غادة السّمّان: «الحسناء» مجلّةٌ نسويّة لا نسائيّة

 استوقفَ ملفُّ «الحسناء» في عددها ما قبل الماضي تحت عنوان "حطّ حالك محلّها"، الكاتبة الكبيرة غادة السّمّان، فكتبتْ في "القدس العربيّ" مقالةً تناولت فيها الملفّ والعرض الفنّيّ الذي صمّمه بشارة عطالله وما قاله العارضون الرّجال "النّبلاء" في ثياب النّساء.

غادة السّمان لم تتخلَّ يوماً عن التزامها قضايا مجتمعها العربيّ وإن غادرته إلى منفاها الطّوعيّ في فرنسا. ولم يتوقّف قلمُها "المروَّس" بالأناقة الأدبيّة وَحِدّة الالتزام، عن كتابة الرّواية والقصّة والمقالة الفنّية، وهي المحلّقة في الثّلاثة. «الحسناء» التي يعنيها ويُسعدها أن تُتابع «الغادةُ» صفحاتها (وهي مِثلُها ابنةُ بيروت المساهِمة في أمجاد ستّينيّاتها وسبعينيّاتها) تُعيد في ما يلي نشر المقال:

 من يخاف ارتداء ملابس النّساء؟ الرّجل العربيّ الجميل

 ألا يلفت الأنظار مشهد رجلٍ بشاربٍ ولحيةٍ يرتدي ثوباً نسائيّاً؟ ألن يُدهشك أنّه يرتدي «الميني جوب» والكعب العالي المُدبّب بساقَين يُغطّيهما شعر الرّجولة الكثّ؟
ألا تصدمك صورته على غلاف مجلّةٍ مع المزيد من الصّور المشابهة في تحقيقٍ احتلّ صفحاتٍ من مجلّةٍ نسائيّةٍ لبنانيّة (الحسناء)؟ وهي مجلّةٌ أرسلت إليّ هذا العدد منها إلى باريس صديقةٌ بيروتيّةٌ (نسويّة). المناسبة؟ حفلٌ لعرض الأزياء النّسائيّة بثمانية (خناشير) في ثياب نساءٍ بوجوهٍ كلّها كدمات.
صور الرّجال الثّمانية الذين قاموا بارتداء ملابس النّساء في بيروت وبعضهم يسيل الدّمُ من أنفه أو فمه بماكياجٍ مُتقنٍ أو تُغطّي وَجهه كدمات، كتلك التي نراها في وجه المرأة التي ضُربت وعُنّفت... هذه الصّورُ صادمةٌ بالتّأكيد وتلفت الأنظار وهذا هو المقصود منها!
أولئك الشّبّان الملتحون وكلٌّ منهم بشارب ـ والّذين تفيضُ الرّجولة من أجسادهم تحت الثّياب النّسائيّة العارية الأكمام تطوّعوا إكراماً لحملةٍ شعارها «ضَعْ نفسك مكانها» وهي مضادّةٌ للعنف الذي تعاني منه المرأة في لبنان وفي كلّ مكانٍ بنسبٍ مختلفة. والمقصود توعية الرّجال بهول ما تعانيه المرأة إلى جانب لفت الأنظار إلى أزياء أيّام زمان وجماليّاتها! أولئك الرّجال النّبلاء ارتدوا في حقيقة الأمر قضيّة المرأة قبل ثيابها.

 ضرب النّساء في عصر الفضاء

 لا أُذيع سرّاً إذا قلتُ إنّ الكثير من الزّوجات أو العازبات العربيّات يتعرّضنَ للعُنف والضّرب. وضربُ النّساءِ في عصر الفضاء ليس شائعاً في عالمنا العربيّ، فحسب، ولكنّه صفةٌ «عالميّةٌ» بنسبٍ متفاوتةٍ بين أقطار العالم. عرض الأزياء هذا أبدعه بشارة عطاالله الذي أخذ على مشاهيرِ صناعة الأزياء اللّبنانيّين القيام بعروضهم في الغرب وعدم المشاركة في أسبوع الأزياء في لبنان وهو محقٌّ في ذلك.
ولكنّ ذلك العرض جاء أوّلاً ليُشكّل صدمةً رائعةً تلفتُ الأنظارَ إلى قضيّةٍ ذات بُعدٍ إنسانيٍّ هي إساءة معاملة المرأة والاستعلاء على شعورها الإنسانيّ، وهو قمعٌ تُشارك فيه المرأة من دون أن تدري، حينما تدعم ابنها الضّارب لزوجته وتربّيه منذ حداثة سنّه على وَهم الشّعور بالعظمة. عمّتي الحبيبة التي عاشت قرناً كانت تسألني، كلّما اتّصلتُ بها في دمشق للاطمئنان عليها، «كيف زوجك تاج رأسك» حرفيّاً، وهذا لقبٌ من ألقاب الزّوج في الشّام، أمّا الطّفل الذّكر فثمّة أغانٍ نصف بذيئةٍ تنشدها الأمهات تغزّلاً بعضو الطّفل وتلقّبه بـ «عَمود البيت»... إلى آخره.

 بين الزّمن الجميل والفعل القبيح

 صحيحٌ أنّ عرض الأزياء هذا ذكّرنا بملابس الزّمن الجميل، لكنّ قوّته الحقيقيّة تكمُن في دعم أولئك الذّكور (الملتحين) لقضيّة المرأة. ويقولُ أحدهم (داني صالح) إنّ زوجته كانت أوّل مَن صفّقت له، ولن أكون أنا بالتّأكيد آخر مَن يُصفّق له ولهم ويشكرهم على هذا العرض (الصّادم) لأنّه يوقظ الكثيرين من صمتهم على قضيّةٍ بحجم العُنف ضدّ بعض النّساء. وشكراً للممثّل حسن ديب الذي أكّد أنّه لن يتردّد في فعلها ثانيةً، والمخرج سليم مراد الذي شعر بأنّه «دافع عن قضيّةٍ إنسانيّةٍ حسّاسةٍ جدّاً والفنّان كريستوفر رزق الله الذي تغلّب على مخاوفه من سوء التّأويل حين ارتدى ملابس النّساء من أجلِ لفت الأنظار إلى أمرٍ شاذٍّ هو تعنيف المرأة.
وائل بطرس تساءل باستنكار: «هل في ذلك انتقاصٌ من رجولتي؟ العرض خدم القضيّة النّسائيّة». والشّكر متّصلٌ لكريستوفر رزق الله وعمر صغير ورامي سعيدي وسليم مراد وإيلي بلان وسواهم، من الذين ارتدوا ثياب الحريم وكان ماكيّاج وجوههم الكدمات والجراح، وتحيّةً لجرأة نادين أبو زكي التي نشرت ملفّاً حول ذلك، كما نشرت على غلاف مجلّتها صورة ذلك الرّجل (المضروب) وهو بثياب امرأةٍ وجعلت من مجلّتها مجلّةً «نسويّة» لا «نسائيّة» فحسب.

 تحرير المرأة مَهَمّة الرّجل أيضاً

 لطالما رصدتُ ما يكتبه «الرّجل العربيّ الجميل» في دعم المرأة وكرّست لذلك فصلاً في أحد كُتُبي. وآخر ما طالعتُ في هذا المجال عَمود لنزار سيف الدّين (اللّواء 21 أكتوبر/ تشرين الأوّل) وممّا جاء فيه تشجيع المرأة على المواجهة والثّورة على الظّلام والظّلاميّين، لافتاً بذكاءٍ إلى أنّ «الكثيرات يكرهنَ ذواتهنّ وجنسهنّ ويُمارسنَ قمعاً ذاتيّاً أقسى ممّا تمارسه التّقاليد» لكنّه لا يوفّر (سي السّيّد) من انتقاده ويرى أنّه من الضّروريّ أن يتبنّى المجتمع «منح الحرّيّة والمساواة للمرأة وتعليمها وسَنّ القوانين التي تحميها وترفع الظّلم التّاريخيّ عنها «كما لا ينسى ضرورة الحرّيّة الاقتصاديّة التي تحقّق المرأة من خلالها ذاتها الواعية والنّاضجة.
ومن طرفي أعتقد أنّ المرأة المقموعة ليست «فاضلةً» ولا «فاسدة» لأنّه لا قيمة للفضيلة الإرغاميّة، والمرأة بحاجةٍ إلى حريّتها كي تصنع بها فضيلتها.
وأهلاً بالرّجل العربيّ الجميل أيّاً كانت أساليبه لدعم أخته المرأة، فالمرأة العربيّة لن تنالَ قضمةً من رغيف الحرّيّة إذا لم يدعمها الرّجل العربيّ الجميل.

 هل المرأة جائزة ترضية؟

 المرأة اللّبنانيّة المضروبة تكاد تكون «مُرفّهة المعذّبات» قياساً إلى الصِّيَغ المُختزنة لإذلالها في مجتمعاتٍ أخرى.. منها مثلاً أن يقتلَ شابٌّ من القبيلة (ألف) شابّاً من القبيلة (باء) وبدلاً من الانتقام بقتل شابٍّ من قبيلة القاتل، تُقدّم قبيلة القاتل أحلى بناتها كنقودٍ فديةً للقبيلة (باء) بدلاً من بقراتٍ عدّة! كما لو كانت المرأة دُميةً جنسيّةً وسلعةً لا إنسانيّة... ولا أعرف تعنيفاً أكثر إذلالاً من ذلك.
وشكراً للإنسانيّة في نفوس (الذّكور) المدافعين عن (الإنسانة) التي تستحقّ حقوقها كاملةً كمواطنةٍ لبنانيّةٍ، كأيّ مواطنٍ آخرَ تصادف أنّه ذكر.

مقالات قد تثير اهتمامك