منع فيلم نبيل عيوش «الزين اللّي فيك»

بعد أسبوعٍ على عرضه في مهرجان «كان» الشّهر الماضي، قرّر المغرب مَنع فيلم «الزين اللّي فيك» (Much Loved) للمخرج نبيل عيوش من العرض، بسبب ما تضمنّه من «إساءةٍ أخلاقيّةٍ جسيمةٍ للقِيَم وللمرأة المغربيّة» و«مسّه الصّريح بصورة المغرب»، على حدّ بيان وزارة الاتّصال المغربيّة كما نقلته الوكالة المغربيّة الرّسميّة.

مجدّداً يتعرّض عملٌ فنّيٌّ للمنع بذرائعَ أخلاقيّةٍ تُضمر خوف السّلطة من مبدعينَ يسلّطون مجهرهم على الواقع فتأتي «التّعرية» عاراً تعمل السّلطة على ستره بالحجب والتّعمية.

فما معنى أن يُقال عن سيناريو وحوارٍ ينقلان جانباً من ظاهرة الدّعارة المنتشرة في مختلف أصقاع العالم إنّهما يُسيئان إلى المرأة أو القِيَم المحلّيّة؟ أليس مَن يغضّ النّظر عن تلك الممارسات بل ويشجّعها أحرى أن يُتّهم؟ بل أليس مَن يفيد منها من مديرين محلّيّين لها ويستفيد منها سواءٌ كان قطاعاً سياحيّاً وفندقيّاً أو مسؤولين يغطّونها مقابل رشاوى، أحرى أن يُدان ويُساءَل؟

من جهةٍ أخرى، ومن دون تقييم المعالجة السّينمائيّة لهذا موضوع الخطير، ألا يحقّ للعاملات في بيع الجنس أن يكنّ موضوعاً للفنّ من دون أن يتمّ التّشهير بهنّ أو وَسمهنّ بنعوتٍ أخلاقيّةٍ مستمدّةٍ من مجتمعاتٍ محافظةٍ ظاهريّاً وخليعةٍ سرّاً؟ ألاّ يحقّ أن يَمنح مخرجٌ مغربيٌّ المومسَ صوتاً وصورةً في عملٍ دراميٍّ وسط طغيان أصوليّاتٍ تُدين وتحرّم وسلطاتٍ لا تجرؤ على استعادة المبادرة لترسيخ مدنيّة الدّولة وشرعيّةٍ شعبيّةٍ غير محتاجةٍ شرعيّة المؤسّسة الدّينيّة؟

السياحة والدّعارة

من الواضح أنّ «السّياحة الجنسيّة» تلعب أدواراً مهمّةً في اقتصاد دول العالم الثّالث بخاصّةٍ حيث تغيب خطط التّنمية ويزداد الفقراء والفقيرات فقراً والأغنياء غنًى. وسبق للمغرب أن عرف سِجالاتٍ بين بعض مسؤوليه والإسلام السّياسيّ في موضوع الدّعارة وعلاقتها بالسّياحة، لكنّ الأخطر لم يتناوله السّجال وهو: ما الذي يدفع الفتاة والمرأة إلى بيع اللّذة والتّعرّض لتهديدات الزّبائن والقوّاد والسّلطات والأحكام الدّينيّة والاجتماعيّة القاسية حتّى من عائلاتهنّ التي تعيش من مال الدّعارة؟ وهل لجوء المرأة وسط غياب فرص التّعليم والعمل والفقر إلى بيع الجسد إلاّ اضطرارٌ تجدر معالجته على مستويات السّياسة والاقتصاد وإعادة النّظر في الأخلاق الجنسيّة أيضاً ضمن مجتمعٍ تُحاصره أيديولوجيا عولمة الأسواق الحرّة من جهةٍ والأيديولوجيا الدّينيّة من جهةٍ أخرى؟

بين أصوليّتَي السّوق والدّين تتلاعب السّلطة بأخلاقيّات الجنس

لا للحجب

لم أشاهد بعد فيلم عيوش المهتمّ بتسليط الأضواء على الجنس في حياة المغاربة، ومن خلاله، بطريقةٍ غير مباشرة، على الواقعَين الاجتماعيّ والسّياسيّ. وسَبَقَ أن طرح في فيلمه السّابق «لحظة ظلام» (2002) حياة المثليّين المغاربة مُثيراً الضّجيج عينه فالمنع من العرض. من المؤكّد أنّ موضوع الجنس بحدّ ذاته مثيرٌ للمتفرّج، وإنّ مصادرة الفيلم في وقتٍ تستعدّ لعرضه بضع صالاتٍ باريسيّةٍ في الوطن الثّاني لعيوش، بات قدَرَ كلّ عملٍ فنّيٍّ أو أدبيٍّ يتطرّق إلى الواقع العربيّ وأزماته بلا ترميزٍ أو تواطؤٍ مع الخطاب الرّسميّ.

ولكنَّ حجبَ العمل عن الصّالات المحلّيّة لن يمنع المغاربة من الحصول على DVD الفيلم أو مشاهدته لاحقاً بالكامل على موقع يوتيوب أو محطّة تلفزةٍ فرنسيّة. فأيُّ عبثيّةٍ في قرار منعه؟! بل أيّ عبثيّةٍ أن تكشف وزارة الصّحّة المغربيّة تزامناً مع قرار مركز السّينما بالمصادرة عن وجود ما يقارب 19 ألف عاملة جنس في أربعِ مدنٍ مغربيّةٍ هي الرّباط وأغادير وطنجة وفاس، وتأتي العاصمة الإداريّة في الصّدارة بوجود 7333 بائعةً للجنس؟!

أصبع الإبداع

لقد آن لسلطاتنا العربيّة، مشرقاً ومغرباً، أن تقبل النّقد وتفسح المجال للأعمال الأدبيّة والفنّيّة لأنّ أصحابها يرومون غالباً وضع الأصبع على مكامن الهشاشة والألم في الإنسان والمجتمع، إذ في آلام الآخرين ما يؤلمهم أو لأنّ بالمبدعين شهوةً إلى تحقيق المثل والارتقاء الإنسانيّ فلا يطيقون السّكوت ولا يتواطؤون مع الخطاب العام على حساب الضّعفاء والمهمّشين.

بانتظار مناقشةٍ فنّيةٍ لفيلم عيوش (الذي اختلف حول قيمته هذه مشاهدوه في المهرجان الفرنسيّ العريق، ولاسيّما لجهة واقعيّته الفجّة وهو خيارٌ أسلوبيٌّ في السّينما) فإنّ العاملات في مجال الدّعارة يستأهلنَ أكثر من فيلمٍ ورواية. ففي حياتهنّ صورٌ كثيرة، مأسويّةٌ في الغالب، عن الحياة أيْ عن كلّ واحدٍ وواحدةٍ منهنّ ومنّا حيث القسوة واللاّعدالة والحاجة تصنعنا بلا تأنٍّ ولا حظوظ. وأحياناً بلا فُرَصٍ أو شفقة.

لا وقاية

بعيداً عن الفيلم وبالعودة إلى تقرير الوزارة المُشار إليه آنفاً، صرّحت نسبة 11.6 إلى 19.3 من المومسات اللّواتي سُئلنَ، أنّ أوّل اتّصالٍ جنسيٍّ لهنّ تمّ قبل سنّهنّ الرّابعة عشرة. وأكّد التّقرير ذاته أنّ واحدةً من بين كلّ عاملة جنسٍ صرّحت بعدم قدرتها على القيام بعملٍ آخر. وكَشَفَ أنّه باستثناء مدينة فاس بنسبة 44 بالمائة، فإنّ أغلب المُستجوَبات أكّدن عدم استعانتهنّ بوسطاء للوصول إلى زبائن، أمّا 18 بالمائة في أغادير والرّباط، و35 في طنجة و43 في الرّباط فيضطررنَ إلى الاتّصال بوكالاتٍ أو وسطاء.

التّقرير الذي اعتمد على البحث الميدانيّ يقول أيضاً إنّ الأغلبيّة السّاحقة من المُستجوبات يُقمنَ علاقاتٍ جنسيّةً في منازل الزّبائن. الغالبيّة أيضاً لا تستعمل العوازل الطبّيّة إلاّ أحياناً، لعدم توفّرها أو لامتناع الزّبائن عن استعمالها، غير أنّ 58 بالمائة من عاملات الجنس في مدينة طنجة أكّدن العكس.

مغاربةٌ وخليجيون

وعلى الرّغم من عدم استعمال وسائل الوقاية فإنّ انتشار فيروس «السّيدا» لا يزال منخفضاً، بحيث تمّ تسجيل أعلى نسبةٍ في مدينة أغادير بـ 5 في المائة فقط، بحسب التّقرير.

أخيراً، تبيّن أنّ أعلى نسبةٍ من الزّبائن هم مغاربةٌ يعيشون في المغرب، متبوعون بالمغاربة القاطنين خارج البلاد، بنسبةٍ تتراوح بين 1.2 و22 بالمائة، يليهم السّياح الخليجيّون بنسبةٍ تتراوح بين 0.8 و6 بالمئة بحسب المناطق.

أمّا الأثمان، فيؤكّد التّقرير تراوح التّعرفة بين 100 درهمٍ و500 (بين 10 دولاراتٍ و30 دولاراً أميركيّاً تقريباً).

عاملات الجنس يُعِلْنَ الآخرين

كشف تقرير وزارة الصّحّة المغربيّة عن وجود ما يقارب 19 ألف عاملة جنسٍ في البلاد. وأظهر، بحسب موقع «هوفين بوست مغرب»،  أنّ 2 بالمائة منهنّ متزوّجات، أغلبهنّ مطلّقاتٌ أو أرامل، منقطعاتٌ عن الدّراسة في مرحلة التّعليم الإعداديّ، وأنّ بين 50 و80 بالمائة منهنّ يُعِلْنَ أشخاصاً آخرين.

مقالات قد تثير اهتمامك