القُبْلة ليسـت مجــرّد «بَـوْســة»

القُبْلة ليسـت مجــرّد «بَـوْســة»

في عيد العشاق، لا شيء أجمل من قبلة حارّة. لكن للأسف تبدو القبلة أكثر فأكثر مُهملة. فالمقالات حول الحياة الجنسيّة تركز بشكل خاص على أداء القبلة وتوقيتها وقياسها؛ ما أدى إلى تهميش دور القبلة الشهوانية وإلى دفعها إلى التكلّف والنسيان.

إلا أن ذلك لا يمكنه أن يغيِّر واقعَ أنّ القبلة ليست مجرّد «بَوْسة» بل هي المفتاح السحريّ للشهوانية والمقياس للعشق أيضاً. إنها تنشط المساحات الدماغية، كما أثبت التحليل البيوكيميائي لقبلة الشريك، وتدل على طول عمر علاقة الزوجيْن.

تقول تاتيانا (35 عاماً):
«تستيقظ كل حواسي في القبلة، الذوق، الشم، اللمس... أولى إحساساتي تبدأ بالشفتين. فالتلامس الأول قد اكتمل. بخفرٍ يشق اللسان طريقه كأنه يمهّد الميدان. عندما أشعر بأنني جاهزة، أسلّم نفسي كليّاً وكأنني أمارس الغرام. أن نقبّل يعني أن نتذوق الآخر، ونكتشف طعمه الأكثر حميمية.
إنها تمهيد للحب، بدون شك، لكنها تمهيد لا يُستغنى عنه في استمرارية قصة الحب».

شلاّل من الرسائل

ظهرت الشفتان أولاً، للرد على وظيفة حيوية وهي الغذاء. وساهمتا بعدئذٍ ليس فقط بالتواصل من خلال الكلام بل أيضاً في لغة العشق من خلال القبلة.
فسيولوجياً، بدت القبلة في أساس شلال من الرسائل العصبية والبيوكيميائية التي تساعد، ليس فقط على تفكيك رموز الأحاسيس اللمسية، الذوقية والشمّية، بل حوّلتها إلى إثارة جنسيّة أو أحياناً إلى شعور بالحميمية والغرام. فالأعصاب الناقلة المختلفة التي تنشط أثناء القبلة تساعد على نقل نشوة الانفعالات القوية.

رندة (44 عاماً):
«القبلة هِبة واستسلام وأمل. لقد قبّلتُ العديد من الرجال في حياتي، وعندما بلغت سنّ الأربعين تقريباً، وقعت للحال في غرام أحد الرجال الذين بالكاد أعرفهم، فقط أثناء تبادل قبلة. لا أجد شيئاً ألذ طعماً من القبلة».
شريك ملائم وراثيّاً

تنقل القبل إذاً معطيات أوليّة عن تركيبة اللقاء الغرامي ومصيره. مع أنه وفق دراسات حديثة، قد تكون قبلة أولى محبطة في أساس قطع علاقة غرامية كان من الممكن أن تكون واعدة. في رأي بعض العلماء، إتحاد الشفتين مردّه إلى مشاركته الناشطة في اختيار الشريك من أجل الإنجاب. فالقبلة تدخلنا في تبادل للمعلومات متشابك ومتطور يسمح لنا في انتقاء شريك ملائم وراثياً كما أنها تكشف عن سرّ الفرد في استعداده للالتزام بتأسيس عائلة. سؤال أساسي في مصير علاقة أبديّة، وأوّلي في استمرار النوع. إن تبادل القبل ينطلق إذاً من آلية بيولوجية وثقافية تهدف إلى انتقاء الشريك المثالي، بفضل إثارة ثلاث أنسجة دماغية مسؤولة عن المُجامعة والإنجاب.

هنري (26 عاماً):
«خلال تبادل القبل، استرقّ شريكتي: أشرب أنفاسها ولُعابها، أمتصّ لسانها، آكل شفتيها، أسدّ جوعي وأتغذى من تقبيلي لها».

القُبلة... غذاء الصغار

يبدو تطور النوع البشري مرتبطاً بشكل كبير بهذا العمل الشهواني المسمّى بالقبلة. ووفق بعض الباحثين، كان أجدادنا يغذّون صغارهم بالقبلة كما تفعل أنثى السعادين. تدريجياً، أصبحت القبلة تُستخدم لنقل الحب والعاطفة حتى ميلها إلى تنوّعها الشهواني في عصرنا الحاضر. فالإفرازات الهرمونية، هذه الرسائل الكيميائية السرية، سرّعت تطور القبلة من حركة للتغذية إلى ممّهدات غرامية. فالقبلة تسّهل في الواقع انتقال الإفرازات من شخص إلى آخر.

تقول نانسي (39 عاماً):
«إن ممارسة الجنس من دون قبلات، لن تكون سوى رياضة آلية خالية من أيّ مشاعر. فالقبلات تبقى الممهدات الأكثر لذّة التي أوجدها الإنسان في علاقاته. في كل مرة تتلامس شفاهنا ونمتصّ بعضنا، أقف مدهوشة أمام هذه النعومة الشديدة البساطة، أمام هذا الارتخاء الذي يغزو كلاً من جسدي وفكري معاً. إن كانت شغوفة أو فاترة أو ناعمة، تبقى القبلات ممهدات لا بدّ منها».

هرمون «الاستحواذ»

يطلق تبادل القبلات مزيجاً معقداً من المواد الكيميائية التي تؤثر على درجة الإرهاق، الحوافز، العلاقات الاجتماعية والإثارة الجنسية. بكلام أوضح، تخفّض القبلة مستوى الهرمونات المتعلقة بالإرهاق وتقوّي تلك التي تؤثر على الرغبة لتشكيل حياة زوجية ناجحة. بالإضافة إلى ذلك، تبادل القبلات يزيد أيضاً التركيز الدماغي للخلايا المرتبطة باللّذة والنشوة. فالقبلة تزيد أيضاً إفراز «الدوبامين» وهو هرمون «الاستحواذ» الذي يدفع بإتجاه تجديد عادة التقبيل.
على صعيد آخر، يطلق تبادل القبلات في الجسد ردّات فعل متعدّدة مترابطة. فسرعة ضربات القلب وضغط الشرايين تزداد، ويتوسع بؤبؤ العين، ويصبح التنفس أعمق وتنحدر القدرة على التفكير لأنّ الرغبة توقف وعي الذات.

خليل (35 عاماً):
«عندما ألتقي بإحدى الفتيات التي لا تحب التقبيل، أتأكد أننا لن نكون على الموجة الغرامية نفسها. أحب تقبيل فم النساء وأجسادهن. فمن دون ذلك تبدو ممارسة الجنس بدون طعم».
ماري (28 عاماً):
«أحب القبلات الشغوفة التي تبتلعني بشراهة، وتقضمني بوحشية. أولاً الطبقة المخملية للشفاه، ثم لعق اللسان الخجول والمستبد، بعدها تصادم الأسنان الأكثر وحشية وتطلباً. فقط هذا النوع من القبلات يسحرني ويطلق عندي رغبة المتابعة».

القبلة كاشفة الأسرار

وفق دراسة أجريت في العام 2007 على طلاب ذكور وإناث، أظهرت اختلافاً في معنى القبلة حسب جنس الشخص المستجوب. بالنسبة للشبّان مثلاً، القبلة العميقة تبرز اجتياز الخطوة الأولى نحو علاقة جنسية. أما الفتيات فيرين أنها وسيلة من أجل التقدم في العلاقة إلى مرحلة شعورية أقوى، ولكنها أيضاً وسيلة تقييمية للآخر، وهل يصلح كشريك محتمل لفترة طويلة. وهكذا، تساعد القبلة الحارة المرأة في أن تختار، ليس فقط مهندساً ناجحاً، ولكن أيضاً أباً صالحاً لبناء أسرة مستعداً لتعليم وتأمين الغذاء لأطفاله. إلاّ أن الحذر ضروري هنا، لأنه يجب ألاّ يغيب عن ذهننا أن هذا التحليل المتقدم للقبلة يرتكز حتى الآن على أبحاث ضيقة. فالقبلة ليست معطى شاملاً في النوع البشري! بعض الشعوب تعتبر القبلة فاحشة والبعض الآخر يجعلها مرادفة للامتلاك: وبانتظار تأكيد العلم لهذه الفرضيات، يمكننا الاستنتاج أن المراقبة الدقيقة لحياة الأزواج أظهرت التعقيدات الشديدة لهذه الحركة البسيطة ظاهرياً.

مقالات قد تثير اهتمامك